مع شبح الركود الذي يلوح في أفق الاقتصاد العالمي، سيكون إحياء النمو الضعيف على رأس جدول أعمال قمة قادة مجموعة العشرين للاقتصادات المتقدمة والنامية، التي تنطلق غداً الثلاثاء في جزيرة بالي بإندونيسيا وتستمر أعمالها حتى 16 نوفمبر (تشرين الثاني).
لكن المشكلة تكمن في الخلاف بين أعضاء المجموعة وهو سبب رئيس للتباطؤ، فمن غير المرجح أن تنبثق جهود منسقة لتعزيز الاقتصاد العالمي من القمة في إندونيسيا.
وربما تعكس تصريحات وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين، التشاؤم من إمكانية أن تحقق القمة، التي تعقد لأول مرة في جنوب شرقي آسيا إنجازات حقيقية.
يلين قالت "بعد الأزمة المالية العالمية يمكن للبلدان أن تتحد معاً، وتقول إننا بحاجة إلى حافز مالي لمحاولة خلق فرص عمل حتى لا يكون هذا الانكماش المدمر لفترة طويلة، لكن الآن لدى البلدان مقادير مختلفة من الحيز المالي وضغوط تضخمية مختلفة".
وبنظرة ثاقبة على ما تعيشه مناطق العالم اليوم من أزمات اقتصادية، سنجد أن أوروبا قد تنزلق بالفعل إلى الركود، حيث تخنق روسيا إمداداتها من الطاقة، رداً على العقوبات الغربية بسبب هجوم موسكو على أوكرانيا.
كما أدى التضخم الناجم عن هذا الصراع إلى الضغط على المستهلكين والشركات في جميع أنحاء العالم، وزيادة الضغط على البلدان الأفقر من خلال فواتير استيراد الغذاء والطاقة المتصاعدة.
رداً على ذلك، قامت البنوك المركزية وفي مقدمتها بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، برفع أسعار الفائدة بقوة وتكثيف الضغط على النمو وزيادة تكاليف خدمة الديون لحكومات الأسواق الناشئة المثقلة بالديون.
وقالت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستالينا غورغيفا، الأحد، "بينما ننظر إلى هذه الصورة القاتمة، فإن الأمر الأكثر إثارة للقلق هو الاتجاه نحو زيادة الانقسام في وقت نحتاج فيه إلى بعضنا بعضاً بشدة".
وأضافت غورغيفا "أنا قلقة للغاية من أننا قد نسير نائمين إلى عالم سيكون أكثر فقراً وأقل أماناً نتيجة لذلك".
ويبدو أن التأجيل من تلك الضغوط الاقتصادية بعيد المنال، حيث تقوم البنوك المركزية بإرسال مزيد من الزيادات بأسعار الفائدة في المستقبل، وفي وقت تسعى الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى الحد من سعر النفط الروسي، قد ترتفع أسعار الطاقة أكثر من خلال الضغط على الإمدادات.
أميركا والصين
في الوقت نفسه، هناك خلاف بين الولايات المتحدة والصين، أكبر اقتصادين في العالم، بشأن قضايا تتراوح بين التجارة والتكنولوجيا إلى الأمن القومي وتايوان، حيث وضع مساعدو غورغيفا توقعات منخفضة لأي تحسن كبير في العلاقات عندما يلتقي الرئيس بايدن اليوم، الإثنين، مع الزعيم الصيني شي جينبينغ.
كما ستلتقي وزيرة الخزانة جانيت يلين مع حاكم بنك الشعب الصيني يي جانج على هامش القمة لمناقشة التوقعات الاقتصادية العالمية من بين قضايا أخرى، وفقاً لمسؤول في وزارة الخزانة الأميركية.
وقال الاقتصاديون بـ"غولدمان ساكس" في تقرير الأسبوع الماضي، إنهم يقدرون أن فرض حظر أميركي على صادرات الرقائق إلى الصين لأسباب تتعلق بالأمن القومي سيقلل نحو ربع نقطة مئوية من النمو الاقتصادي الصيني عام 2023.
هذه التوترات وغيرها تعني أن التوقعات بشأن أي استجابة اقتصادية منسقة لتحديات العالم من قمة مجموعة العشرين هذا الأسبوع تقترب من الصفر، مع تركيز البنوك المركزية على التضخم.
