كشفت بيانات رسمية حديثة عن أن الاقتصاد الأميركي تمكن من إضافة نحو 263 ألف وظيفة خلال شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، متحدياً الإجراءات الصارمة التي اتخذها الاحتياطي الفيدرالي لتهدئة الاقتصاد وخفض معدلات التضخم المرتفعة منذ عقود.
واستقر معدل البطالة في الولايات المتحدة عند مستوى 3.7 في المئة، وفقاً لبيانات وزارة العمل الأميركية، التي أصدرت أحدث لقطة شهرية للوظائف، كان الاقتصاديون الذين شملهم الاستطلاع من قبل "رفينيتيف" قد توقعوا تباطؤ وتيرة التوظيف إلى مكاسب قدرها 200 ألف وظيفة فقط في نوفمبر، وأن يظل معدل البطالة ثابتاً عند مستوى 3.7 في المئة.
وكان بعض من أكبر المكاسب الوظيفية الشهرية في قطاع الترفيه والضيافة، فضلاً عن الرعاية الصحية، حيث أظهر تقرير الوظائف الساخنة أيضاً ارتفاعاً غير متوقع في متوسط الدخل في الساعة، وهي ضربة أخرى لجهود الاحتياطي الفيدرالي لكبح جماح التضخم عن طريق تهدئة الطلب.
وأعرب مسؤولون في البنك المركزي الأميركي عن قلقهم في شأن ارتفاع الأجور الذي يحافظ على ارتفاع التضخم.
متوسط الدخل يقفز
وخلال شهر نوفمبر الماضي زاد متوسط الدخل في الساعة بنسبة 0.6 في المئة على الشهر السابق و5.1 في المئة على أساس سنوي. كان الاقتصاديون يتوقعون أن تتباطأ معدلات الزيادات هذه عن أرقام شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث ارتفعت بنسبة 0.5 في المئة على أساس شهري و4.9 في المئة على أساس سنوي.
في مذكرة بحثية حديثة، قال مارك هامريك، كبير الاقتصاديين في "بانكرت"، "يقدم تقرير التوظيف لشهر نوفمبر حزمة أخبار جيدة لموسم العطلات للعاملين الأميركيين، بما في ذلك زيادة قوية في الأجور، تماشياً مع الانقسام الكلاسيكي الذي نشاهده أحياناً بين (مين ستريت) و(وول ستريت)، يخبر التقرير مجلس الاحتياطي الفيدرالي أن لديه مزيداً من العمل للقيام به في معركته ضد التضخم".
وقالت صوفيا كوروبيكيج، العضو المنتدب في "موديز أناليتكس"، إن صورة سوق العمل أصبحت أكثر تفاوتاً، مما يعكس عدداً من القوى المؤثرة. وأضافت "أولاً، لقد حد سوق العمل الضيق بالتأكيد من التوظيف في العطلات، لكن أرباب العمل يقومون أيضاً بالتوظيف بحذر أكبر نظراً إلى عدم اليقين في شأن قوة الإنفاق الاستهلاكي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وإضافة إلى ذلك، قد يكون أرباب العمل أكثر حذراً من أجل دعم الهوامش وسط ارتفاع كلف العمالة والمواد، كما أن بعض الصناعات الحساسة لسعر الفائدة تتراجع. وتجدر الإشارة إلى أن التراجع لا يعني بالضرورة تسريح العمال، حيث يمكن أن نشهد توظيفات جديدة ولكن بشكل حذر. وهذا ما يفسر جزئياً انخفاض عدد تسريح العمال وانخفاض معدل البطالة.
وخلال الأسابيع الأخيرة كانت هناك موجة من إعلانات التسريح الجماعي للعمال من بعض أكبر الأسماء في مجال التكنولوجيا، بإجمالي 52771 تخفيضاً معلناً، هذا هو أعلى إجمالي شهري للقطاع منذ عام 2000، وفقاً لشركة التوظيف الخارجي "غراي أند كريستماس".
