"كل شيء في السعودية بدأ ينضج"، قالتها المخرجة والكاتبة السعودية هناء العمير التي وصفتها المنصة العالمية "نتفليكس" بأنها "إحدى الملهمات والرائدات في المشهد الفني بالعالم العربي"، من خلال ركن المنصة "لأنها أبدعت"، والذي استعرض مسيرة العمير وإسهاماتها في صناعة الأفلام بمهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي الذي يقام في نسخته الثانية.
وكانت العمير السيدة السعودية الوحيدة من بين أربع نساء عربيات قدمتهن المنصة في المحفل العالمي الذي يرتاده صناع السينما ونجوم الأفلام في العالم على ضفاف البحر الأحمر بمدينة جدة غرب السعودية.
وتستعرض "نتفليكس" التي تأسست في أغسطس (آب) 1997 ويفوق عدد مشتركيها 137 مليون مشترك، عبر شاشاتها تجربة صاحبة مسلسل "وساوس"، وهو أول عمل سعودي تستحوذ عليه المنصة العالمية، وتقول إنها "كان لأعمالها الفريدة دور محوري في تعزيز نمو المركز السينمائي المزدهر في البلاد، كما بلغ اسمها ونجاحاتها الساحة العالمية".
وتقول العمير التي تترأس جمعية السينما السعودية منذ أغسطس 2021 عن لفتة "نتفليكس"، إنها ممتنة للغاية وتشعر بالفخر حيال ذلك، لا سيما أنها تأتي بمهرجان دولي كبير مثل مهرجان البحر الأحمر.
وتضيف لـ "اندبندنت عربية" أن المهرجان بات وجهة عالمية لكل السينمائيين وعشاق السينما من حول العالم.
وتستذكر العمير التي بدأت مشوارها مع السينما والإخراج بداياتها، قائلة "كنت أكتب وأهوى الكتابة عبر الصحف، لكن المجتمع خلال حقبته الماضية كان يظن أنني أضيع وقتي بلا جدوى".
وتتابع، "كان المحيطون بي متحفظين تجاه مستقبلي على اعتبار أن مستقبل المرأة مع الكتابة لا أفق له، وربما هذا بسبب انغلاق المجتمع في تلك الحقبة وبخاصة تجاه المرأة والفنون".
لكنها وعلى رغم كل تلك الظنون واصلت مشوارها وبدأت ملامحه تتضح في 2006 حين طلب منها أن تكتب عن الأفلام، ولم يستغرق الأمر سوى عامين وتحديداً عام 2008 حتى حازت على جائزة أفضل سيناريو عن فيلمها القصير "هدف" في مسابقة الأفلام السعودية.
مشوار الرواية نحو السينما
وبسؤالها عن اتجاه السينمائيين للروايات وتجسيدها عبر السينما، تقول العمير إن الفيلم لا تقتصر فكرته على الرواية وحسب، فمن الخبر الصحافي أو التقرير يمكننا أن نخرج بفيلم سينمائي ناجح، والمهم هو إعادة الصياغة المشهدية ليتناسب مع الشاشة".
وتضيف العمير أن الكتابة الصحافية "أكسبتها خبرة عميقة في مجال السرد القصصي"، مشيرة إلى أن كتابة السيناريو وصناعة الأفلام أصعب من الكتابة الأدبية، ذلك لأنها تواجه محاكمة "ذائقة الناس" بعكس الأدب الذي لا يتوجه إلا إلى المهتمين به.
"غواصو الأحقاف"
السعودية الفائزة بجائزة أفضل فيلم في مهرجان الأفلام السعودية لعام 2015 عن عملها "بدون شكوى"، كشفت لـ "اندبندنت عربية" عن عملين سينمائيين تعمل على كتابتهما وإخراجهما في المستقبل القريب، واحد لم تسمه بعد والآخر مقتبس من رواية "غواصو الأحقاف" للروائية السعودية أمل الفرمان، وهي الرواية الصادرة عام 2016 عن "جداول للنشر"، وهي من أدب الصحراء وجاءت في 264 صفحة من الحجم المتوسط، وتحكي عن حقبة تاريخية من تاريخ الجزيرة العربية في بدايات القرن الـ 20، وتكشف الجوانب الاجتماعية والاقتصادية في ذلك الزمن. كما جسدت التحديات التي واجهتها المرأة السعودية الصامدة المجابهة أمام كل الظروف التي وقفت في طريقها.
