باتت جهود توحيد المصرف المركزي الليبي المنقسم بين بنغازي وطرابلس مهددة بالفشل أكثر من أي وقت مضى، بعد تجدد الخلافات بين محافظي المصرفين الصديق الكبير وعلي الحبري ووصولها إلى مرحلة غير مسبوقة حد تبادل التهم في شأن تزوير فئة من العملة الليبية المتداولة حالياً.
وجاءت الأزمة بعد أشهر قليلة من أزمة تعديل سعر صرف الدينار الذي أصدر محافظ المصرف في بنغازي علي الحبري قراراً برفع قيمته في مقابل سلة العملات الدولية، وهو القرار الذي جمده محافظ المركزي في العاصمة الصديق الكبير، لتتعطل بعدها محادثات الطرفين في شأن توحيد المؤسسات المالية.
وأثارت هذه الخلافات مخاوف جديدة في شأن اقتصاد البلاد الذي تعصف به أزمات تضخم وركود منذ منتصف العام الحالي، صاحبها تذبذب مستمر لقيمة الدينار الليبي ودعوات إلى الضغط على الغريمين المتحكمين في اقتصاد الدولة لتجاوز خلافاتهما المتكررة التي تقف عقبة في طريق توحيد المصرف المركزي.
تحذير من العاصمة
وحذر مصرف ليبيا المركزي من عملة مزورة متداولة من فئة 50 ديناراً (10 دولارات)، قال إنها "تحمل توقيع نائب محافظ المصرف علي الحبري".
وقال المركزي في بيان إنه "ضبط عملة مزورة من فئة 50 ديناراً تحمل توقيع نائب محافظ مصرف ليبيا المركزي علي الحبري، وتختلف في مواصفاتها عن الفئة المطبوعة في روسيا والتي تحمل أيضاً توقيع نائب المحافظ".
وأضاف المصرف المركزي أنه "قام بإحالة بلاغ بالخصوص إلى مكتب النائب العام"، وطالب المواطنين بـ "الحذر عند التعامل مع هذه العملة المنوه عنها وإبلاغ الجهات الأمنية عند أي اشتباه في شأنها".
مركزي بنغازي يرد التهم
من جانبه، رد مصرف ليبيا المركزي في بنغازي على ما ذكره المصرف المركزي في طرابلس حول اكتشاف عينات مزورة من العملة النقدية فئة 50 ديناراً، واعتبر أن "الغرض من هذا التعميم في شأن تزوير العملة ليس تنبيه المواطنين بقدر ما هو لقلب الرأي العام ضد العملة المطبوعة في روسيا".
وقال مركزي بنغازي إن "العملة الليبية بصفة عامة تتمتع بمواصفات أمنية عالية جداً ومن الصعب تزويرها، باستثناء قيام بعضهم بمحاولة التزوير باستخدام طرق ركيكة مثل الناسخات الضوئية والأحبار ذات الجودة الضعيفة، مثل عدد من الحالات التي تم اكتشافها لمحاولة تزوير في فئات خمسة دنانير و10 دنانير (دولاران) و20 ديناراً (4 دولارات) و50 ديناراً".
وأضاف أن "المصرف المركزي ينوه للمرة الأولى باكتشاف العملة المزورة على رغم أنه عمل اعتيادي للمصرف المركزي، وهذا لا يكون مبرراً إلا في حال أن عدد الأوراق المزورة كبير ويهدد الوضع الاقتصادي، إلا أن مركزي طرابلس لم يذكر عدد الأوراق المحرزة، وكان الأجدر به تتبع مصدر هذه العملة وإبلاغ الجهات الأمنية من دون خلق حال هلع في السوق تربك المواطن".
وتساءل مركزي بنغازي في بيانه عن "مصدر هذه الأوراق المستلمة، خصوصاً وأن مركزي طرابلس لا يستقبل العملة من فئة 20 و50 ديناراً، سواء المطبوعة في بريطانيا أو روسيا، فمن أين جاءت هذه الأوراق؟ وهل تم تتبع مصدرها وفق سياسة المصرف المركزي المعمول بها؟".
تهمة في الاتجاه المعاكس
وأطلق مركزي بنغازي في البيان ذاته تهمة مماثلة للمصرف الرئيس في طرابلس، قائلاً إنه "تم اكتشاف أوراق نقدية مزورة من فئة 10 دنانير خلال الفترة الماضية ضمن المبالغ التي تسلمها فرع بنغازي من مركزي العاصمة"، وأشار إلى أنه "تم إبلاغ مركزي طرابلس بذلك لتتبع مصدرها ولا ندري إذا ما تم اتخاذ إجراءات بالخصوص مع النائب العام مثلما حدث مع فئة 50 ديناراً المذكورة في تنويه المصرف الأخير".
العملة المطبوعة في روسيا
وتسببت العملة التي طبعت في روسيا من قبل مصرف بنغازي المركزي خلال فترة حكومتي فايز السراج وعبدالله الثني والتي شهدت انقساماً كاملاً للمصرفين في مشكلات كثيرة وإرباك كبير في المعاملات المالية بين الفرعين الشرقي والغربي على مدى السنوات الماضية، بسبب رفض مركزي طرابلس الاعتراف بها وتسلم أي مبالغ مالية من فئة الـ 50 ديناراً التي طبعت في موسكو حتى يومنا هذا.
وكان المصرف المركزي في بنغازي طبع خلال الفترة ما بين عامي 2015 و2018 نحو 10.8 مليار دينار ليبي (2.5 مليار دولار تقريباً)، سلمت على دفعات إلى حكومة عبدالله الثني في الشرق الليبي خلال ذلك الوقت، ولا تزال هذه العملية التي اعتبرها مركزي طرابلس مخالفة وغير قانونية، تتسبب في مشكلات وخلافات إدارية بين الطرفين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ضبط جزء من العملة المزيفة
وليست المرة الأولى التي يتم فيها الحديث عن تداول عملة مزيفة في السوق الليبية من فئة 50 ديناراً، وهي الفئة الأكبر بين الفئات الأخرى في العملة الليبية خلال العام الحالي، إذ سبق للسلطات الأمنية في بنغازي أن ضبطت شخصاً سوداني الجنسية متورطاً في توزيع عملة مزورة من هذه الفئة على محال تجارية في المدينة خلال يوليو (تموز) الماضي.
وفي بيان صحافي صدر عن المديرية في تلك الفترة، قالت إن "هذا الشخص يمارس تجارة المواد المخدرة، وكان بحوزته عند القبض عليه مبلغ مالي من العملة المزورة مقداره 2500 دينار (500 دولار تقريباً)، فضلًا عن حبوب مخدرة وبطاقة هوية ليبية مزورة".
وأكدت المديرية أن "هذا الشخص أقر بجرائم التوزيع والاتجار بالمخدرات وتزوير العملة، وأنه حصل على الأموال الزائفة من شخص يحمل الجنسية التشادية".
فصل في التجاذبات السياسية
وعلق أستاذ الاقتصاد الجامعي أحمد المبروك على بيان المصرف المركزي في طرابلس حول ضبط عملة مزورة من فئة 50 ديناراً تحمل توقيع نائب محافظ المصرف علي الحبري، ورأى أن "الإشارة إلى هذا الأمر الخطر من دون التطرق إلى التفاصيل في شأن العملة الأصلية والمزورة يصب في خانة التجاذبات السياسية".
وقال المبروك إن "العملة المطبوعة في روسيا متداولة بين عامة الناس ويقبل التعامل بها تجارياً، ولا أحد يرفضها على المستوى الشعبي، والآن مركزي طرابلس يقول إنها عملة مزورة ولا يقول مزيفة، وهناك فرق في المعنى الاصطلاحي للكلمة".
مناكفات الكبير والحبري
أما المحلل الاقتصادي مختار الجديد فأبدى استغرابه من أن "المصرف المركزي اكتشف فجأة وجود عملة مزورة، فأصدر تعميماً للمواطنين يحذرهم من تداولها، والشعب لا تنقصه المشكلات ويجب إبعاد الناس الكادحة منها".
وتطرق الجديد إلى أخطاء اصطلاحية وفنية في بيان المركزي، "أولاً اسمها عملة مزيفة وليست عملة مزورة، وثانياً فالعملة من فئة 50 ديناراً المطبوعة في روسيا التي يحاربها محافظ مصرف طرابلس دخلت السوق وتورط الناس فيها ولا يوجد لها حل، فإلغاؤها وعدم الاعتراف بها ستنتج منه خسائر تقع نتائجها على الناس، وخصمه الحبري لن يطاله شيء".
ضرورة فتح التحقيق
وعلى رغم كل ما قيل ويقال عن دوافع مركزي طرابلس ومحافظه من إصدار تحذير من وجود عملة مزيفة متداولة، إلا أن "فتح تحقيق من النائب العام في تهمة خطرة مثل هذه بات الآن ضرورة ملحة"، بحسب الصحافي الليبي فاتح الخشمي.
وأضاف الخشمي أن "على أحد الرجلين الذين بسبب خلافاتهما نعيش أزمة وعدم استقرار اقتصادي دائمين، أن يتحمل مسؤولية هذا القلق الذي يعيشه الناس حالياً في كل عمليات التداول المالي".