مع عودة رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق بنيامين نتنياهو إلى سدة الحكم ومسعاه لتشكيل الحكومة الجديدة التي ستكون عناصرها من اليمين التقليدي في الساحة الحزبية، وبصرف النظر عن الأسماء المحتمل دخولها بقوة إلى الساحة السياسية، فإن السؤال الذي يطرح نفسه بالفعل: ماذا تعني عودة نتنياهو إلى الحكم بالنسبة إلى الدول العربية؟ وماذا يحمل الرجل من رؤية وأفكار وتصورات سيعمل بها في الفترة المقبلة، بخاصة أن تراكم حكم نتنياهو في الحكومة الإسرائيلية فرض نمطاً حقيقياً للعلاقات، وهو ما سيبرز في الفترة المقبلة؟
الأردن... صدام محتمل
يحمل نتنياهو رؤية استباقية سيتعامل معها مع دول الإقليم بصورة حاسمة، فبالنسبة إلى طبيعة علاقاته مع الأردن سيظل سيناريو توتر الأوضاع قائماً، فالرجل يريد بناء شراكة جديدة تتجاوز ما كان قائماً في الفترة الأخيرة من حكمه، معتمداً على أن الأردن شريك وطرف تاريخي يجب التعامل معه بواقع مختلف.
لكن الإشكالية الحقيقية كما يرى أن الأردن قدم لخصومه أوراقاً جرى توظيفها جيداً، وهو ما عبر عنه رئيس الوزراء الأردني بأن الحكومة الأردنية تدرس وتتوقع الدخول في حالة صدام مع نتنياهو وبرنامجه الذي سيعمل به، بخاصة في ملف المقدسات الإسلامية، وإشراف الأردن بمقتضى الاتفاق الثلاثي على هذه المقدسات، وباعتبارها نموذجاً وأصل شرعية الحكم الهاشمي، وهو ما تدركه إسرائيل.
هناك مخاوف حقيقية من تنفيذ نتنياهو، وهو أمر وارد، خطة التقاسم في القدس وفي المسجد الأقصى، بل والتلويح بالدخول في تنفيذ مخطط صفقة القرن بضم الضفة الغربية، وهو الإجراء الذي توقف لاعتبارات دولية، وبعد تدخل بعض الدول العربية الوازنة، التي حذرت من اندلاع موجة جديدة من العنف غير المسبوق، وفي ظل تحذيرات أطلقتها الإدارة الأميركية، وهو ما قد يؤدي إلى توابع لا تتحملها إسرائيل في واقعها الراهن والمحتمل.
التخوف الأردني سينتقل من الرؤية الكبيرة إلى رؤية متعلقة بإدارة العلاقات واحتمالات تجميد اتفاقيات الكهرباء والمياه التي جرى إبرامها، مما قد يؤثر في حصة المياه الأردنية، وإحراج الحكومة الحالية التي أبرمت الاتفاق، وفي ظل ترقب، وانتظار للسيناريو الأسوأ من قبل جماعة الإخوان المسلمين، التي سبق أن حذرت من مغبة المضي قدماً في مسارات التطبيع الراهن، مع عدم وجود ضمانات حقيقية لما سيجري.
والواقع أن اليمين الإسرائيلي ما زال يدعو إلى أفكار متعلقة بالوطن البديل وإقامة الدولة الفلسطينية خارج السياق التاريخي والتمسك بالأغوار، وهو ما قد يكون مدعاة لقلق أردني حقيقي في ظل انشغال العالم بتطورات الأزمة الروسية الأوكرانية، وانشغالات الإدارة الأميركية، التي ستخرج من انتخابات التجديد النصفي للكونغرس إلى الاستعداد لانتخابات الرئاسة الأميركية، التي بدأت ملامحها تلوح في الأفق.
لبنان... ترسيم الحدود في مهب الريح
أما لبنان الذي أبرم اتفاق ترسيم للحدود البحرية مع إسرائيل فإن الإشكالية في تحفظ اليمين الإسرائيلي على بعض بنود تفاصيله، وهو ما سيتطلب بالفعل العمل على احتمالات أن تتراجع إسرائيل عن الاتفاق، أو تحاول التشويش على إتمامه في ظل مطالبات حقيقية بتجميد بنوده أو فرض إشكاليات على التنفيذ، وهو ما سيكون مطروحاً، وفي ظل تخوفات لبنان الذي يعاني فراغاً سياسياً ودستورياً قد يستثمره نتنياهو بقوة، الذي حذر بالفعل منه، واعتبر أن إسرائيل بحاجة إلى قيادة مختلفة تملك خبرة، ورئيس حكومة قوي قادر على مواجهة الضغوط، ولا ينصاع إلى التهديدات، في إشارة مهمة إلى حزب الله وتهديداته لإسرائيل بالتصعيد العسكري، الأمر الذي سيتطلب تقديم ضمانات حقيقية ومهمة من الوسيط الأميركي الطرف الرئيس، وهو ما طالب به لبنان رسمياً.
