تتسارع التطورات في الشرق الأوسط، فقد تزامن تطوران يرتبط كل منهما بالآخر، ومن ثمّ تثور التداعيات بشأنهما. فمنذ أيام أعلنت إيران رسمياً أنها بدأت تخصيب اليورانيوم إلى مستوى 60 في المئة بمنشآتها المحصّنة تحت الأرض في فوردو، إضافة إلى التخصيب الجاري بالفعل في نطنز.
على الجانب الآخر عاد بنيامين نتنياهو رئيساً لوزراء إسرائيل. جاءت عودة نتنياهو في توقيت تتعنت فيه إيران أمام إدارة جو بايدن بشأن إحياء الاتفاق النووي، والقيام بمزيد من الانتهاكات لالتزاماتها النووية.
وهنا هل يمكن أن تؤدي عودة نتنياهو في ظل تعنت إيران وفشل بايدن إلى تغيير في سياسة إسرائيل تجاه إيران؟ وهل من الممكن أن تقود تلك التطورات إلى العودة للخيار العسكري بحسب المنظور الإسرائيلي؟
غياب الخيار العسكري والحرب الأوكرانية
في البداية، ثمة عدة متغيرات ترتبط بالسياق الإقليمي والدولي طرأت وسيكون لها تأثير في سياسة إسرائيل خلال رئاسة نتنياهو للحكومة تجاه إيران. أول هذه المتغيرات، عودة نتنياهو مع غياب الخيار العسكري عن طاولة إدارة بايدن، على عكس إدارة دونالد ترمب، التي جعلت الخيار العسكري بارزاً كخيار أميركي وإسرائيلي.
ثاني المتغيرات هو اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية، التي على إثرها تزايد الاحتياج الروسي إلى الطائرات المسيّرة الإيرانية، ومن ثم انعكاس ذلك على التعاون بينهما في روسيا، أما المتغير الثالث فهو تسريع إيران وتيرة تخصيب اليورانيوم، في ظل غياب أي أفق نحو مستقبل الاتفاق، وأخيراً الاحتجاجات المستمرة في الداخل الإيراني منذ ثلاثة أشهر.
مع عودة نتنياهو تزداد التساؤلات حول مدى إمكانية تصاعد التوترات بين إسرائيل وإيران حد التصعيد العسكري، وطرح خيار ضرب المنشآت النووية الإيرانية. وفي حال استمر هذا الخيار فلن يكون المرة الأولى خلال عهد نتنياهو، فضلاً عن تكرار هذا الخيار لدى إسرائيل، فخلال رئاسة وزراء مناحيم بيغن تم ضرب المفاعل النووي العراقي، وعام 2007 خلال وزارة إيهود أولمرت شُنت غارة على المفاعل السوري.
تتراوح السيناريوهات بشأن سياسة نتنياهو المقبلة تجاه إيران على النحو التالي: فإمّا أنه سيأمر بشن هجوم على المنشآت النووية الإيرانية، إذا لم تؤمن الولايات المتحدة اتفاق نووي جديد مع طهران، ولم تتخذ إجراء ضدها.
تقويض الاتفاق النووي
وفي السابق انتقد رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نتنياهو إدارة بايدن لقربها من صفقة نووية وصفها بأنها سيئة للغاية مع إيران، معتبراً أن الإيرانيين سيحصلون على مئات المليارات من الدولارات في وقت قصير، وسيساعد هذا في تمويل مختلف وكلائهم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومن ثم فمن المتوقع أنه مع عودة بنيامين نتنياهو إلى السلطة، تسعى إسرائيل إلى تكثيف الجهود لتقويض الاتفاق النووي الإيراني، أي تنذر إعادة انتخاب نتنياهو على رأس حكومة يمينية متطرفة في إسرائيل بتكثيف الإجراءات الإسرائيلية ضد إيران وبرنامجها النووي.
وبالنظر إلى كون من خلفوا نتنياهو فقد واصل التحالف بقيادة بينيت ولبيد ذات سياسات نتنياهو القائمة على توسيع الضربات الجوية في سوريا مع تكثيف عمليات الاغتيال داخل إيران، وعلى رغم حرص حكومة لبيد على تنمية علاقات أفضل مع الولايات المتحدة، لكن ظلت إسرائيل بشكل عام متحفظة على خطة العمل الشاملة المشتركة.
ومن ثمّ فإن عودة نتنياهو إلى السلطة تشير إلى استمرار وليس تغيير سياسة إسرائيل. ومع ذلك، من المتوقع أنه سيكون أكثر فاعلية بكثير في تعطيل أي تحرك إقليمي أو دولي نحو الانفراج مع إيران.
الضغط على الإدارة الأميركية وأوروبا
وفي الوقت الذي يكافح فيه النظام الإيراني لقمع الاحتجاجات المندلعة ضده، والغضب الغربي بسبب دعمه العسكري لروسيا، قد يحاول نتنياهو دفع واشنطن والدول الأوروبية في حملة جديدة من الضغط الأقصى ضد إيران، التي يمكن أن تعرقل في نهاية المطاف الجهود المتجددة لإحياء الاتفاق النووي.
أي أن تورط إيران في الحرب في أوكرانيا يمنح فرصة للضغط على الإدارة الأميركية وأوروبا لتغيير موقفهما تجاه طهران، بالتالي سيعمل نتنياهو على توظيف الملف الإيراني أمام أوروبا وواشنطن لتحقيق عديد من الإنجازات في الحرب بأوكرانيا، ضد روسيا، وضد إيران وفي الشرق الأوسط.
وتخشى إسرائيل أن تدفع روسيا لإيران مقابل مساعدتها في الحرب في أوكرانيا عبر سوريا، لذا سيكون على إسرائيل الاستعداد لذلك بالتنسيق مع الولايات المتحدة، وضمان حريتها في القيام بعمل جوي داخل سوريا.
إذاً، يدرك نتنياهو أن وجوده في السلطة وقت إدارة ترمب كان هناك ترجيح لإمكانية أن تدعم الولايات المتحدة الضربة الأولى ضد إيران، كما يدرك أن في عهد الرئيس جو بايدن، يبدو أن مثل هذا الخيار قد أزيل عن الطاولة، بخاصة أن واشنطن لا تزال تأمل في العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني.