يكتب سايمون كالدر الذي يشتهر بلقب "الرجل الذي يدفع بنفسه" حول مواضيع السفر في "اندبندنت" منذ عام 1994. بعد 28 عاماً بأسرها قضاها مغموراً، استلم بكل امتنان "جائزة الصحافة البريطانية" عن فئة الكتابة عن السفر هذا الأسبوع؛ وصلت متأخرة لكن ذلك خير من ألا تصل أبداً. في مقال الرأي الذي يكتبه أسبوعياً، يتعمّق سايمون في قضية أساسية تخصّ السفر- وتداعياتها عليكم.
تخيلوا مؤسسة خسرت خلال ثلاثة أعوام عميلاً من أصل كل خمسة عملاء. أما إيراداتها، فقد تراجعت أكثر بعد، لتبلغ 71 في المئة فقط من حجمها في عام 2019. وهذا يعني عملياً أنها تحصّل 10 ملايين جنيه أقل يومياً مقارنة بعام 2019.
والأسوأ آتٍ. تغيّر ثلاثة مدراء للمؤسسة خلال سبعة أسابيع. فيما سياسة التسعير التي تتبناها غير منطقية جداً ومليئة بالعيوب لدرجة أن عدداً متزايداً من العملاء بات مضطراً للقيام بعمليتي شراء أو ثلاثة للحصول على منتج واحد، فيما يوفّر ذلك عليهم في المقابل 40 في المئة من السعر. يضاف إلى ذلك ترتيبات عمل غريبة للموظفين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في إحدى أقسام هذه المؤسسة، تتغير شروط العمل بحسب الجانب الذي يقع فيه مكان عملك من مجموعة هضاب. يتواصل العمل على مدار الأسبوع، وقد يُطلب من موظفي الجانب الشرقي أن يعملوا في أي يوم من الأسبوع. فيما يستطيع موظفو الناحية الغربية أن يعملوا أيام الآحاد فقط عندما يريدون كسب بعض المال من العمل لساعات إضافية.
من الواضح أن هذه المؤسسة بحاجة لإعادة هيكلة من أساسها بتكاليف أقل بكثير، ومرونة أكبر بكثير وأسعار منطقية وأفكار جديدة. لكن في المقابل، يتدهور حال المؤسسة التي تعمّها العلاقات السامّة مع القطاع وداخله، ويبدو أنها ترغب بالقضاء على نفسها بنفسها: فالشركة تنصح العملاء المحتملين أن يتفادوها معظم الوقت خلال الأسابيع الثلاثة المقبلة.
لا بد أنكم أدركتم أنني أتحدث عن السكك الحديدية البريطانية في الأيام الأخيرة لسنة ملأتها الفوضى.
توضح هذه الأرقام المتعلقة بالركاب والإيرادات (وقد نُشرت هذا الأسبوع، عن الفترة الممتدة من يوليو/ تموز إلى سبتمبر/ أيلول 2022) حجم التراجع منذ جائحة فيروس كورونا. استلم مارك هاربر منصب وزير النقل بعد آن ماري تريفيليان التي خلفت غرانت شابس، بعد أن طردته ليز تراس لتأييده ترشيح ريشي سوناك لمنصب الرئاسة. وحدث كل هذا خلال إضراب طويل ومرير للسكك الحديدية، يتواصل منذ ستة أشهر ويُفسد كل تخطيط للسفر في المملكة المتحدة.
قد تشيرون إلى كون القطاع مجزّأً، ويضمّ عشرات الشركات الفردية منها شركات خاصة كثيرة، لكن الحقيقة هي أن وزير الدولة لشؤون النقل هو الذي يتخذ القرارات النهائية.
بعض مشغّلي القطارات يعملون في القطاع الخاص ويتقاضون أجوراً لقاء تشغيل الخدمات كما قررت وزارة النقل. وبعضهم الآخر يديره القطاع العام، مثل نورذرن تراينز Northern Trains - الذي تتقرر شروط العمل فيه بحسب موقع الموظف من جبال بينينز Pennines [سلسلة هضاب تتوسط إنجلترا].
هناك حجج وجيهة تدعو لجعل السكك الحديدية مملوكة بالكامل للحكومة، كما هناك حجج مماثلة لمصلحة التدابير الحالية التي أُسندت إلى القطاع الخاص. لكن مجرد أن مليارات الجنيهات تخرج من القطاع وتدخل جيوب "مساهمين أجانب" فيما يمكن بكل ببساطة أن يعاد توجيهها لتوفير زيادات على الأجور تماشي معدّل التضخم أمر لا يفهمه عقل. في الوضع الحالي، تفقد السكك الحديدية الكثير من المال ودافع الضرائب هو من يتحمل هذه الكلفة.
أصبح "تقسيم التذكرة" اتجاهاً سائداً، وهو عملية استغلال العيوب التي تعاني منها هيكلية تحديد أسعار التذاكر بشكل قانوني، من أجل تقليص كلفة السفر بالقطار. ومع وجود تطبيقات التذاكر التي تقدم لك حلولاً لتوفير المال، يزداد تقلّص مدخول الشركة. لا شك في أن لا أحد أبداً يشتري تذكرة بسعرها الكامل من بريستول إلى لندن بوجود خيار "ديدكوت دودج" (أي شراء تذكرة إلى تقاطع أكسفوردشير وواحدة أخرى من هناك) الذي يجعل الكلفة أقل بنسبة 40 في المئة.
يدرك جميع من في القطاع الحقيقة المزعجة بأنّه يجب تغيير الكثير من الأمور. ومع ذلك، لم يصدر عن معظم الأشخاص المعنيين بالقطاع أي إشارة على القيام بتقدم فعلي في مجال تحسين الخدمات، وتقليص التكاليف وتعزيز العمل. بل إن ما يحدث هو العكس حيث يدور صراع طويل وعقائدي بين الحكومة والنقابات العمالية ليس المسافر ودافع الضرائب فيه سوى متفرّجين.
تعتقد نقابة العاملين في السكك الحديدية والنقل البحري والبري (آر أم تي) التي تنهي العام الجاري وتبدأ 2023 بإضراب يستمر 12 يوماً، أن الحكومة تملك مالاً لا تأكله النيران وسوف تعطيها المزيد منه في نهاية المطاف. أما الوزراء، في المقابل، فيعتقدون بأنهم قادرون على التغلّب على المضربين بالثبات على موقفهم، وجعلهم عِبرة لبقية العاملين في القطاعات العامة. في هذه الأثناء، يلعن الركّاب الجهتين، فيما نحجز تذاكر لرحلات جوية أو نستأجر سيارات أو نلازم بيوتنا بكل بساطة، كما تطالبنا شركات السكك الحديدية أن نفعل. لكن مع استمرار الخلافات في ظل عدم معالجة المشكلات الأساسية للسكك الحديدية، سوف تخف رغبة الركاب باستخدام القطار وسوف تتسارع وتيرة التدهور الذي اختار الجانبان أن يدعماه.
© The Independent