أظهرت مقاطع فيديو تداولها نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي أن المحتجين الغاضبين أضرموا النار في بيت مؤسس النظام الإيراني روح الله الخميني في مسقط رأسه مدينة خمين وسط البلاد.
وتحول "بيت الخميني" إلى متحف منذ سنوات ويحتوي على ممتلكات شخصية له وسعى النظام إلى تحويله إلى معلم سياحي.
وشهدت خمين والعشرات من المدن الإيرانية موجة جديدة من الاحتجاجات في ذكرى تظاهرات عام 2019 التي راح ضحيتها أكثر من 1500 قتيل.
حملة القمع الدامية
ونزل مئات المتظاهرين إلى الشارع الخميس، 17 نوفمبر (تشرين الثاني)، بمدينة كردية غرب إيران، في تحد جديد للسلطات، التي تعمل على قمع الاحتجاجات منذ أكثر من شهرين، وتخللت التظاهرات أعمال عنف دامية.
وفي حوادث دامية أخرى، قتل مسلحون الأربعاء والخميس على دراجات نارية تسعة أشخاص بينهم طفلان، وفق ما أعلنت السلطات في مدينتين إيرانيتين.
تتواصل الاحتجاجات التي بدأت بعد وفاة الشابة مهسا أميني في 16 سبتمبر (أيلول) بعد توقيفها على يد شرطة الأخلاق لعدم التزامها بقوانين اللباس الإسلامي.
وتتزامن الاحتجاجات هذا الأسبوع مع ذكرى حملة القمع الدامية لتظاهرات عام 2019 التي بدأت احتجاجاً على زيادة أسعار الوقود وواجهتها السلطات بالقوة وقتل خلالها مئات الأشخاص.
قتل المتظاهرين
وقالت منظمة "هنكاو" الحقوقية، التي تتخذ من أوسلو مقراً، إن قوات الأمن قتلت الخميس متظاهرين اثنين في بوكان وسنندج، وهما منطقتان ذات غالبية كردية.
وكانت المنظمة أفادت بمقتل عشرة أشخاص الأربعاء برصاص قوات الأمن.
في سنندج، كان سكان يكرمون "أربع ضحايا من المقاومة الشعبية"، بعد 40 يوماً على مقتلهم، وفق "هنكاو".
وقتل عنصر من قوى الأمن أيضاً في سنندج، بينما شوهد عدد كبير من المتظاهرين بشوارع المدينة، وفق ما أظهر شريط فيديو تحققت وكالة الصحافة الفرنسية من صحته.
وقالت وكالة أنباء "إرنا" إن الضابط بالشرطة حسن يوسفي طعن مرات عدة في سنندج بمحافظة كردستان.
وتحدثت "إرنا" عن مقتل أربعة عناصر من قوى الأمن الخميس، أحدهم في سنندج بينما طعن عنصران من الباسيج في مدينة مشهد أثناء "محاولتهما التدخل لأن مشاغبين كانوا يهددون تجاراً لإجبارهم على إغلاق محالهم". وتوفي ضابط في الشرطة كان جرح الأربعاء في أصفهان بالمستشفى متأثراً بجروحه، وفق الوكالة.
وأشارت الوكالة إلى أن "مشاغبين" في بوكان دمروا وأحرقوا ممتلكات عامة وأشعلوا النيران بمقر البلدية.
"الموت للديكتاتور"
وأمكن مشاهدة متظاهرين في فيديو آخر يهتفون "الموت للديكتاتور"، بينما كانوا يسيرون في شارع أشعلت فيه نيران، فيما أطلق العنان لأبواق السيارات، وسط صرخات تندد بالمرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية علي خامنئي.
ورأى الأستاذ في جامعة تينيسي الأميركية سعيد غولكار أن هناك خشية من أن يصبح النظام الإيراني "أكثر عنفاً بعد أن عجز عن قمع الشعب على مدى شهرين".