لكن من المشكوك فيه أن تقدم الإدارة الأميركية على تقديم رسائل تطمينات وضمانات للجانب اللبناني والاكتفاء بالفعل بتأكيد الاتفاق في مصلحة إسرائيل ولبنان، وهو ما أكده متحدث الخارجية الأميركية نيد برايس.
وفي المقابل سيستمر نتنياهو بتأكيد أن الاتفاق -يعد في رؤيته- اتفاق استسلام، فهل سيقدم على تجميده أو في الأقل التوجيه بعدم تنفيذ بنوده على الأرض، وهو ما قد يؤدي إلى الصدام مع لبنان، ويعطي الفرصة للتصعيد في مواجهة حزب الله.
الجبهة الفلسطينية... مزيد من التوتر
إن الإشكالية الكبرى في التعامل مع الجانب الفلسطيني، الذي لا يملك بدائل حقيقية في التعامل، ومع تتالي التصريحات الرسمية الفلسطينية بأن عودة اليمين الإسرائيلي إلى حكم إسرائيل ستعني مزيداً من التوتر والصدامات، وعدم إيجاد الفرصة ولو المبدئية لاستئناف الاتصالات فإن المتوقع أن يقدم نتنياهو على فرض رؤيته تجاه الجانب الفلسطيني مكتفياً بخطاب عام وشامل، ومع وجود شخصيات معروف عنها ارتباطاتها الأيديولوجية بالعنف والإرهاب والعنصرية والفاشية، وفقاً للمفهوم الإسرائيلي وليس الفلسطيني، فإن مزيداً من التوتر العام سيسود العلاقات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي ظل سيناريوهات قد تبدو صفرية منها استئناف سياسة الاستيطان بصورة كاملة مع السماح لقطعان المستوطنين بالانتشار في القدس ونابلس وجنين، وهو ما سيؤدي إلى اندلاع مزيد من المواجهات والصدامات مع التوقع بالذهاب بالأوضاع في الأراضي المحتلة إلى مواجهات قد تفضي إلى انتفاضة جديدة تتحسب لها جيداً الحكومة الإسرائيلية اليمينية الجديدة، التي ستزايد على فرض الحلول من أعلى، بخاصة أن طبيعة العلاقات الفلسطينية - الأميركية لن تسمح بالفعل بالتدخل أو الضغط على الجانب الإسرائيلي.
إن عودة اليمين الإسرائيلي إلى الحكم مع نتنياهو ستدفع إلى مزيد من التوتر مع قطاع غزة، واحتمالات تدهور الأوضاع، وكسر حالة الهدنة بالفعل القائمة والمستمرة، وهو ما يجب وضعه في الانتباه مع احتمال الإقدام على سياسات جس النبض، التي يتقنها اليمين الإسرائيلي جيداً، ويعمل عليها بصورة كبيرة.
ومن المقدر أيضاً أن يقدم نتنياهو على استئناف سياسة الاغتيالات بناء على توصيات "شاباك"، وقد بدأتها الحكومة الراهنة منذ أسابيع عدة، ومن المرجح أن تكون هناك سياسات أمنية واستراتيجية تتعلق بوضع السلطة الفلسطينية، وقيادتها مع الدعوة المكررة باتباع نموذج التعامل مع الراحل ياسر عرفات مع الرئيس محمود عباس، الأمر الذي قد يؤدي إلى خيارات صفرية حقيقية بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.
