فشل وزراء الطاقة في دول الاتحاد الأوروبي خلال اجتماعهم اليوم الخميس، 24 نوفمبر (تشرين الثاني)، في بروكسل للتوصل إلى اتفاق حول اقتراح المفوضية الأوروبية فرض سقف سعر للغاز الطبيعي، لمواجهة أزمة ارتفاع أسعار الطاقة في أوروبا.
وربما يعقد مجلس الطاقة الأوروبي اجتماعاً آخر منتصف شهر ديسمبر (كانون الأول) المقبل لبحث الموضوع والاتفاق على حل قبل فترة أعياد الميلاد واشتداد برودة الشتاء في القارة الأوروبية.
وكانت المفوضية الأوروبية أعلنت اقتراحها قبل أيام بفرض سقف سعر للغاز الطبيعي حين يتجاوز سعره 275 يورو (286 دولاراً) للميغاوات في الساعة، لمدة أسبوعين في السوق الأوروبية، على منصة تداول الغاز الرئيسة في أوروبا "تي تي إف". لكن الاقتراح لاقى معارضة شديدة من دول الاتحاد بين من يوافق منها على مبدأ سقف السعر ومن يرفض.
وكان اقتراح سقف سعر للغاز الطبيعي ضمن حزمة إجراءات لمواجهة مشكلة أزمة الطاقة في دول أوروبا بسبب الحرب في أوكرانيا والعقوبات على روسيا، وأعلنت مجموعة من دول الاتحاد مثل إسبانيا وبلجيكا وإيطاليا وبولندا واليونان أنها لن توافق على حزمة أزمة الطاقة ما لم تحل مسألة سقف سعر الغاز.
واعترضت الدول التي توافق على فرض سقف سعر على ما طرحته المفوضية باعتباره عالياً وكأنه وضع كي لا يُنفذ، أما الدول التي تعترض على مبدأ سقف السعر من أساسه فرأت أنه يهدد الاستقرار المالي للاتحاد الأوروبي.
اعتراضات وتحذيرات
المفارقة أن الدول التي كانت تدفع المفوضية الأوروبية نحو فرض سقف سعر هي من أفشلت اتفاق اجتماع مجلس الطاقة الأوروبي، الخميس، على حزمة أزمة الطاقة، وفي مقدم تلك الدول إسبانيا واليونان، بينما تعارض دول مثل ألمانيا وهولندا والدنمارك مبدأ فرض سقف سعر للغاز وترى أنه تدخل في السوق الحرة قد يؤدي إلى أضرار أكبر.
وحين أعلنت المفوضية السقف اتسعت المعارضة له باعتباره عالياً جداً ولن يحل مشكلة عبء استهلاك الطاقة على الأسر والشركات، ونقلت صحيفة "فايننشال تايمز" عن سايمون تاغليابترا من مركز أبحاث "بروغل" في بروكسل قوله عن السف المقترح من المفوضية، "هذه مزحة وهذا اقتراح لن يفيد أحداً حتى في حال وضع مماثل لما حدث في أغسطس (آب)، وهذا ليس سقفاً والحقيقة أن يضر بالثقة في قدرة المفوضية على التعامل مع أزمة الطاقة".
وكانت أسعار الغاز الطبيعي ارتفعت في أوروبا خلال الصيف إلى مستوى غير مسبوق عند 300 يورو (312 دولاراً) للميغاوات في الساعة، أي ما يوازي سعر 500 دولار لبرميل النفط مثلاً، وذلك بعدما أوقفت روسيا إمدادات الغاز إلى أوروبا عبر خط الأنابيب "نورد ستريم1".
وبحسب اقتراح المفوضية فلم يكن سقف السعر المقترح سيطبق في تلك الحال، لذا تعترض الدول التي تريد وضع سقف سعر للغاز، وهي نحو 15 دولة، على هذا السقف المقترح، بخاصة أن أسعار الغاز الطبيعي وإن كانت لا تزال مرتفعة في أوروبا إلا أنها الآن عند مستوى 116 يورو (120 دولاراً) للميغاوات في الساعة، وهذا أقل من نصف سقف السعر المقترح.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن المفوضية الأوروبية تخشى عودة الأسعار للارتفاع بقوة مع حاجة دول أوروبا إلى إعادة ملء المخزونات التي ستستنفد في فصل الشتاء الحالي، وأيضاً لأن اعتماد أوروبا الكبير الآن على واردات الغاز الطبيعي المسال من أميركا وغيرها، وهو ما يعني ارتفاع أسعار الجملة في السوق الأوروبية، لأن سعر الغاز الطبيعي المسال أعلى بكثير من الغاز المستورد عبر الأنابيب.
ولم يكن الاعتراض على سقف السعر من جانب الدول الأوروبية فقط، بل إن الشركة المشغلة لسوق تبادل عقود الغاز الآجلة "تي تي إف" في هولندا حذرت المفوضية الأوروبية من خسائر تصل إلى 33 مليار دولار في حال فرض سقف سعر للغاز الطبيعي.
وترى منصة التداول الهولندية أن تلك الخسائر ستسبب اضطراباً في سوق الغاز في أوروبا، بخاصة خلال الربيع المقبل مع زيادة الطلب لملء المخزونات.
استمرار الأزمة
وعلى رغم ما نقلته وسائل الإعلام حول اجتماع طارئ آخر للمجلس الأوروبي للطاقة الشهر المقبل، إلا أن معظم المحللين والمعلقين يرون أن أزمة الطاقة في أوروبا ستظل مستمرة على الأقل حتى نهاية العام المقبل، وما لم تتخذ الدول الأوروبية إجراءات حاسمة لمواجهة الأزمة فربما تتفق أكثر في فصل الشتاء المقبل 2023.
وقبل توجهها إلى بروكسل للاشتراك في اجتماع مجلس الطاقة الأوروبي طالبت وزيرة الطاقة الفرنسية أغنس بانير روناشر بإصلاحات هيكلية لقطاع الطاقة في أوروبا، واصفة اقتراح المفوضية الأوروبية بفرض سقف سعر للغاز بأنه "ليس كافياً".
وأضافت أن سقف سعر للغاز الطبيعي "ليس إصلاحاً هيكلياً ولا هو استجابة لارتفاع أسعار الغاز التي يواجهها القطاع الصناعي الأوروبي وتهدد اقتصادات بلادنا، وهو ليس إجراء كافياً".
وعلى رغم فشل مجلس الطاقة الأوروبي في الاتفاق على حزمة أزمة الطاقة خلال اجتماع بروكسل، إلا أن الدول الأعضاء اتفقت على البنود الأقل جدلاً غير بند سقف سعر الغاز.
وشهدت بعض بنود خطة المفوضية اتفاقاً غير رسمي بين وزراء الطاقة المجتمعين، لكن الحزمة كلها مؤجلة إلى حين الاجتماع الطارئ الشهر المقبل.
ومن البنود التي شهدت اتفاقاً مبدئياً تشريع الموافقات على مشاريع الطاقة المتجددة وحزمة إجراءات للتضامن في أزمة الطاقة، مثل الشراء المشترك للغاز الطبيعي وتبادل إمداداته بين دول الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى معيار قياسي لأسعار الغاز الطبيعي المسال.