وأشار غولكار إلى أن النظام قد يلجأ إلى القضاء على التحرك كما فعل خلال نوفمبر 2019 عندما قتلت القوى الأمنية مئات الأشخاص في غضون أيام.
وفي حادثتين أخريين لا يعرف إن كانا مرتبطتين بالاحتجاجات، قتل مسلحون على متن دراجات نارية تسعة أشخاص بينهم امرأة وطفلان، وفق ما ذكر الإعلام الرسمي الخميس.
وقتل سبعة أشخاص في مدينة إيذه واثنان بأصفهان.
وتم توقيف ثلاثة مشتبه فيهم بينما تجري عمليات البحث عن آخرين بعد أول هجوم وقع الأربعاء واستهدف محتجين وعناصر أمن في إيذه، وفق ما أفاد مسؤول قضائي بمحافظة خوزستان.
استهداف قوات الباسيج
وفي هجوم آخر وقع بعد أربع ساعات في أصفهان، ثالث أكبر المدن الإيرانية، أطلق مهاجمان على متن دراجة نارية النار من أسلحة آلية على عناصر من قوات الباسيج التابعة للحرس الثوري، مما أسفر عن مقتل عنصرين وإصابة اثنين آخرين بجروح، بحسب ما ذكرت وكالة أنباء "فارس" الإيرانية.
وأفادت وكالة "إرنا" الرسمية أن "اثنين من الجرحى (في هجوم الأربعاء) توفيا فجر الخميس، لترتفع حصيلة القتلى إلى سبعة إضافة إلى ثمانية جرحى".
ومن بين القتلى امرأة تبلغ (45 سنة) وطفلان (تسعة و13 سنة)، بحسب ما ذكر مسؤول في جامعة "جندي شابور" للعلوم الطبية بمدينة أهواز عاصمة المحافظة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأفاد مسؤول أمني للتلفزيون الرسمي بأن من بين الجرحى الثمانية عنصرين من قوات الباسيج وثلاثة من أفراد الشرطة.
ووصفت "إرنا" منفذي إطلاق النار بـ"الإرهابيين"، وقالت "على إثر دعوة مجموعات مناهضة للثورة (إلى الاحتجاج)، استغل عناصر إرهابيون مسلحون وجود عدد من الأشخاص، وبدأوا بإطلاق النار على الناس وعناصر الأمن" في سوق مدينة إيذه.
وأفاد مساعد محافظ خوزستان ولي الله حياتي التلفزيون الرسمي بأن مهاجمين على متن دراجتين ناريتين هم من أطلقوا النار.
وبعد الاعتداء الثاني في أصفهان الذي حملت السلطات الإيرانية أيضاً مسؤوليته إلى "إرهابيين"، أمر الرئيس إبراهيم رئيسي السلطات المعنية بـ"التحرك فوراً لتحديد هوية منفذي الاعتداء وتسليمهم إلى النظام القضائي لتتم معاقبتهم".
اتهامات للشرطة
واتهمت عائلة الصبي الذي يدعى كيان برفالاك، الذي قتل في الهجوم، قوات الأمن الإيرانية بشن الهجوم، في تغريدة نشرتها إذاعة "فاردا"، وهي محطة فارسية تمولها الولايات المتحدة وتتخذ من براغ مقراً.
وسمع أحدهم وقد قدم نفسه على أنه من أفراد الأسرة الذي لم يكشف عن هويته يقول في تسجيل صوتي "كان ذاهباً إلى المنزل مع والده واستهدفا بالرصاص من نظام الجمهورية الإسلامية الفاسد، تعرضت سيارتهما للهجوم من جميع الجهات".
وقالت "منظمة حقوق الإنسان في إيران" ومقرها أوسلو إن قوات الأمن قتلت 342 شخصاً على الأقل منذ بدء الاحتجاجات، بينهم 43 طفلاً و26 امرأة.
كما اعتقلت السلطات عدداً ضخماً من الأشخاص على خلفية الاحتجاجات، وصدرت خمسة أحكام بالإعدام منذ الأحد مرتبطة بالاحتجاجات.
