في كل النقاشات حول الانتخابات المقبلة في تركيا، يعود الحديث أخيراً إلى تأثير أصوات الأكراد على المعادلة الانتخابية.
فعندما يقوم الأشخاص والمؤسسات المهتمة بالسياسة التركية بحساب عدد الأصوات التي يمكن لأي مرشح محتمل أن يحصل عليها، يناقشون عدد الأصوات الكردية التي يمكن أن يحصل عليها أيضاً.
وهذا وضع طبيعي، لأن الأصوات الكردية هي التي ستحدد نتيجة الانتخابات، وبخاصة الانتخابات الرئاسية.
نعم في هذه الأيام التي نناقش فيها تأثير أصوات الأكراد على مصير البلاد"، نفاجأ بانفجار في أشهر شوارع إسطنبول: شارع الاستقلال، والذي أسفر عن ستة قتلى وعشرات الجرحى.
ولكن حتى قبل القبض على الجاني، ألقيت مسؤولية الجريمة على عاتق حزب العمال الكردستاني/ حزب الاتحاد الديمقراطي (بطبيعة الحال إنني شخصياً أعتبر حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية لأنه يستخدم السلاح).
ولكن فور ذلك أعرب كل من مسؤول حزب العمال الكردستاني في شمال العراق، وحزب الاتحاد الديمقراطي (الكردي)، في سوريا، عن تعازيهم للقتلى وأعلنوا أنهم لم ينفذوا الحادث.
بالطبع، سيستغرق الأمر بعض الوقت حتى تتضح أبعاد هذا الحدث المحزن.
لكني أريد أن أعيدكم إلى الوراء لنتذكر ما حدث قبل بضعة أسابيع.
حيث اجتمع النواب الأتراك في مبنى الاتحاد الأوروبي في بروكسل بصفتهم أعضاء الوفد التركي الذين يمثلون جميع الأحزاب التركية المشاركة في اجتماعات الاتحاد الأوروبي.
وبعبارة أخرى: حدث ذلك بعلم من الدولة التركية.
ولكن الرئيس أردوغان حاول التلاعب بعقول الناس عندما انتقد هذا الاجتماع الذي جمع بين النواب بمن فيهم نواب حزب الشعب الجمهوري وحزب الخير، المعارضين، مع نواب حزب الشعوب الديمقراطي الذين حضروا هذه الاجتماعات معاً في بروكسل.
وفي إشارة إلى ذلك، اتهم أردوغان، على الهواء مباشرة، "تحالف الأمة" بالإرهاب بسبب لقائهم مع نواب حزب الشعوب الديمقراطي. وأضاف "حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية وحزب الشعوب الديمقراطي منظمة إرهابية، وليس من الممكن أن ترونا مجتمعين معهم في لقطة واحدة".
وللمفارقة فإن أردوغان نفسه، وبعد أسبوع واحد فقط من هذا البيان، أرسل وفداً من حزب العدالة والتنمية بقيادة وزير العدل بكير بوزداغ ليلتقي مسؤولي حزب الشعوب الديمقراطي.
بالطبع، نحن لا نعرف ما الذي جرى الحديث عنه خلف الأبواب المغلقة، لكن أعضاء حزب الشعوب الديمقراطي صرحوا أن حزب العدالة والتنمية لم يحصل على ما يريد، وأعاد حزب الشعوب الديمقراطي نشر البيان الذي أدلت به رئيسته المشاركة بروين بولدان من قبل، حول ما يتعلق بالانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة في تركيا، وخاطبت فيها كلاً من جبهة المعارضة والحكومة: "على الجميع أن يعلم جيداً أن حزب الشعوب الديمقراطي لن يكون جسراً في أي حساب سياسي يتم استخدامه لمجرد عبور النهر".
وبعد أسبوع من ذلك حدث هذا الانفجار المؤلم قبل أيام قليلة.
فكان أول من تم اتهامهم هم الأكراد في تركيا من خلال حزب العمال الكردستاني.
