إذا ما أردت لنفسك شريكاً فوضوياً وشريراً خارقاً لا يمكن التنبؤ بتصرفاته، عليك بمواعدة برج الجوزاء، توصي مواقع الإنترنت. فدونالد ترمب وكايني ويست ودراكو مالفوي هم (حقاً) من بين أكثر مواليد الجوزاء شهرة في تاريخ الثقافة الشعبية وبحسب منطق الإنترنت الحالي، نجاح هؤلاء ووصولهم إلى ما وصلوا إليه في الحياة لا يعود إلى شخصياتهم الفردية إنما إلى مخططات ميلادهم.
وبمجرد أن تتصفح الإنترنت أو أحد تطبيقات المواعدة، ستلحظ بأن عديداً من المستخدمين والمستخدمات يصدرون أحكاماً كاسحة في حق شريحة كبيرة من الأشخاص استناداً إلى السمات "النموذجية" لأبراجهم. وبين تغريدة فيروسية حديثة تنعت "مواليد الجوزاء بالأشرار" وأخرى تصف "مواليد برج العذراء بالنقاد اللاذعين" وتعمر على هذه الصفة لتعتبرهم "أشخاصاً وأصدقاء سيئين - لا يمكنهم حتى إخفاء [ما يفكرون به]"، لا بد من التساؤل عما يستدعي الحكم المسبق على مجموعة كاملة من الناس بناءً على بعض التفسيرات الفضفاضة لعلم الفلك؟
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لعل شعبية التنجيم عبر الإنترنت هي البداية المثالية للإجابة عن هذا التساؤل. فعلى مدى العقد الماضي، استبدلت بمجلات الأبراج المبتذلة منصات التنجيم الرقمية - بعضها شرعي وكثير منها غير شرعي، وبات علم الفلك العامي في كل مكان وفي كل زاوية من زوايا حياتنا. والدليل على ذلك: استخدام ظاهرة "تراجع" عطارد كوسيلة لتفسير انحراف الأحداث عن مسارها بالنسبة إلى شخص معين في وقت معين – مثال تبوؤ ليز تراس رئاسة الحكومة البريطانية بعد مضي يومين فقط على آخر تراجع لكوكب عطارد في سبتمبر (أيلول)، وتنزيل تطبيق الأبراج "كوستار"(Co-Star) أكثر من ثلاثة ملايين مرة منذ إطلاقه في أواخر 2017، وتضمين تطبيق المواعدة "بامبل" (Bumble) مرشحاً متقدماً يتيح لك تحديد الأبراج التي تريد أن تتطابق معها وتتعرف إليها، وإتاحة وضعية المرئي لأبراج المستخدمين على حساباتهم الخاصة على تطبيق "هينج" (Hinge) للتعارف، ووصول تطبيق "ستارز ألاين" (Stars Align) الجديد إلى حد الادعاء بقدرة القيمين عليه على مساعدة الأشخاص في العثور على الحب والرومانسية من خلال توقعات التوافق القائمة على الأبراج.
وبصفتي واحدة من أفراد الجيل زد (بكل فخر)، لا بد أن أقر وأعترف بأن موضوع الأبراج يسيطر على معظم المحادثات التي أجريها بشكل يومي، من المحادثات الصغيرة مع الغرباء إلى المحادثات العميقة مع الأصدقاء. ومتى أردت التعرف على ما يقوله البرج عن صفات أحد الأشخاص أو كلما أردت احتساب مدى التوافق والانسجام بين صديق وحبيبته الجديدة، احتكمت إلى التنجيم باعتباره النهج المتبع حاضراً لتحديد طريقة تعامل الأشخاص مع بعضهم بعضاً وباعتبار الأبراج نظام اختبار سريع لعدد كبير من المتواعدين.
"لن أواعد فتاة من غير مواليد برج الحمل"، يؤكد الناشط جون جونيور، 34 سنة، "لهذا تجدينني أسأل كل فتاة عن برجها قبل أن أبادر في الحديث معها. فبرج الحمل يتمتع بصفات مذهلة، على غرار الانفتاح. وإن كنت صارماً جداً في شأن [من أواعد]، فذلك لأنني واثق كل الثقة بأنني على توافق تام مع برج الحمل".