إدانات دولية
ودانت منظمة العفو الدولية الأربعاء، "استخدام إيران المروع لعقوبة الإعدام من أجل ممارسة مزيد من القمع الوحشي للانتفاضة الشعبية".
وقالت المنظمة الحقوقية، التي تتخذ من لندن مقراً لها، إن السلطات تسعى إلى إنزال عقوبة الإعدام بحق 21 شخصاً على الأقل، في "محاكمات صورية تهدف إلى ترهيب" حركة الاحتجاج.
وتتهم إيران الدول الغربية التي تستضيف وسائل إعلام ناطقة بالفارسية، بما في ذلك بريطانيا، بتأجيج الاضطرابات.
وقالت وكالة الاستخبارات الداخلية البريطانية "أم أي 5" الأربعاء إن إيران أرادت خطف أو قتل أفراد مقيمين في المملكة المتحدة تعتبرهم "أعداء للنظام"، بينما تم الكشف عن 10 مؤامرات على الأقل حتى الآن هذا العام.
"التدبير لحرب أهلية"
وفي سياق ذي صلة اتهمت إيران إسرائيل وأجهزة استخبارات غربية بالتآمر لإشعال شرارة حرب أهلية بالجمهورية الإسلامية، التي تشهد واحدة من أكبر الاحتجاجات المناهضة للحكومة منذ ثورة 1979.
وكتب وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان على "تويتر"، "أجهزة أمنية متعددة وإسرائيل وبعض السياسيين الغربيين الذين وضعوا خططاً لنشوب حرب أهلية وتدمير وتفكيك إيران، يجب أن يعلموا أن إيران ليست ليبيا أو السودان".
وتتهم طهران خصومها الغربيين بتأجيج الاضطرابات التي تشهدها جميع أنحاء البلاد، وشارك فيها إيرانيون من كل الأطياف، والتي أشعلتها وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني.
وأثارت وفاة أميني والاحتجاجات التي تلت ذلك تنديداً دولياً بإيران، التي تواجه صعوبات في قمع الاضطرابات وألقت بالمسؤولية عنها على أعداء أجانب وعملاء لهم في الداخل.
عقوبات جديدة
من ناحية أخرى استهدفت الولايات المتحدة شركات للنفط والغاز في أحدث جولة لها من العقوبات المتعلقة بإيران.
وبحسب ما جاء في إخطار نشر على موقع وزارة الخزانة الأميركية على الإنترنت الخميس، تستهدف العقوبات 13 شركة في مجموعة من الدول من بينها الصين والإمارات.
عدم تعاون بشأن النووي
وتلقت إيران من جديد تحذيراً لعدم تعاونها في الملف النووي، على خلفية تعثر محادثات إحياء اتفاق 2015 الهادف إلى منعها من تطوير قنبلة نووية.
فقد تبنى مجلس الحكام في الوكالة الدولية للطاقة الذرية الخميس في فيينا قراراً يندد بعدم تعاون إيران، وافقت عليه 26 دولة عضواً من أصل 35، وفق ما أفادت به مصادر دبلوماسية وكالة الصحافة الفرنسية، بينما صوتت ضده روسيا والصين، وامتنعت خمس دول وغابت دولتان عن التصويت.
وهذا القرار الثاني الذي يجري تبنيه هذا العام، بعد قرار في يونيو (حزيران)، أما السبب وراءه فهو نفسه ويتمثل في عدم وجود إجابات "ذات صدقية تقنية" في ما يتعلق بآثار اليورانيوم المخصب التي عثر عليها بثلاثة مواقع غير معلنة.
وقررت واشنطن ولندن وباريس وبرلين زيادة الضغط، في ظل عدم إحراز تقدم خلال الأشهر الأخيرة.
ووفق النص فإن المجلس "يعرب عن قلقه العميق" في مواجهة هذه المشكلة التي لا تزال بلا حل "بسبب التعاون غير الكافي من قبل إيران".