ويقول الاقتصاديون، إن الأمر متروك للحكومات لإدارة تداعيات ارتفاع أسعار الفائدة، خصوصاً عندما تنتشر المشكلات عبر الحدود إلى الدول الفقيرة من الدول الغنية.
الحرب والعقوبات
لقد استجابت مجموعة العشرين بقوة للانكماش الاقتصادي في الماضي، فبعد الأزمة المالية اتفقت الاقتصادات الكبرى في العالم على خطة لإعادة رسملة البنوك المتدهورة وتحفيز اقتصاداتها بالدعم المالي والنقدي.
وقالت سري مولياني إندراواتي وزيرة المالية في إندونيسيا، التي تستضيف مجموعة العشرين، إن البيئة الحالية تتناقض مع تلك الحلقة، حيث فشل وزراء مالية المجموعة في التوصل إلى اتفاق حتى على بيان مشترك مألوف في اجتماعاتهم العديدة خلال الفترة الأخيرة، حيث سلطت النسخ المنشورة الضوء على الخلافات حول الضربة الاقتصادية للحرب والعقوبات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقالت في مقابلة الشهر الماضي "لقد رأيت بأم عيني كيف صاغت مجموعة العشرين في ذلك الوقت حقاً هذا النوع من السياسة، عندما كان جميع القادة في القارب نفسه ولديهم القلق والعدو ذاته"، في إشارة إلى الاستجابة المنسقة عقب الأزمة المالية 2008-2009، وأضافت، "اليوم هم أعداء لبعضهم بعضاً".
في أحدث مجموعة من توقعاته قال صندوق النقد الدولي، إنه يتوقع أن يحقق الاقتصاد العالمي نمواً بنسبة 2.7 في المئة فقط خلال عام 2023، مع توقع أن يسجل 31 اقتصاداً من بين 72 اقتصاداً انخفاض الإنتاج لربعين متتاليين في وقت ما خلال هذا العام والعام المقبل، وهو تعريف قياسي.
وفي ما يتعلق بالركود الفني يتوقع الصندوق أن يتوسع الاقتصاد العالمي بنسبة 3.2 في المئة هذا العام، أي ما يزيد قليلاً على نصف وتيرة ستة في المئة التي حققها عام 2021.
وقدر الاقتصاديون الذين استطلعت آراءهم صحيفة "وول ستريت جورنال" الشهر الماضي احتمالية حدوث ركود خلال الأشهر الـ12 المقبلة في الولايات المتحدة بنسبة 63 في المئة، ارتفاعاً من 49 في المئة في استطلاع يوليو (تموز).
الاقتصاد بلا قاطرة
يتوقع عديد من الاقتصاديين حدوث ركود في الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة خلال الأشهر المقبلة، حيث أظهرت البيانات يوم الجمعة انكماش الاقتصاد البريطاني في الربع الثالث من 2022.
ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يتقلص الناتج المحلي الإجمالي في ألمانيا وإيطاليا في عام 2023، مع توقع نمو منطقة اليورو التي تضم 19 دولة ككل بنسبة 0.5 في المئة فقط.
وقال الصندوق في توقعاته الاقتصادية لشهر أكتوبر (تشرين الأول) "الأسوأ لم يأت بعد، وبالنسبة إلى كثير من الناس سيشعر عام 2023 بالركود".
ولا تقتصر المشكلات على تلك الناجمة عن الصراع العالمي، حيث يعمل الاقتصاد الصيني في ظل نهج بكين الذي يتسم بعدم التسامح مع "كوفيد-19" مع تفاقم الركود العقاري، وتباطؤ الولايات المتحدة وأوروبا، وهذا يترك الاقتصاد العالمي بلا قاطرة واضحة للنمو، وهو دور غالباً ما لعبته الصين في الماضي عندما كان العالم الغربي يتلاشى.
وقال غابرييل ستيرن، رئيس أبحاث الأسواق الناشئة بـ"أكسفورد إيكونوميكس" في لندن، إن الصين اعتادت أن تكون "امتصاص الصدمات العالمية كملاذ أخير"، وأضاف "هذا النوع من الشعور كأنه انتهى".
التضخم ورفع الفائدة
بالنسبة إلى مجموعة العشرين، وهي منتدى لـ19 من الاقتصادات الكبرى في العالم والاتحاد الأوروبي، فإن إحدى أكثر المشكلات الاقتصادية إلحاحاً هي التضخم، حيث وضعت البنوك المركزية بدلاً من الحكومات في مركز قيادة السياسة الاقتصادية.
