سميت مفاوضات المناخ التي جرت هذا الشهر في إطار مؤتمر "كوب-27" المنعقد في مصر "كوب أفريقيا"، في اعتراف بالتبعات اليومية التي تخلفها أزمة المناخ على مجتمعات القارة بأسرها.
والسؤال المطروح هو إن كان المفاوضون في قضايا المناخ قد اقتنصوا هذه الفرصة لتناول حاجات المجتمعات الأفريقية الملحة المتعلقة بالأمن الغذائي والتكيف مع تغير المناخ والوصول إلى التمويل في قضايا المناخ؟
نرى بالفعل الأثر السلبي لأزمة المناخ في الأمن الغذائي وسبل المعيشة الاقتصادية المرتبطة بالإنتاج الغذائي، وتضم أفريقيا نحو 60 في المئة من الأراضي الزراعية في العالم ومعظم سكانها من صغار المزارعين، وفيما تتمتع أفريقيا بالقدرة على أن تصبح مركز قوة زراعي، يشكل اعتماد القارة على مياه الأمطار في الري نقطة ضعف فريدة.
وباعتبارها من أكثر المناطق تأثراً بالمناخ في العالم، فمن الضروري أن يتحرك المجتمع الدولي فوراً.
تعد المجاعة التي تلوح في الأفق في شرق أفريقيا أحد الأمثلة المدمرة، إذ تواجه المنطقة اليوم أطول فترة جفاف تمر بها منذ 40 عاماً، وتوفي آلاف الأشخاص حتى الساعة فيما يطاول تأثير هذه الأزمة 36 مليون نسمة في أثيوبيا وكينيا والصومال، إنها قصة فشل سياسي ودولي.
فلنتكلم بصراحة. إن الأفارقة الذين يتحملون الوزر الأكبر من أزمة المناخ هم أقل الملامين على خلق هذه الأزمة في المقام الأول، وقد أسهمت القارة بإنتاج ما مجموعه 3.8 في المئة من إجمال انبعاثات غازات الدفيئة عالمياً خلال العام 2020، أما الصومال التي تقع في عين عاصفة الجوع في شرق أفريقيا، فلم تسهم سوى بـ 0.002 في المئة من الانبعاثات طوال 250 سنة مضت.
بعد "كوب-27" من الواضح أننا بحاجة إلى تحركات أكثر على صعيد أزمة المناخ، ولإشراك أكثر الدول تأثراً بها في الحلول المناخية، وبعد انتهاء الاجتماع يجب أن يظل أثر تغير المناخ في الشعوب والمعيشة والمجتمعات في صلب الأولويات، وسيؤدي التقصير في التعامل مع عدم المساواة في شأن المناخ إلى ازدياد الفجوات الاقتصادية بالنسبة إلى الدول الأفريقية، ومن المتوقع أن يصل الدين المتزايد إلى نحو 70 في المئة من إجمال الناتج المحلي، أي بزيادة على 58 في المئة خلال العام 2019.
أول تحرك من الضروري أن يقوم به قادة العالم هو الحرص على وصول هذه المجتمعات إلى التمويل المتاح للشؤون المناخية، وفي الوقت الحالي تتلقى أفريقيا أقل من أربعة في المئة من التمويل العالمي المخصص لقضايا المناخ، ومعظمه على شكل قروض وليست منحاً، مما يثقل كاهل الدول بالديون.
في سبيل معالجة عدم التكافؤ في مجال الطاقة بين أفريقيا من جهة وباقي العالم من جهة أخرى، على القارة أن تعطي الأولوية للاستثمارات التي تصب في مجال توفير الطاقة التقليدية كما المتجددة للأفارقة، ويجب أن يتيح الانتقال نحو الطاقة الخضراء بعض المجال لأفريقيا كي تحافظ على نموها الاقتصادي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأيضاً بالنسبة إلى الملايين الذين يعيشون مع التبعات الحالية للظواهر الجوية المتطرفة، فعلى أكبر المانحين تخصيص 50 في المئة على الأقل من التزامهم المالي بقضايا المناخ للتكيف مع تغير المناخ، كما يمكن للزراعات القادرة على الصمود أمام التغيرات المناخية، مثلاً، أن تسهم في دعم المجتمعات الريفية لاجتياز الصدمات المناخية، ومن الأمور الضرورية في التعامل مع أزمة المناخ التقدم والشفافية وتتبع التزامات تمويل القضايا المناخية وتقييدها بإطار زمني محدد، وإحقاق المساواة بين التمويل الدولي في شؤون التكييف مع الأزمة من جهة وكبح أضرارها من جهة أخرى.