مصر... شراكة مستمرة
ومع مصر فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي يدرك أن مصر سبق أن تعاملت معه بجدية وتمت اتصالات معلنة عدة، لكن نتنياهو يأتي في ظل توقيت محدد وحرص من القاهرة على تطوير العلاقات، وتنميتها بصورة لافتة، فقد جرى توقيع الاتفاق الثلاثي بين مصر وإسرائيل والاتحاد الأوروبي لنقل الغاز من إسرائيل وتسييله في مصر ونقله إلى أوروبا، كما زار رئيس الوزراء السابق نفتالي بينيت القاهرة، وتواصلت اللقاءات مع خليفته يائير لبيد، والسؤال: هل هذا التراكم في مستوى العلاقات بين القاهرة وتل أبيب سيدفع إلى المزيد أم التوقف التدرجي؟
يوجد أكثر من سيناريو سياسي وأمني، ومن المرجح أن يستمر رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد في الشراكة مع مصر أمنياً وسياسياً، ففي عهد نتنياهو تطورت اللقاءات الأمنية والاستخباراتية، وجرى التجاوب لكل المطالب المصرية تجاه إسرائيل، وعملت قنوات الاتصالات بصورة جيدة، ولا يمكن اختزال ما جرى في مسار العلاقات في عدم زيارة رئيس الوزراء نتنياهو القاهرة مثلما جرى مع نفتالي بينيت ويائير لبيد.
إن الأولوية لدى نتنياهو ستكون إتمام زيارة لمصر وتقريب مستويات العلاقات، مع التوقع بعدم دخول اليمين الإسرائيلي في أي مواجهات مع مصر، وإن كان الأمر سيكون مطروحاً بالنسبة إلى آليات التعامل مع الجانب الفلسطيني في الأساس، وهو ما قد يوتر العلاقات بين مصر وإسرائيل، وإن كانت الرؤية الحقيقية وساحة الاختبار في قطاع غزة والتعامل مع أي سيناريو سواء جرى كسر الهدنة أو اختبارها على أرض الواقع، فدور القاهرة هو المرشح دائماً للتدخل والتعامل من مقاربة المصالح التي تحكم كل الأطراف، وليس فقط الإسرائيلي أو الفلسطيني، بخاصة أن القاهرة حريصة على ممارسة دور الوسيط في كل تعامل انطلاقاً من حسابات مخطط لها جيداً، ويمكن البناء عليها، وهو ما تدركه إسرائيل وتعرف حدوده ومصداقيته الحقيقية.
المشهد الخليجي... تطوير العلاقات
خليجياً، فإن نتنياهو سيعمل على تطوير العلاقات مع دول الخليج، بخاصة الإمارات والبحرين ارتكاناً إلى ما أنجز، وإن كان سيسعى إلى تطوير مجال التعاون الإقليمي انطلاقاً من حرص حكومة اليمين الإسرائيلي على تكشف خطوات جادة نحو إتمام ما كان مجمداً.
ستعمل الحكومة الإسرائيلية وفق فلسفة توافقية، ولن تصطدم مع الإقليم أو العالم، كما هو مطروح في المصادر الإسرائيلية، وإذا كان مطروحاً دخول بعض الشخصيات الموصوفة بالإرهاب والتطرف والتعبير عن فكر فاشي، فإن هذا الأمر لن يعوق ما سيجري من محاولات اليمين العمل وفق فلسفة معلومة للجميع من برنامج يركز على أولويات الأمن، وتكثيف الاستيطان، ونفي وجود الآخر وتبني مقاربات انفرادية محددة، مع عدم إعطاء أي فرصة للتقارب أو حتى استئناف الاتصالات مع الفلسطيني، والتركيز على مقاربات الأمن أولاً، وإحياء كامل للجان التنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية، باعتباره ركيزة أساسية لما هو قادم ومهم بالنسبة إلى حكومة اليمين الحاكم.
وسيسرع اليمين الحاكم تجاه تنفيذ مشروعات مثل قضبان السلام، وإقامة مراكز إنذار استباقية، مع تأكيد الحضور الأمني في أية ترتيبات استراتيجية تطرحها الإدارة الأميركية لمواجهة أية مخاطر محتملة في حال إتمام الاتفاق النووي بين الولايات المتحدة وإيران.
إن عودة نتنياهو إلى حكم إسرائيل سيترتب عليها كثير من التبعات السياسية والاقتصادية والاستراتيجية على كل المستويات، الأمر الذي يتطلب إعادة ترتيب بعض التوجهات، سواء على مستوى الدول، مثل الأردن ومصر ودول الخليج، وكذلك على مستوى السياسات الجمعية العربية، ومنها على سبيل المثال التعامل اليميني مع السلطة الفلسطينية والأردن، بخاصة في الملفات الأكثر تشابكاً وتعقيداً، مثل ملف القدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية، إضافة إلى التخوف من ارتدادات حكم اليمين على ما جرى إبرامه من سلسلة اتفاقيات مع الأردن ولبنان، بما قد يؤدي إلى تفجر الموقف في الإقليم، نتيجة ما قد يطرح من مواقف وتوجهات عدائية لحكم اليمين القادم في إسرائيل.