وقالت وزارة العمل الأميركية، الخميس، إن أسعار المستهلكين في الولايات المتحدة زادت بنسبة 7.7 في المئة خلال أكتوبر على الشهر نفسه قبل عام، وكان ذلك بمثابة برودة من الصيف عندما وصل التضخم إلى أعلى مستوى في أربعة عقود، لكنه ظل أعلى بكثير من هدف الاحتياطي الفيدرالي البالغ اثنين في المئة.
ويقوم بنك الاحتياطي الفيدرالي برفع أسعار الفائدة بقوة لمكافحة التضخم، على أمل أن تؤدي تكاليف الاقتراض المرتفعة إلى كبح التوظيف والإنفاق والاستثمار.
كما رفع المسؤولون الأسبوع الماضي سعر الفائدة القياسي على الأموال الفيدرالية بمقدار 0.75 نقطة مئوية، وهي زيادتهم السادسة هذا العام، مما جعله يتراوح بين 3.75 في المئة وأربعة في المئة.
ورفع البنك المركزي الأوروبي في أكتوبر سعر الفائدة الرئيس بنسبة 0.75 نقطة مئوية للمرة الثانية على التوالي، كما رفع بنك إنجلترا هذا الشهر سعر الفائدة الرئيس أيضاً بمقدار ثلاثة أرباع نقطة مئوية في محاولة لترويض التضخم المتزايد، الذي قال البنك إنه سيساعد أيضاً في دفع اقتصاد المملكة المتحدة إلى ركود يستمر لأكثر من عام.
قوة الدولار
يشير بنك الاحتياطي الفيدرالي والبنوك المركزية الأخرى إلى مزيد من التشديد في المستقبل لانتزاع التضخم من اقتصاداتهم، لكن الزيادة بأسعار الفائدة تزيد من الضغوط الناجمة عن ارتفاع الأسعار في أجزاء أخرى من العالم.
كما تراجعت قيمة عملات عديد من الدول مقابل الدولار الأميركي، حيث أدى ارتفاع أسعار الفائدة إلى جذب رأس المال إلى الولايات المتحدة، ما أدى إلى زيادة تكلفة الواردات وخدمة الديون بالعملات الأجنبية.
تخفيف أعباء الديون
تضررت بشدة بعض الدول التي تعاني مشكلات مالية متهالكة في وقت حذر البنك الدولي ومؤسسات أخرى من خطر حدوث مزيد من الضائقة المرتبطة بالديون في المستقبل، حيث وافقت بنغلاديش هذا الشهر على حزمة دعم بقيمة 4.5 مليار دولار مع صندوق النقد الدولي لتنضم إلى قائمة البلدان التي طلبت مساعدة الصندوق هذا العام والتي تشمل أيضاً سريلانكا وباكستان.
وقال ستيرن إن أحد الأشياء التي يمكن أن تفعلها مجموعة العشرين هو الضغط على المقرضين لتسريع عملية تخفيف أعباء الديون وسط مخاوف من أن التقدم لم يكن بالسرعة الكافية في إطار مبادرة دولية تعرف بإطار العمل المشترك.
ويقترح اقتصاديون آخرون أن يفكر القادة أيضاً في الإعفاءات الضريبية والحوافز الأخرى لتشجيع مشاركة القطاع الخاص في تسوية الديون، وحثوا المقترضين على الإفصاح العام الكامل عن جميع ديونهم لتعزيز الثقة.
ويقول بعض الاقتصاديين إن الانكماش العالمي قد يكون قصير الأجل، خصوصاً إذا كان بنك الاحتياطي الفيدرالي قادراً على إعادة التضخم في الولايات المتحدة نحو الهدف بتكلفة متواضعة فقط من حيث الوظائف والنمو، أو إذا قامت الصين بتفكيك استراتيجيتها الصارمة لمكافحة فيروس كورونا فقد يرتفع الاقتصاد هناك.
ويقولون أيضاً، إن شدة أي تباطؤ يجب أن تخفف من حقيقة أن الأسر والشركات والبنوك في وضع مالي أفضل مما كانت عليه قبل الوباء، بخاصة قبل انهيار 2008-2009 الذي دفع الاقتصاد العالمي إلى الركود.