ثانياً، تؤدي ريادة المشاريع الخضراء وريادة المشاريع الزراعية دوراً جوهرياً في إيجاد حلول ابتكارية للقضايا البيئية، ومن المهم جداً الاستثمار في الأشخاص الذين يديرون هذه المشاريع لتحقيق المساواة المناخية على مستوى القاعدة، ويجب تنفيذ الحلول بدءاً من القاعدة.
يمتلك رواد الأعمال المحليون القدرة على تحقيق التغيير من خلال عملهم أو عدمها، وفي سبيل تمكينهم وتعزيز تركيزهم على الاستدامة تتولى مؤسسة توني إيلوميلو Tony Elumelu Foundation توجيههم، وتقدم رأسمال أولي بقيمة 5 آلاف دولار (4200 جنيه استرليني) للمؤسسات المستدامة في 54 دولة أفريقية، وأكثر من 1500 من رواد الأعمال هؤلاء يديرون مؤسسات صغيرة تعالج القضايا البيئية في مجالات تتراوح ما بين الطاقة وتوليد الطاقة الكهربائية إلى إدارة النفايات.
أكثر من مليون مشارك في المؤسسة يشجعون على إنشاء مؤسسات تدمج الاستدامة في ممارساتها، ومن أجل تمكين الشباب وتعزيز الطلب على الطاقة الشمسية، كما توفرها، في ساحل العاج، تنفذ لجنة الإنقاذ الدولية International Rescue Committee (IRC) برنامجاً لبناء المهارات والمساعدة في النفاذ إلى وظائف قطاع الطاقة المتجددة.
وفي ظل قيام 22 في المئة من الأفارقة الذين بلغوا عمر العمل بالفعل بإنشاء مؤسسات والإسهام في النمو الاقتصادي للقارة، وفقاً لبنك التنمية الأفريقي، تتمتع هذه الشركات بالقدرة على أن تكون عناصر فاعلة في ثورة الاستدامة.
وثالثاً، من أجل كسر حلقة الجوع والمجاعة يجب إرساء برامج مرنة وطويلة الأمد وقادرة على تعزيز سبل المعيشة ومقاومة التغيرات المناخية، عند أول إشارات تحذير من وقوع موجة جفاف، على أن تضطلع هذه البرامج بدور الوقاية والنهوض وإعادة الإعمار.
وبدعم من "غوغل" تنفذ لجنة الإنقاذ الدولية مشروعاً أولياً في نيجيريا يهدف إلى تحسين قدرة صغار المزارعين على تحمل الضغوط التي يسببها المناخ وصدماته وعلى تأسيس معيشة زراعية مستدامة، ومن أجل تحقيق هذا تختبر لجنة الإنقاذ الدولية فعالية تقديم تحويلات نقدية مسبقة ومدفوعة من منصة بيانات مبتكرة تتنبأ بالأخطار المناخية في هذه المجتمعات.
وفي جمهورية أفريقيا الوسطى تنفذ لجنة الإنقاذ الدولية ومنظمات شريكة مقاربة من قبيل حدائق الغاباتForest Garden Approach [يتيح هذا النهج للمزارعين تنويع محاصيلهم لحصادها كل عام] لمساعدة صغار المزارعين في زيادة أمنهم الغذائي الخاص، وتوفير دخل مستدام وإنعاش الموارد الطبيعية المتدهورة، فالاستثمار في مرونة سبل العيش لن يخفف فقط من نقاط الضعف الشخصية في مواجهة الضغوط والصدمات المناخية، بل سيعزز النمو الاقتصادي في الوظائف والاقتصادات الخضراء التي بوسعها تخفيف الأزمات المستقبلية والصراعات والهجرة.
لا يسع أفريقيا أن تنتظر أكثر من أجل التحرك في قضية المناخ، فعدد كبير من الأرواح وسبل المعيشة معرض للخطر بالفعل في شرق أفريقيا وما بعدها، ولا يمكن بالتالي تأخير الاستثمارات والقيادة الجريئة ذات البصيرة الثاقبة.
يشغل ديفيد ميليباند منصب الرئيس والمدير التنفيذي للجنة الإنقاذ الدولية.
توني إيلوميلو هو رئيس البنك المتحد لأفريقيا ومؤسس مؤسسة توني إيلوميلو.
© The Independent