وترشحت الرواية التي ستتناولها العمير لجوائز عدة، ووصلت إلى القائمة القصيرة في "جائزة الشيخ زايد للكتاب" في دورتها الـ 13.
لم أحقق شيئاً
"أنا أحب الأدب وأحب أن أستكشف التاريخ، وهناك كثير من الأدباء السعوديين لديهم روايات خارقة، لكنني لن أسمي أحداً كي لا أبخس آخرين حقهم"، قالتها العمير حين سئلت عن العمل الروائي السعودي الذي يستحق أن يتحول لشاشات السينما.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعلى رغم تحقيقها منجزات في صناعة السينما والأفلام ونيلها كثيراً من الجوائز، تقول العمير بعد سؤالها عن العمل الذي تظنه أقرب لها وتعتز به، "ما أزال أرى أن هناك كثيراً لأقدمه".
وترى العمير أن ثمة تحديات تواجه السينما السعودية، ومنها عدم وجود بنية تحتية وندرة في المواهب المحترفة وكلفة الإنتاج الباهظة مقاربة بالدول المجاورة، كما أن السوق السينمائية غير مغرية للمستثمرين، لأن ريعها غير جاذب وهذا أمر يتطلب وقتاً.
"لدينا في السعودية أماكن جميلة للتصوير سينمائياً، لكن المشكلة تكمن في عدم وجود خدمات إنتاجية ولوجستية تساعد على التصوير في تلك الأماكن" وهذه بحسب العمير واحدة من التحديات والإشكالات التي تواجه صناعة الأفلام في بلدها.
والعمير حاصلة على شهادة البكالوريوس في الترجمة العربية الإنجليزية من جامعة الملك سعود عام 1992 والماجستير في الترجمة من جامعة "هيروت وات" في اسكتلندا عام 1997.
ومن أبرز أعمالها فيلم "أغنية البجعة" الذي عرض للمرة الأولى في مهرجان برلين السينمائي الدولي، وهو مقتبس عن مسرحية "أغنية البجعة" للمخرج الروسي الشهير أنطون تشيخوف، وفيلم شكوى الحائز على جائزة "النخلة الذهبية" في مهرجان أفلام السعودية، إضافة إلى جوائز أخرى.
لأنها أبدعت
وجاءت مبادرة "لأنها أبدعت" التي أطلقتها "نتفليكس" عام 2021 لإلقاء الضوء على النساء المبدعات والموهوبات والملهمات من العالم العربي، وإلى جانب العمير استعرضت المنصة مشوار كل من الممثلة التونسية هند صبري والكاتبة والمنتجة الأردنية تيما الشوملي والمخرجة التونسية كوثر هنية، وهن اللاتي وصفتهن المنصة بأنهن "فتحن أبواباً جديدة في عالم صناعة الأفلام".
وتسعى المنصة، بحسب مبادرتها، إلى توفير منصة لدعم رواة القصص النساء ومساعدتهن في تخطي الحواجز والعقبات التي تقف أمام المرأة في صناعة الترفيه، سواء عبر المحتوى الذي تقدمه من خلال الشبكة أو المنح المالية أو برامج التدريب، أو الجلسات الحوارية التي تأتي بمشاركة أهم صانعات الأفلام.
وتؤكد المنصة "هدفنا هو توفير بيئة لرواة القصص النساء لمشاركة تجاربهن ومساعدتهن في تخطي الحواجز التي تمنعهن من تحقيق أقصى إمكاناتهن في هذا المجال".
يذكر أن مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي هو أول مهرجان سينمائي دولي في السعودية، وهو مبادرة غير ربحية أطلقتها وزارة الثقافة في البلاد بغرض دعم قطاع الأفلام في المملكة وإثراء المحتوى السينمائي المحلي، ويستهدف أيضاً جميع الأعمال العربية والعالمية الجديدة، وتجري فعاليات نسخته الثانية خلال الفترة من الأول وحتى الـ 10 من ديسمبر (كانون الأول) الحالي.