ولا تزال هناك علامات استفهام تدور حول ملابسات الحادث، في مقدمتها أن مرتكبة العملية -يقال إنها- امرأة عربية سورية، كما أن محاولة وزير الداخلية سليمان صويلو لإلقاء اللائمة على الأكراد تترك علامات استفهام أخرى. علماً بأن الوزير صويلو ناقض نفسه عندما أدلى ببيان بعد الحادث قائلاً: "لو لم نقبض على المشتبه فيها، لكانت قد فرت إلى اليونان"، وبعد بضع دقائق من هذا البيان عاد ليقول: "كان المحرضون على الحادث سيقتلون المشتبه فيها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبينما صرح هذا الوزير بعد الحادث بيوم واحد بأن "المشتبه فيها دخلت البلاد بشكل غير قانوني من سوريا قبل أربعة أشهر"، ذكر جيران المرأة أنها كانت تعيش في تركيا منذ عام.
ما هو أكثر إثارة للاهتمام هو أن سجلات هاتف المرأة تشير إلى أنها اتصلت قبل الحدث بهاتف شخص يدعى "أمين إلهان"، رئيس مكتب حزب الحركة القومية الشريك لتحالف الجمهور الحاكم في شرق البلاد، ما أدى إلى اعتقاله يوم السبت.
نعم، إن الحزب الحاكم من ناحية يتهم كل من يلتقي حزب الشعوب الديمقراطية (الكردي)، ومن ناحية أخرى يحاول إقامة علاقة مع الحزب، وعندما يرفض هذا الأخير اقتراحاته يهددهم قائلاً: "ستتحملون العواقب". وتفسيره هو أن الحزب الحاكم يقول له: إما أن تكون معي، أو سأعلن أنك "إرهابي" ويمكنني حتى إغلاق حزبك.
علماً بأن هناك دعوى مرفوعة إلى محكمة الدستور ربما تنتهي بإغلاق الحزب، مما يعني أن الأكراد الذين كانوا يصوتون لحزب الشعوب ربما يمتنعون عن الذهاب إلى صناديق الاقتراع، بالتالي سيكون الحزب الحاكم هو الرابح. وبتعبير آخر:
إذا فشل الرئيس أردوغان في الحصول على دعم الأكراد، فإنه سيضع خطته البديلة موضع التنفيذ.
وأود أن أتناول لاحقاً، في مقال تفصيلي، قضية التفجيرات التي وقعت في الماضي ونتائجها وبياناتها الرسمية ومن نفذها.
أما الآن بالنسبة لدور الأكراد في الانتخابات الرئاسية.
فقد كان حزب العدالة والتنمية في السابق يتلقى دعماً كبيراً من الناخبين الأكراد، مما جعله حرياً بأن يطلق عليه: "حزب الأكراد"، لكن في غضون 20 عاماً، تغيرت وجهة نظر كل من حزب العدالة والتنمية والدولة تجاه الأكراد والقضية الكردية والمنطقة. وفي المقابل أصبحت الغالبية العظمى من الأكراد لا يثقون بحزب العدالة والتنمية.
وهذا يقلق حزب العدالة والتنمية، فإن هناك أكثر من 15 مليون ناخب كردي من أصل ما يقرب من 65 مليون ناخب سيصوتون في الانتخابات المقبلة.
ويدرك حزب العدالة والتنمية أيضاً أن الأصوات التي يحصل عليها من الأكراد تتضاءل وأن أصوات حزب الشعوب الديمقراطي آخذة في الازدياد.
والأهم من ذلك، أن تركيا مقسمة ليس فقط إلى ثلاثة أقسام اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، لكن أيضاً إلى محافظين وعلمانيين وأكراد.
وإذا أخذنا بالاعتبار استطلاعات الرأي العام الحالية، فإننا نلاحظ أنه لا يستطيع أي واحد من التحالفين: تحالف الجمهور (الحاكم)، وتحالف الأمة (المعارض)، الحصول على معدل الأصوات التي سيفوز بها في الانتخابات من دون الحصول على الأصوات الكردية.
لذلك، فإن أي تحالف سينضم إليه حزب الشعوب الديمقراطي سيكون أقرب إلى الفوز في الانتخابات.
وفي الأيام المقبلة ستظل الأسئلة التالية تتردد في الرأي العام السياسي التركي: "هل سيتم إغلاق حزب الشعوب الديمقراطي؟ هل سيقاطع الأكراد صناديق الاقتراع؟" و"من سيدعمون؟".