تنويه صغير: التنجيم ليس علماً ولا يوجد دليل دامغ على ارتباط برج الإنسان بشخصيته. والمنجمون أنفسهم يشككون في صحة اتخاذ قرارات مبنية على تأثير الفلك والأبراج. وفي هذا الصدد. تقول كيري وارد، منجمة بخبرة تزيد على 20 عاماً ومؤلفة كتاب "تاروت العاقبة الأخلاقية الجيدة" (The Good Karma Tarot) إن "[الأبراج] دليل تقريبي وحجة جيدة لبدء محادثة مع شخص ما وكسر الجليد. والإنسان منا أكثر من مجرد انعكاس لبرجه، هو بوتقة منصهرة من المؤثرات وعلى رأسها الأسرة والثقافة والقيم والتعليم وتجارب الحياة والصداقات والوظيفة والصحة. وأعتقد أنه لا يفترض بأي منا أن يبني تفاعله مع الآخر أو رأيه به على أساس برجه حصراً". وبدلاً من تحليل برج الشخص، تنصحنا المنجمة إنبال هونيغمان بالاطلاع على مخطط ميلاده الذي يمكن أن يعطينا صورة أوضح عنه. فعلى حد قولها، يستعرض مخطط ميلاد كل شخص موضع الشمس والقمر والكواكب في الوقت المحدد لولادته. "وهذا أمر مفيد للغاية في تحليل الشخصية. والأرجح أن يكشف عن السبب الكامن وراء ارتباط أحدهم بموقف رومانسي مقارنة بموقف أفلاطوني."
وبالنسبة إلى نيومي*، 22 سنة، طالبة دراسات عليا في تاريخ الفن، فهي عادة ما تتجنب الأبراج الهوائية - الجوزاء والميزان والدلو – عند المواعدة أو مقابلة أصدقاء جدد، ما مبررها؟ حاولت أكثر من مرة مواعدة شبان من أبراج هوائية لكنها لم تنسجم معهم. "ليس مكتوب على برج الثور التعايش مع برجي الدلو والجوزاء، وطالما صح ذلك بالنسبة إليَّ". مواليد برج الدلو، برأي نيومي، "باردون جداً ومنعدمو الإحساس بحيث يصعب التواصل معهم. والأمر سيان لمواليد برج الجوزاء: فالواحد منا لا يعرف الجانب الذي سيقابله منهم وأجد صعوبة في الوجود حولهم. ليس لدي أصدقاء مقربين من برج الدلو أو الجوزاء ومعارفي من الجوزاء قلائل جداً".
وبالعودة إلى وارد، فهي تؤمن إيماناً راسخاً بأن الشعبية المتزايدة للأبراج تتأتى عن التهافت حديثاً على خدمات التصفية السريعة للأشخاص. وبنظرها، "لدى الأبراج تحيزاتها وصورها النمطية، مثلها مثل أي شيء آخر في هذا العالم". وتضيف: "هذا ما يفعله البشر عادة – يحاولون [العثور على] طريق مختصرة لأخذ لقطة لمجموعة. أعتقد أن الناس يبحثون من دون توقف عن معايير وضمانات تساعدهم على التركيز على شركاء يتوافقون معهم. أظن أنه لدى الجوزاء، برجي، سمعة سيئة. وفي ما يتعلق بالأبراج المعروفة بفرطها في الإغراء – وقابليتها للخيانة لو تهيبت القول – (كالجوزاء والقوس)، فتواجه المتاعب وتعيش أوقاتاً عصيبة شأنها شأن الأبراج المنعزلة أو الباردة بطبيعتها (كالدلو والجدي) أو الأبراج المتطرفة والصاخبة (كالحمل) أو الأبراج الظالمة والخطيرة (كالعقرب)".
