ينتهي الكلام وتنضب المشاعر.
كيف من المفترض بك أن تشعر عندما يدخل رجل إلى ناد ليلي لمجتمع الميم في كولورادو سبرينغز ويطلق النار على الموجودين فيردي خمسة من بينهم قتلى ويجرح 20 آخرين؟
تشعر بالرعب طبعاً، وبالإعجاب بالأشخاص الذين واجهوا مطلق النار المزعوم قبل أن يزهق مزيداً من الأرواح.
والأمر نفسه ينسحب على استيقاظك على خبر مقتل ستة أشخاص في متجر "وول مارت" في تشيسابيك بفيرجينيا، بعدما أطلق أحد الموظفين النار عليهم في وقت متقدم من الليل، وأصاب ستة غيرهم بجروح بالغة، قبل أن يطلق النار على نفسه.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن إلى جانب شعور التعاطف مع الضحايا، يتملك المرء شعوران آخران لا يزولان. وهما الغضب والاستياء العارم.
يسود شعور الغضب الشديد إزاء حدوث هذا الأمر مرة جديدة، وإزاء ما يظهر من عجز الجميع عن إيقافه. وشعور استياء عارم من أن أميركا سمحت لنفسها بأن تكون المكان- الوحيد في العالم- الذي يبدو أن عمليات إطلاق النار الجماعية فيه أصبحت اعتيادية ومألوفة كما أي زيارة إلى محل بقالة مثل ذلك الذي وقعت فيه هذه الحوادث المروعة الأخيرة.
ساد الشعور نفسه في مايو (أيار)، عندما لقي 19 طالباً وأحد المعلمين حتفهم في مدرسة ابتدائية في أوفالدي، تكساس، في ما اعتبر ثالث أسوأ حادثة إطلاق نار في تاريخ البلاد.
عندها أيضاً، ساد الحزن. من يقدر على عدم الشعور بحزن يكسر قلبه عندما ينظر إلى صور مدرسة "روب" الابتدائية؟
كما تملك المرء شعوراً بالرعب كذلك إزاء إمكانية حصول هذا الأمر في مدرسة ابتدائية في منتصف النهار، حيث قتل أكثر الأشخاص ضعفاً في وضح النهار على بعد 90 ميلاً (145 كلم) إلى غرب سان أنطونيو. وجرح كثيرون إضافة إلى القتلى.
لكن بعدها، طغى شعور بالإنهاك والعجز المرهق و-في الحقيقة- ذلك الغضب. كيف يحدث هذا الأمر مرة جديدة في أميركا؟
كيف يمكن لمجتمع محلي جديد أن يمزقه عنف بلا معنى كهذا، بشكل لا رجعة فيه، بعد أسبوع فقط تقريباً من مقتل 10 أشخاص سود في بوفالو، نيويورك. متى يتوقف هذا الجنون؟
عام 2020، وهي أحدث سنة تتوافر فيها البيانات، وقعت 19384 جريمة قتل بالسلاح الناري، وهو أعلى معدل للجرائم منذ عام 1968 في الأقل.
إضافة إلى ذلك، قتل 24 ألف شخص آخرين أنفسهم بالسلاح الناري، بالتالي، يصبح مجموع الأميركيين الذين فقدوا حياتهم في إطار العنف المسلح 44 ألف شخص، وفقاً لإحصاءات مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها. (تحمل هذه الأرقام جانباً مضيئاً ضئيلاً وهو أنه فيما ارتفع إجمالي عدد الجرائم، انخفضت نسبتها لكل 100 ألف شخص).
إن كل وفاة مأساة بعينها وظروفها فريدة من نوعها. لكن هناك رابطاً بين معظم الجرائم: وهو أنه لو كان في أميركا أي ضوابط منطقية للسلاح، لم تكن هذه الجرائم لتقع.
من يعلم ما هو الدافع المحدد الذي قاد المسلح في تكساس إلى إطلاق النار على أطفال في أوفالدي من مسدسه وبندقيته. علم لاحقاً أنه هاجم جدته عشية يوم الحادثة.
وعلمنا لاحقاً كذلك أن مئات رجال الشرطة انتظروا خارج الغرفة الصفية قبل أن يحاولوا مواجهة المسلح، وهو طالب سابق في المدرسة.
لكننا نعلم ما الذي ألهم المسلح المزعوم الذي فتح النار في وقت سابق من العام الحالي داخل متجر في بوفالو- وهو التعصب والعنصرية. كما كان قادراً على اقتناء سلاح بطريقة شرعية، وهو بندقية بوشماستر نصف الآلية من طراز إكس إم 15 (XM-15)، مقابل ألف دولار تقريباً.
بموجب قانون "الراية الحمراء" [تعبير يستخدم للدلالة على عدد من إشارات التنبيه والتحذير الصريحة والضمنية] في الولاية، لم يكفِ ناقوس الخطر الذي دقته الثانوية التي ارتادها الشاب عندما قال إن طموحه لما بعد التخرج يشمل "القتل والانتحار"، لكي يحول دون شرائه السلاح. ولا تنسوا أن قوانين حيازة السلاح في ولاية نيويورك هي من الأشد صرامة في البلاد.
ليست الولايات المتحدة المكان الوحيد الذي يعيش فيه أشخاص عنصريون أو غاضبون أو متوهمون أو غير ذلك، يحاولون إثارة مشكلة أو تسوية حساب، حقيقية أو متخيلة، مع أحد. لكنه المكان الوحيد الذي تقع فيه حوادث إطلاق النار الجماعية أسبوعياً أو يومياً.
