تتوالى التقارير حول تقدم الحملة العسكرية التي تقودها الحكومة الفيدرالية الصومالية ضد حركة الشباب في مناطق وسط البلاد وجنوبه، مع تسارع في خسارة الحركة مناطق واسعة، من ضمنها مراكز استراتيجية ومواقع استقر وجودها فيها منذ أكثر من عقد ونصف العقد، ومع استمرار القتال على الأرض، بقيادة القوات المسلحة الصومالية ومشاركة قوات محلية ولائية وقبلية، يبرز التساؤل حول مستقبل الحركة والسيناريوهات المتعلقة بها في ظل الأحداث المتسارعة.
مؤشرات من المسرح العسكري
عن استنتاجاته حول التطورات على الساحة العسكرية، ودلائل ذلك على مستقبل
حركة الشباب، يشرح ليبان لغعد الصحافي المهتم بالشؤون الأمنية والمقيم في العاصمة مقديشو، أن "القوات الفيدرالية ورديفاتها استعادت نواحي وبلدات تزيد على خمس وأربعين، بعد أن كانت تحت سيطرة الشباب لمدة تزيد على العقد، مع بروز المستوى المتقدم للقوات الصومالية، واعتمادها على ذاتها وإمكاناتها الخاصة، من دون تدخل من القوات الأفريقية، والتضامن والدعم الشعبي معها، والنجاح في استهداف وتحييد قياديين كبار على رأس مقاتلي الحركة، واستيلاء القوات الحكومية على عربات وأسلحة بكميات كبيرة من مكامن الحركة، وانخراط القوات المحلية للولايات في الأعمال القتالية وإثباتها جدارتها من خلال المعارك التي خاضتها مع الحركة، كل ذلك يضعنا في صورة ما يجري على الأرض، ويؤشر إلى انكفاء الحركة وبسط الدولة سيادتها".
ويضيف الدبلوماسي في وزارة الخارجية الصومالية أحمد شيخ أن "كل المؤشرات تؤدي إلى نتيجة واحدة، مفادها انتهاء زمن تنامي قوة حركة الشباب والذي طال لسنوات عديدة من دون عائق، بخاصة أن الحركة كانت على الدوام متقدمة عن الحكومة بخطوة، وذلك على الصعيدين العسكري والاستخباراتي، أما اليوم وبعد سنوات من الانشقاقات المستمرة في صفوفها، ومقتل زعيمها إلى جانب الحملة الحالية، فقد بات من الممكن التكهن بمستقبل الحركة في الصومال، وهو ليس بالمستقبل المشرق".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويؤكد شيخ وجهة نظره هذه "بإمكاننا القول إن حركة الشباب في طريقها إلى الاندثار. طبعاً هذا لا يعني أن الحملة العسكرية وحدها ستقضي عليها، لكنني أعتقد أن الحملة ستتواصل لتكون اليد العليا للحكومة الصومالية عسكرياً، إلى حين البحث عن قنوات مناسبة مع قادة الحركة الذين في وارد الانشقاق عنها مستقبلاً، وإجبارهم على سلوك طريق بديل للحرب وإراقة الدماء في طرح أفكارهم وبرامجهم، لينتهي عصر إرهاب وترويع طال به الأمد، فعلى كل حال يمكنني أن أؤكد أن الحركة تعيش بعض أسوأ أيامها".
المرأة جندي في المعركة
في المقابل، تشير فلسن إبراهيم الناشطة السياسية إلى موقف المرأة من الأوضاع، ودورها في المساهمة بتغيير الواقع. وتوضح "كانت المرأة العنصر الأكثر تضرراً في المجتمع، بلا شك بسبب الصراعات السياسية والأحداث الإرهابية التي تواجهها الصومال اليوم وتحديداً العاصمة مقديشو، فقد اعتادت حركة الشباب المتطرفة استغلال المرأة بشتى الأشكال، كالزواج القسري والخطف، كما استخدمتها الحركة في تنفيذ تفجيرات عدة في العاصمة، واستهدفت الحركة بشراسة النساء اللاتي عدن من المهجر للعمل في المناصب الحكومية وكذلك ضمن المجتمع المدني لخدمة بلدهن، وعلى رأسهن الصحافية الشهيدة هودن نالييه التي أرادت التغيير لبلدها، كما صفت الحركة النائبة البرلمانية آمنة محمد عبدي قبيل انتخابات العام الماضي، مما جعلها عدواً للمرأة في كل المجالات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية".
وتضيف إبراهيم "كل المعاناة والمآسي التي عاشتها المرأة الصومالية ضمن ظروف الحرب الأهلية، زادتها ممارسات الحركة وأفكارها المتطرفة، التي لا تكاد تعتبر المرأة إنساناً ذا حقوق أو كرامة، فالحرب الجارية اليوم في البلاد تتكون من شقين أساسيين، شق مادي كالعمليات العسكرية وتجفيف الموارد الاقتصادية، وهو ما تسعى الحكومة الحالية إلى النجاح في تنفيذه على الأرض، وهناك شق معنوي فكري يتحدد النجاح فيه بمدى تقبل أو رفض الحركة بممارساتها وأفكارها، وما يؤدي إليه ذلك، إما دعماً لها ومساندتها، أو رفضها والتحريض عليها، والصوماليات ما دمن الأشد تضرراً فبالتأكيد أنهن يعلن رفضهن الحركة، وهو ما قمن به في مناسبات عدة وفي مناطق كثيرة، إذ يحرضن إخوتهن على المضي قدماً في محاربتها من دون تردد، بل وانتسبن إلى قوات الجيش والشرطة للمشاركة في
العمل القتالي المباشر، وهذا ما يبرر الروح المعنوية العالية لدى مختلف مكونات العملية العسكرية التي تقودها الحكومة".
