في محاولة للتمهيد لقرارات اقتصادية مؤلمة ستعلنها الحكومة البريطانية الخميس المقبل، 17 نوفمبر (تشرين الثاني)، استبعد وزير الخزانة البريطاني جيريمي هنت توفير أي تمويل إضافي للخدمات العامة في البلاد بما فيها خدمة الصحة الوطنية، وفي مقابلة مع شبكة "سكاي نيوز" الأحد، كشف هنت الخطوط العريضة لموازنة الخريف التي سيعلنها أمام مجلس العموم (البرلمان البريطاني) في الـ 17 من الشهر الحالي.
وقال "سيكون علينا زيادة الضرائب وخفض الإنفاق العام كي نثبت أننا بلد يدفع ما عليه، وأخشى أنه سيكون على الجميع تحمل مزيد من الضرائب".
وأوضح وزير الخزانة أن أصحاب الدخول العالية سيكون عليهم دفع ضرائب أكثر، مؤكداً أن الضرائب ستزيد بالنسبة إلى الجميع، وتابع في بيان "سنطلب من الجميع تضحيات"، لكنه استدرك "لا نستطيع طلب الكثير من المواطنين أصحاب الدخول المنخفضة".
وأضاف "سينعكس ذلك بوضوح في القرارات التي سأعلنها، وهذا أمر مهم لأن بريطانيا بلد عادل ومتعاطف".
وكان هنت تولى وزارة الخزانة خلال الأيام الأخيرة لحكومة رئيسة الوزراء المستقيلة ليز تراس، وأبقى عليه رئيس الوزراء الجديد ريشي سوناك في المنصب.
وعينت تراس هنت بعدما أقالت وزير خزانتها كوازي كوارتنغ الذي أعلن موازنتها التكميلية نهاية سبتمبر (أيلول) الماضي، متضمنة خفضاً للضرائب على الأغنياء والشركات من دون مصادر تمويل لذلك سوى زيادة الاقتراض العام بشدة، مما أدى إلى انهيار الجنيه الاسترليني وارتفاع العائد على سندات الدين السيادي.
ضرائب خفية
وكانت القرارات الأولى لهنت خلال الأيام الأخيرة لحكومة تراس تشمل إلغاء كل بنود موازنة كوارتنغ في محاولة لاستعادة ثقة الأسواق والمستثمرين العالميين في الاقتصاد البريطاني، ثم الإعلان عن الإعداد لخطة مالية واقتصادية تخفض حجم الاقتراض وتسد فجوة في المالية العامة للحكومة قدرت بأكثر من 70 مليار دولار (60 مليار جنيه استرليني).
وكانت حكومة ليز تراس في موازنتها السابقة قررت إلغاء زيادة الضريبة على الشريحة العليا للدخل إلى 45 في المئة بدلاً من 40 في المئة.
وكان من ضمن قرارات جيريمي هنت منذ تعيينه الإبقاء على زيادة ضريبة الشريحة الأعلى الجديدة، وبدلاً من زيادة نسبة الضريبة على شرائح الدخل المختلفة في موازنة الخريف بعد أيام، يعتقد أن وزارة الخزانة ستلجأ إلى ما يسمى "الضريبة الخفية"، أي الإبقاء على نسبة الضريبة على الشرائح مع تجميد رفع حد الشريحة أو حتى خفض ذلك الحد. وذكرت صحيفة "صنداي تلغراف" أن وزراء الحكومة يدرسون خفض شريحة الضريبة الأعلى بنسبة 45 في المئة، مما يعني أن مزيداً من أصحاب الدخول العالية سيدفعون ضرائب أعلى.
ويتوقع أيضاً أن تتضمن موازنة الخريف خفض حد الشريحة الأدنى، مما يعني أن مزيداً من المواطنين سيدفعون ضرائب أكثر.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويتوقع أن يعلن جيريمي هنت تجميد سقف شرائح الدخل الضريبية، أي أن جميع دافعي الضرائب على الدخل ستزيد الضرائب عليهم عملياً كل عام، وكل ذلك يزيد من دخل الخزانة العامة.
أما خفض الإنفاق العام المتوقع في الموازنة فسيكون بطريقة غير مباشرة إلى حد كبير، فإلى جانب مطالبة وزير الخزانة كل الوزارات والإدارات الحكومية بضغط موازناتها لتوفير نسبة من مخصصاتها من الموازنة العامة، إلا أنه لن تكون هناك أية زيادة في مخصصات الخدمات العامة في البلاد.
التمريض والإضرابات
وعلى رغم أن وزير الخزانة تفادى الإجابة الصريحة والمباشرة في مقابلته مع "سكاي نيوز"، لكنه كان واضحاً في أن خدمة الصحة الوطنية (إن إتش إس) لن تحصل على أية زيادة في موازنتها.
وقال جيريمي، الذي كان وزيراً للصحة لفترة طويلة من قبل، إن التمويل الحكومي لخدمة الصحة الوطنية مرتفع بالفعل وإن على الحكومة "عمل كل ما يمكنها لزيادة الكفاءة" في الإنفاق داخل خدمة الصحة الوطنية.
ورداً على سؤال في شأن عشرات آلاف الممرضين والممرضات الذين صوتوا هذا الأسبوع لمصلحة الدخول في إضراب مطالبين بزيادة رواتبهم بنسبة 17 في المئة، قال وزير الخزانة إنه لا يمكن زيادة الرواتب طبقاً لمعدلات التضخم، وإن بدأ كلامه بأنه "مدرك تماماً لأسباب قلق العاملين في التمريض وأنهم يطالبون بنسبة الزيادة في رواتبهم بسبب ضغط كلف المعيشة وارتفاع التضخم على دخولهم"، لكنه أضاف "أعتقد أن علينا الاعتراف بالحقيقة المرة وهي أنه لو قمنا بزيادة الرواتب بنسب تساوي معدلات التضخم، فإن نسبة التضخم العالية في الاقتصادي ستبقى موجودة، ولن نتمكن من خفض معدلات التضخم ولهذا السبب أنا لا أدعي أنه ليست هناك قرارات صعبة عليّ اتخاذها، والحل للوضع الحالي هو خفض معدلات التضخم بأسرع ما يمكن لأن التضخم المرتفع هو السبب الأساس لهذا القلق والغضب والإحباط لدى العاملين، لأن أجورهم ليست مرتفعة بالقدر المناسب".
ويتوقع أن تؤدي إجراءات خفض الإنفاق العام ووقف زيادات الرواتب والأجور على رغم ارتفاع معدلات التضخم إلى مزيد من الإضرابات وتعطيل الخدمات العامة، فإلى جانب العاملين في التمريض صوّت أيضاً عشرات الآلاف من العاملين في هيئات التدريس في الجامعات لمصلحة الإضراب عن العمل بسبب رفض زيادة الرواتب التي يطالبون بها لتحمل أعباء ارتفاع كلفة المعيشة.