الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لم يكن رجل أيديولوجيا ماركسية خلال عمله ضابط استخبارات أيام الاتحاد السوفياتي، ولا هو اليوم رجل أيديولوجيا يمينية. ما تعلمه في الرئاسة، كما قال لزائر غربي، هو أن يكون عكس "شفافية" ميخائيل غورباتشوف و"ليونة" بوريس يلتسين. ولم يتردد في لوم لينين و"تصحيح" ما سماه "غلطته" في جعل أوكرانيا "جمهورية اشتراكية سوفياتية". وما تعلمه من عمله ضابطاً في "كي جي بي" من 1975 إلى 1991 هو "تقاليد الاستجوابات"، بحسب تيموتي سنايدر أستاذ التاريخ في جامعة ييل، "لا شيء حقيقياً. لا شيء يستحق التضحية. كل شخص للبيع. القوة تصنع حقاً، والمجانين وحدهم يؤمنون بالعكس ويجب أن يدفعوا ثمن كونهم مجانين". لكن الغريب هو أن يلعب بوتين في "مؤتمر فالداي" دور المنظر الأيديولوجي والجيوسياسي والاستراتيجي. والأغرب هو إصراره على السعي لإقناع الروس والعالم بأن الغرب الأميركي والأوروبي يريد "تدمير روسيا ومحوها من على الخريطة"، وأن الهجوم على أوكرانيا هو "معركة من أجل بقاء روسيا التي تدافع عن حقها في الوجود وتغيير النظام العالمي بأسره". فما سلاحه في هذه المعركة؟
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
خلال "المنتدى الاقتصادي" في بطرسبرغ عام 2021 قالت مرغريتا سيمونيان رئيسة شبكة "آر تي" الرسمية بصراحة "كل أملنا في المجاعة". وفي حرب أوكرانيا يراهن بوتين على أربعة أسلحة: المجاعة، والطاقة، والشتاء، والصواريخ. رد على الغرب الذي استخدم العقوبات والعرقلة الاقتصادية كأقوى سلاح في الصراع الجيوسياسي مع روسيا بتجويع العالم: إغلاق البحر الأسود لمنع الصادرات الأوكرانية من قمح وشعير وزيت عباد الشمس وسواها. وحين ضج العالم وتحركت الأمم المتحدة وتطوع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للوساطة وترتيب اتفاق على السماح بتصدير المواد الغذائية، ظل بوتين يشكو من أن القمح الأوكراني يذهب إلى الدول الغنية لا إلى الدول الفقيرة، وانتظر الفرصة الأولى التي وجد فيها عذراً للانسحاب من الاتفاق. مارس بيع أو عدم بيع الغاز والنفط كسلاح ضد أوروبا المعتمدة على الطاقة الروسية، ولرفع الأسعار بما يضعف حكومات الغرب. راهن على الشتاء لدفع شعوب أوروبا والولايات المتحدة الأميركية إلى الانتفاض على حكامها بسبب الخوف من البرد لقلة الغاز، وللتصعيد في الحرب. واستخدم ولا يزال كل ما يمكنه من صواريخ كروز وما يشتريه من مسيرات إيرانية لبث الرعب في صفوف المدنيين الأوكرانيبن وتدمير البنية التحتية ولا سيما في قطاع الكهرباء.
أسلحة مؤذية جداً، لكنها لا تحسم حرباً مثل حرب أوكرانيا. فلا بالصواريخ وحدها يسقط نظام الرئيس فولوديمير زيلينسكي، ولا المسيرات تمكنت من عرقلة التقدم العسكري الأوكراني على الأرض في الشمال والشرق وحتى في الجنوب. لا شيء يوحي، حتى إشعار آخر، بأن الغرب الذي استعاد شبابه ووحدته، من حيث أراد بوتين تقسيمه وراهن على تعبه من تمويل كييف وتدريبها وتسليحها، يبدو في مزاج التراجع عن دعم أوكرانيا. ولا روسيا هي كما يعتقد بوتين "قوة تصحيح" للنظام العالمي. إذ كيف يمكن أن يكون غزو أوكرانيا أداة التغيير المطلوب في النظام العالمي؟ وأي نظام هذا الذي يقوم على غزو البلد القوي الجارَ الأضعف؟ كيف يكون مسح أوكرانيا من فوق الخريطة هو السبيل لمنع الغرب مما يسميه بوتين "مسح روسيا من الخريطة"؟ وأي مجنون يفكر في محو روسيا؟
مفهوم أن يدافع اليميني المتطرف في أوروبا وأميركا عن بوتين وحربه، لكن الغريب هو أن تؤيد قوى يسارية بوتين كما لو أنه ستالين وروسيا هي الاتحاد السوفياتي. والأغرب، وإن كان السبب كره أميركا، هو أن يتحمس لغزو أوكرانيا فلسطينيون وعرب وإيرانيون يقاتلون الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين والجولان.