الهزيمة المعنوية هي الأفدح
في سياق متصل، يسلط المحلل السياسي محمود موسى حسين المقيم في صوماليلاند الضوء على تغير واضح في المزاج العام، يغذيه الشعور ليس فقط بقرب الهزيمة للحركة، بل ضرورة تحقق هذه الهزيمة في أقرب وقت.
ويضيف في حديث لـ"اندبندنت عربية"، "ما يتم تداوله من مشاهد ومقاطع آتية من ساحات القتال، والاستهانة التي يتم التعامل بها مع كل ما يتعلق بالحركة، مؤشر على انكسار حاجز الرعب، وضياع استثمارات الحركة فيه، بعد إنفاقها سنوات وملايين من الدولارات لترسيخه في أذهان الصوماليين، من خلال التفجيرات الإرهابية المتكررة والاغتيالات المصورة، فكل المؤشرات تؤكد أنه بسبب انخراط الحركة في سلوكيات لا أخلاقية وممارسات مخالفة للأعراف وجرائم تستهدف الأبرياء والعلماء، خسرت السند الفكري الذي كان يبرر ليس فقط حربها، بل وجودها بذاته، إضافة إلى انقلابها على المكونات السكانية التي كانت متعايشة مع وجودها في مناطقها، في ظل غياب أجهزة الدولة المعنية بالأمن والعدالة، لذا أصبح متوقعاً لفظ المجتمعات التي كانت توفر لها الأرض وإمكانية الاستمرار، لذا لم يعد مستغرباً انخراط المقاتلين القبليين (معويسلي) في حملة محمومة من الانتقام العنيف والتتبع وحتى التعامل مع جثث قتلى الحركة بأدنى درجات الكرامة والاحترام".
ويضيف حسين "إننا في هذه المرحلة أمام دلائل واضحة على الهزيمة الفكرية والمعنوية للحركة في مناطق الصراع، ليس مردها فقط زخم العملية العسكرية التي تتعاون فيها القوات النظامية التابعة للحكومة الفيدرالية والولايات، بل الأهالي من القبائل، الذين يقدمون الدعم الاستخباراتي واللوجيستي والمعرفة الدقيقة بالأرض، بل لأن الأرض ذاتها التي سمحت لهم بالبقاء لم تعد تقبل وجودهم عليها".
سيناريوهات مستقبل الحركة
وحول المستقبل المتوقع للحركة، توضح الناشطة إبراهيم "لفترة طويلة استمر تآكل التأييد، وتراجع السكوت أمام جرائم الحركة الناتج من الخوف والترهيب، وفي ظل المتغيرات المتسارعة تم طي صفحة الجدل العقيم حول شرعية أهداف الحركة، وتقبل سلوكها تجاه تحقيقه، فالمرأة في الصومال التي يؤمن شعبها بأنها العمود الفقري لمجتمعهم، ذاقت منهم الأمرين وأصبحت منخرطة في معركة الوعي والتحشيد، مما يعني أنه لم يعد هناك مكان للحركة على أرضنا، ووجودها على رغم استمرار خطورته، أصبح أيضاً خطراً على قياداتها والمنتسبين إليها والمتعاونين معها، فلم يعد للحركة سوى التوقف والعودة إلى شعبها، وإعلان التوبة وطلب الصفح، أو الرحيل إلى حيث تعتقد أنه يمكنها ممارسة جرائمها إن أرادت الاستمرار".
وحول السيناريوهات المطروحة أمام الحركة يحذر المحلل السياسي محمود موسى حسين من إمكانية تفرق القيادات والعناصر النوعية للحركة وانضمامهم إلى منظمات الإرهاب الدولي خارج البلاد.
ويضيف "على رغم أن العمل العسكري ما زال يستوجب الامتداد جغرافياً نحو الجنوب، فإن مؤشرات الواقع تفيد بأن الخيارات أمام الحركة محدودة، فليس أمامها سوى الاختفاء والذوبان في المجتمعات الصومالية المتفرقة، ومن ثم الانخراط في العمل السياسي والاجتماعي السلمي، بعد تجاوز مرحلة اعتماد السلاح وإراقة الدماء وسيلة للوصول إلى السلطة، أو مغادرة أراضي ليس فقط جمهورية الصومال، بل وأقاليم القومية الصومالية عبر الحدود بالمجمل، لأن ماكينة التتبع والانتقام القبلي قد انطلقت ولن تتوقف حتى يتم استهداف أعضائها بشكل فردي، لذا ستضطر الحركة إلى عرض خدماتها ومكتسباتها على زميلاتها تحت مظلة تنظيم القاعدة الدولية مثلاً، ولن يكون مستبعداً ظهور تكتيكات الحركة والعمليات الاستخباراتية واللوجيستية التي تحمل بصماتها في مناطق متعددة من قارتي أفريقيا وآسيا، لذا من الضروري استباق ذلك بإنهائها داخل حدود الصومال باكراً، ما دام ذلك ممكناً".