إنه المكان الوحيد الذي عرقلت فيه بشكل ممنهج، المحاولات المتكررة كافة لتنظيم بيع الأسلحة. عانت بلدان أخرى، من بينها أستراليا والمملكة المتحدة، حوادث مشابهة، لكنها أدت - لا سيما من بينها، حادثة إطلاق النار داخل مدرسة ابتدائية في دنبلاين، اسكتلندا، عام 1996- إلى تحرك حاسم وموحد.
حتى عندما يرغب رئيس البلاد بشدة في أن يتصدى للأسلحة، كما حدث مع باراك أوباما عقب حادثة إطلاق النار داخل مدرسة ساندي هوك في كونيكتيكت عام 2012، فهو يجابه عراقيل تظهر إما على شكل الجمهوريين في الكونغرس، أو الاتحاد القومي للأسلحة National Rifle Association وغيره من جهات الضغط المؤيدة للسلاح، أو أشخاص مثل دونالد ترمب الذي يقول لمناصريه إن الديمقراطيين يريدون سحب أسلحتهم، أو حتى السيناتور الجمهوري جو مانشن الذي رفض أن يؤيد فرض ضوابط أكثر على حيازة السلاح فيما يلقي بالمسؤولية بشكل شائن على عاتق الأشخاص الذين يعانون مشكلات نفسية.
أو تواجهه التصريحات التافهة حول كون "الرجل الجيد المسلح" أفضل وسيلة حماية، بل الحماية الوحيدة من الرجل السيئ المسلح - وهو كلام يثبت سخافته مشهد رجال الشرطة المدججين بالسلاح الذين كانوا ينتظرون خارج الغرفة الصفية في أوفالدي.
خلال وجودي في الولايات المتحدة، غطيت أربع حوادث لإطلاق النار الجماعية في الأقل - فيرجينيا تيك في عام 2007 وكنيسة إيمانويل الأفريقية الميثودية الأسقفية في تشارلستون عام 2015 وإطلاق النار داخل نادي بالس الليلي في أورلاندو (فلوريدا) عام 2016 والهجوم على متجر "وول مارت" في إل باسو، تكساس عام 2019. (عام 2015، ألقى أوباما خطاباً وأنشد "أمايزينغ غرايس" أي النعمة المذهلة، خلال مراسم تأبين القتلى الذين كانوا يرتادون الكنيسة في تشارلستون).
ارتفعت عندها، كما الآن، المطالبات بالتغيير. لكن شيئاً لم يتغير.
وهو ما حدث كذلك حين قتل مسلح 60 شخصاً في لاس فيغاس عام 2017، أو عندما هاجم مسلح آخر ثانوية ستونمان دوغلاس في باركلاند، فلوريدا، في فبراير (شباط) 2018.
يستحق أمثال ديفيد هوغ ووينتر بري آن وشانون واتس تقديراً كبيراً، وهم المدافعون عن ضبط السلاح الذين ينجحون في إيجاد الطاقة للحث على التغيير وسط كل هذا الرعب الذي لا يولده العنف المتكرر فحسب، بل الإحساس المستمر بوهم سبق الرؤية (ديجا فو)، كما الأسطوانة المكسورة أو الصورة التي لا تتغير مهما حاولت تحديث الصفحة.
وفي المقابل، لا يعود أي فضل أبداً إلى أمثال غريغ آبوت، حاكم تكساس الذي حارب كل تدبير ممكن لضبط السلاح، وأقر عام 2021 قانوناً يسمح لمواطني تكساس بحمل الأسلحة اليدوية من دون الحاجة إلى رخصة. وقال عندها وسط تصفيق وتهليل "اليوم، وقعت الوثائق التي ترسخ الحرية في ولاية تكساس".
تحدث جو بايدن الذي بدا عليه الإرهاق عقب رحلة جوية استغرقت 17 ساعة من آسيا، ببلاغة ولياقة فسأل "متى بحق السماء نتصدى للوبي السلاح؟"- لكن كما أشار بنفسه، طرح هذا السؤال نفسه منذ 10 سنوات بعد المجزرة التي وقعت في كونيكتيكت.
(في يونيو (حزيران)، أقر قانوناً متواضعاً لكنه شكل أول تقدم كبير خلال ثلاثة عقود من الزمن، وهو أمر يستدعي الاحتفاء، كما الحزن).
يوم الأربعاء، حيا بايدن مرة جديدة آخر الضحايا، وقال إنه "بسبب عمل عنف آخر، مرعب ولا معنى له، ازداد عدد الطاولات التي ستفرغ فيها بعض المقاعد خلال عيد الشكر هذا"، مضيفاً "علينا التوحد كأمة… وعلينا التحرك بشكل أكبر".
ربما على الأميركيين، وكل من يسكن هذا المكان، أن يشعروا بالغضب والخزي والرعب بسبب وقوع هذه الحوادث من جديد، أمام ناظرينا، وبسبب وفاة أشخاص إضافيين- ستة في تشيسابيك وخمسة في كولورادو سبرينغز. ودعونا لا ننسى كل الآخرين الذين قتلوا قبلهم، بمن فيهم 21 شخصاً في تكساس.
وعندها أفضل الأشخاص بيننا، الناشطون الذين يتمكنون بطريقة ما من إيجاد القوة للنهوض يوماً بعد يوم، يمكنهم تسخير قوة هذا الشعور لكي يدفعوا قضيتهم قدماً، على أمل أن تتغير الأمور في يوم من الأيام - مهما امتحن هذا الأمل.
© The Independent