وصحيح ألا ضرر في أن يكون لدى الواحد منا تفضيلات شخصية في ما يتعلق بالمواعدة – كما هو الحال مع جون ونيومي – لكن غالباً ما تنشأ مثل هذه التفضيلات عن عدد من التجارب الفاشلة مع ضفادع من برجي الجوزاء والعقرب. وإن كان على هونيغمان، فهي تتفهم أن يكون لتجارب المواعدة السابقة تأثير في نظرة الشخص إلى الأبراج. فهي نفسها، مرت بعديد من التجارب والأخطاء، وعلى أساس هذه التجارب والأخطاء قررت أن برج الحوت والقوس هما أكثر الأبراج توافقاً مع برجها (زوجها من برج الحوت). "أرى أنه من غير المستصوب الحكم على شخص بناءً على علاماته الأربع فقط [النجم والأرض والشمس والقمر]. وإذا كان لدى أحدهم تجربة خاصة مع برج معين، فمن الأفضل أن ينتبه إلى أول إشارة تحذير ولا ينتظر حتى وقوع المشكلة الكبرى."
إذن، نحن نعلم الآن أن الناس عموماً يحبون توبيخ مواليد الجوزاء على الإنترنت، ولكن كيف يكون الحال عند الطرف المتلقي للتوبيخ اللاذع؟ تقول طالبة الماجستير ماريا دميترييف، 21 سنة، إنها تشعر وكأنها تحت مجهر الغرباء أو الأصدقاء في كل مرة تكشف فيها عن برجها. "لم أحظ يوماً برد إيجابي إزاء إخبار أي كان بأنني من مواليد الجوزاء. عادة ما يفترض الناس أنني منافقة أو ماكرة وكثيراً ما يميلون إلى إضفاء الطابع النفسي على سلوكي... وإذا ما اقترفت شيئاً يعتقدون أنه مشكوك فيه، ذكروني بصفات (برج الجوزاء النموذجية) من دون تردد. يبدو لي أن ما كان يقرأ عن الأبراج في الجريدة أمس قد تحول إلى [تصنيف] كامل للشخصيات اليوم. فهل أنا الوحيدة هنا التي تعتقد أن هذا الوضع غريب بعض الشيء؟".
تطرح ماريا هذا السؤال وتنتقل بعدها للكلام عن حفل عشاء حضرته أخيراً وانزعجت خلاله من مبادرة أحد الأشخاص إلى محادثة لا مفر منها عن الأبراج: "لا أعرف كثيراً عن التنجيم، ولكن ما أعرفه كاف لأجزم أن شخصية الإنسان أكثر تعقيداً من أن تفسر بأبراج. كل ما أعرفه أنني من برج الجوزاء والناس يكرهونني."
ولربما يوافق مجتمع المنجمين ومتخصصي الأبراج على اختبارات التوافق بوصفها الأداة التي تسهل على البعض مهمة العثور على حبيب أو صديق يستمر معهم مدى الحياة، إلا أنه يرفض جملة وتفصيلاً تحويل الأبراج إلى أسلحة فتاكة في وجه أصحابها. وفي هذا الخصوص، توضح هونيغمان قائلة: "استخدام برج أحدهم من أجل تحطيمه هو أمر مخادع، وهو ليس حتماً السبب وراء امتلاكنا هذه المعرفة في المقام الأول".
وأنا شخصياً، مررت بتجارب مواعدة مزعجة مع رجال من برج الحوت تبين لي أنهم عديمو الإحساس وغير ملتزمين. فهل هذا يعني أنني سأسارع للخروج من الحانة إذا ما اتضح لي أن الشاب الذي أواعده وقد تعرفت إليه عبر تطبيق "هينج" مولود بين 19 فبراير (شباط) و20 مارس (آذار)؟ على الغالب لا. وسأكذب لو قلت إن جزءاً مني لن يتصرف بحذر، ولكنني سأكون أيضاً شجاعة (أو بالأحرى متهورة) وجريئة. ففي النهاية، أنا من مواليد برج الحمل.
* تم تغيير الأسماء
© The Independent