على رغم الأعداد الكبيرة يبدو أن معظم هذه الخسائر يتم استيعابها في سوق العمل، كما قال جيم مكوي، نائب رئيس الحلول في شركة "مان باور غروب". وأشار إلى أن "معظم الشركات رقمية في هذه المرحلة... وإذا لم يكن الأمر كذلك فهم يستثمرون في الأتمتة، ويستثمرون في وجودهم على شبكة الإنترنت، وهم يستثمرون في أدوات أداء الأعمال، ولذا يحتاجون إلى عمال في قطاع تكنولوجيا المعلومات".
الخطوات التالية
احتوى التقرير الأخير للوظائف أيضاً على تنقيحات مهمة، فقد تم تعديل بيانات شهر سبتمبر (أيلول) الماضي بخفض 46000 إلى 269000 وظيفة، كما تم تعديل بيانات شهر أكتوبر الماضي بمقدار 23000 وظيفة إلى 284000. وبالنظر إلى هذه التحديثات فإن المكاسب الشهرية لشهر نوفمبر -التي لا تزال أعلى بكثير من المتوسطات الشهرية السابقة للوباء- هي الآن أدنى إجمالي الوظائف المضافة منذ أبريل (نيسان) من عام 2021.
ومع ذلك، قد لا يجلب ذلك كثيراً من العزاء لمجلس الاحتياطي الفيدرالي، الذي رفع سعر الإقراض القياسي بمقدار 3.75 نقطة مئوية هذا العام على أمل تهدئة الطلب وخفض التضخم، في حين تظهر بعض مجالات الاقتصاد آثار إجراءات بنك الاحتياطي الفيدرالي -انخفضت مبيعات المنازل وبدأت معدلات التضخم في التباطؤ- ظلت سوق العمل قوية في جهودها لمواصلة استعادة الوظائف المفقودة أثناء الوباء والتكيف مع استمرار قوة المستهلك والإنفاق، وبخاصة في الخدمات.
قال تشارلي ريبلي، كبير محللي الاستثمار في "أليانز إنفستمنت مانجمنت"، "في حين كانت نقاط البيانات الاقتصادية الأخرى خلال الأسابيع القليلة الماضية مواتية لتقدم بنك الاحتياطي الفيدرالي على جبهة التضخم، فمن الواضح أن بيانات التوظيف القوية هي أكبر رياح معاكسة لمجلس الاحتياطي الفيدرالي". وأضاف "يجب أن تنخفض جداول الرواتب إلى ما دون معدل الاستبدال من أجل الحفاظ على تباطؤ الاقتصاد على رغم تشديد معدل الفائدة الشديد حتى الآن، كان التأثير في سوق العمل ضئيلاً".
10 ملايين وظيفة شاغرة
في الوقت نفسه، أظهر تقرير "غولتس" الأخير عن الوظائف الشاغرة والإقالات أنه لا يزال هناك أكثر من 10 ملايين وظيفة شاغرة في أكتوبر الماضي. وفي حين أن هذا يشير إلى التيسير التدرجي، إلا أنه لا يزال قريباً من أعلى مستوى قياسي وأعلى بكثير من المتوسط البالغ 4.5 مليون قبل أن يضرب كوفيد الاقتصاد الأميركي.
ولكن مع مشاركة القوى العاملة التي لا تزال أقل بكثير من مستويات ما قبل الوباء، سيكون من الصعب ملء كل تلك الوظائف المتاحة، حيث أظهر تقرير الوظائف لشهر نوفمبر الماضي أن معدل المشاركة انخفض بشكل طفيف للشهر الثالث على التوالي إلى 62.1 في المئة.
وتمثل قراءة التوظيف الأخيرة آخر تقرير للوظائف قبل الاجتماع المقبل لمجلس الاحتياطي الفيدرالي في 13-14 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، حيث من المتوقع أن يرفع المسؤولون أسعار الفائدة بمقدار نصف نقطة مئوية، وهو أقل قليلاً مما كان عليه في الاجتماعات الأربعة السابقة.
يرى أنجيلو كوركافاس، استراتيجي الاستثمار في إدوارد جونز، أن تقرير الوظائف الساخنة من غير المرجح أن يحول بنك الاحتياطي الفيدرالي بعيداً من تلك النية لتعديل وتيرة الزيادات. وأضاف "لكن ما يفعله هو أنه يحتمل أن يبدد بعض الآمال في أن الاحتياطي الفيدرالي سوف يخفض أسعار الفائدة في أي وقت قريب... لم نصل إلى هناك بعد".