وذكر النص أن المجلس "يرى أنه من الضروري والملح" أن تقدم طهران على الفور "إيضاحات" بشأن وجود جزئيات من اليورانيوم، وكذلك السماح بـ"الوصول إلى المواقع والمعدات"، من أجل "السماح بجمع العينات".
بناء على أهميته الرمزية في هذه المرحلة، فإن القرار قد يكون مقدمة لإحالة النزاع إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، المخول فرض عقوبات.
مزيد من الإجراءات
وقالت السفيرة الأميركية لورا هولغيت، "على إيران أن تعلم أنها إذا فشلت في التعاون لحل هذه القضايا، فسيتعين على المجلس اتخاذ مزيد من الإجراءات".
وكانت إيران قد نددت بالقرار الثلاثاء مشيرة إلى أنها "ردت على جميع مزاعم الوكالة الدولية للطاقة الذرية"، وشككت في "فائدة" زيارة وفد من الوكالة، كانت مقررة في نهاية نوفمبر.
ورحبت روسيا عبر سفيرها ميخائيل أوليانوف في تغريدة بنيل التأييد أصواتاً أقل من القرار السابق "الذي حصد 30 صوتاً"، وفي وقت سابق انتقدت موسكو في وثيقة وزعت على الدول الأعضاء "العمل غير المثمر" الذي "ستكون له عواقب لا رجوع فيها".
في يونيو أزالت طهران 27 كاميرا مراقبة وتجهيزات أخرى من منشآتها النووية وواصلت تطوير برنامجها النووي، نافية رغبتها في تطوير قنبلة نووية.
وأشارت الدول الأوروبية الثلاث الأطراف في الاتفاق النووي الإيراني (المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا) أمام المجلس إلى "وضع خطر للغاية"، و"يثير شكوكاً جدية حول طبيعة البرنامج النووي الإيراني".
أوضح خبير الشؤون الإيرانية في "معهد واشنطن" هنري روم لوكالة الصحافة الفرنسية أن "إيران اليوم قادرة على إنتاج المواد الانشطارية اللازمة لتطوير سلاح نووي بشكل أسرع من أي وقت مضى".
وسيستغرق الأمر "أقل من أسبوع"، بحسب تقرير صدر أخيراً عن الجمعية الأميركية "آرمز كونترول" للحد من الأسلحة، علماً بأن المراحل الأخرى تحتاج إلى عام أو عامين للحصول على القنبلة، ولطالما أنكرت الجمهورية الإسلامية هذه النوايا.
إلى جانب المحادثات غير المثمرة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وصلت المفاوضات بين القوى الكبرى وطهران لإحياء اتفاق 2015 الذي يحد من برنامج إيران النووي إلى طريق مسدود.
وبعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق في عام 2018 وإعادة فرضها عقوبات على إيران، ردت الأخيرة بالتراجع تدريجاً عن معظم التزاماتها.
سمح وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض باستئناف العملية وبعث الآمال في التوصل إلى اتفاق في أغسطس (آب)، لكن الحوار منذ ذلك الحين كان شبه معدوم.
وتضع الولايات المتحدة الآن نصب عينيها "ما يجري في إيران: التحرك الشعبي والقمع الوحشي للنظام وبيع المسيرات المسلحة لروسيا، وهو تدخل خطر للغاية" وقضية "تحرير رهائننا"، على ما أشار الموفد الأميركي روبرت مالي خلال لقاء مع صحافيين في باريس الإثنين.
تهديد إيراني
بدورها أكدت إيران أن القرار الذي تبناه مجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة الذرية مندداً بعدم تعاونها، قد "يؤثر في تعاون" طهران مع الهيئة التابعة للأمم المتحدة.
وقال محسن ناظري أصل ممثل إيران الدائم لدى الوكالة، كما نقلت عنه وكالة "إرنا" الرسمية، "نعتبر أن هذا القرار لن يؤدي إلى أية نتيجة، إنه يهدف إلى تبرير إضافي للعقوبات الأحادية ضد الأمة الإيرانية".