بقي 113 يوماً على موعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، إلى اليوم لا يلوح في الأفق أي اتفاق كان.
تَعهّد كل من بوريس جونسون وجيريمي هانت، المرشحين المتنافسين على منصب رئيس الوزراء، بالعودة إلى بروكسل للحصول اتفاق جديد. قال كلاهما إنه إذا رفض الاتحاد الأوروبي التجاوب، فلا ينبغي على المملكة المتحدة أن تخشى المغادرة في أكتوبر (تشرين الأول) من دون صفقة. رهانهما هو أن التهديد بخروج بريطانيا من دون صفقة من شأنه أن يحمل الدول الـ 27 في الاتحاد الأوروبي على إعادة النظر في مواقفها. لكن هل هما على صواب؟
الجواب هو نعم ولا. إن التهديد بعدم التوصل إلى اتفاق لن يغيّر رأي الاتحاد الأوروبي - لكن إذا استطاع رئيس الوزراء البريطاني الجديد إقناع زعماء الاتحاد الأوروبي بأن إعادة التفاوض أفضل من الخروج من دون اتفاق، سنح المجال أمام التفاوض من جديد.
لكن التهديد ببساطة بالخروج في أكتوبر لن يجدي كتكتيك تفاوضي لأن دول الاتحاد الـ 27 تشعر بالفعل بأنها مهيأة بما يكفي للتعامل مع خروج بريطانيا من دون صفقة. فقد بدأت المفوضية الأوروبية بنشر إرشادات حول الانسحاب من دون صفقة منذ ربيع عام 2018. ومنذ ذلك الحين، عقد مسؤولو الاتحاد الأوروبي ندوات مع رجال الأعمال الأوروبيين لمساعدتهم على التخطيط لهذه المرحلة، وأطلقت معظم حكومات الاتحاد الأوروبي حملات توعية حول قضايا قد تترتب على انسحاب من دون اتفاق. كما اتفقت دول الاتحاد الـ 27 على سلسلة من الإجراءات المؤقتة والأحادية لإدارة بعض نتائج مثل هذا الانسحاب، والتي تشمل كل شيء من الخدمات المالية إلى الرحلات الجوية.
في يونيو (حزيران)، أكدت مفوضية الاتحاد الأوروبي أن هذه الإجراءات ستظل سارية إذا غادرت المملكة المتحدة من دون اتفاق في نهاية أكتوبر. كما خصص الاتحاد الأوروبي مبلغاً مالياً لدعم البلدان الأكثر تضرراً من انسحاب بريطانيا من دون اتفاق.
لقد خلقت هذه الإجراءات انطباعاً بأن دول الاتحاد أصبحت مستعدة لمواجهة أي صيغة نهائية للبريكست، مع أن بعض المسائل المهمة تبقى معلقة. في هذا الأسبوع على سبيل المثل، أوضح وزير الخارجية الإيرلندي، سيمون كوفني، أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق سيخلق مخاطر كبيرة على الحدود الإيرلندية وأنهم لا يعرفون بعد كيفية التعامل مع المشكلات الناجمة عن مثل هذا الانسحاب.
السبب الآخر وراء عدم جدوى التهديد بالانسحاب من دون اتفاق، فمثل هذا التلويح لن يحقق الكثير، هو أن شركات الاتحاد الأوروبي لم تبذل جهداً يُذكر للضغط على حكومات الاتحاد الأوروبي السبع والعشرين لتغيير نهجها، حتى تلك الدول التي تعد شريكاً تجارياً رئيساً للمملكة المتحدة على غرار ألمانيا وهولندا وفرنسا وبلجيكا وإيطاليا وإسبانيا وبولندا، على الرغم من أن هذه الدول ستتكبد خسائر تفوق خسارة الآخرين.
ثمة أسباب كثيرة وراء هذه الحال. بعضهم في الاتحاد الأوروبي يرى مزايا تجارية في خروج بريطانيا من دون صفقة، ومن بين المزايا هذه توقعها أن شركات عدة قد تنقل أعمالها إلى الجزء القاري لأوروبا أو إلى إيرلندا لكي يتسنى لها العمل في السوق الموحدة، وأن الشركات هذه ستوفر وظائف جديدة وفرصاً أخرى. وتحرص فرنسا بشكل خاص على جذب الشركات المالية الموجودة حالياً في لندن.
لكن شركات أخرى تشعر بالقلق من احتمال أن يمنح اتفاق انسحاب معدّل الشركات البريطانية ميزة تنافسية غير عادلة لأنها ستحتفظ بحق العمل في السوق الموحدة من دون تحمل القدر نفسه من الواجبات تجاه الاتحاد الأوروبي. ويمكن أن يشكل هذا الوضع سابقة قد تلجأ إليها الشركات من بلدان أخرى، مثل اليابان وكوريا الجنوبية وحتى الولايات المتحدة، لطلب ميزات تفضيلية مماثلة أو على أقل تقدير أكثر يسراً للدخول إلى السوق الأوروبية. وبالنسبة إلى كثير من الشركات في الاتحاد الأوروبي، سيكون فرط عقد السوق الموحدة أكثر كلفة من اتفاق حل وسط يحول دون خروج المملكة المتحدة من دون اتفاق.
أخيراً، هناك أشخاص في الاتحاد الأوروبي يعتقدون أن التلويح بالخروج بلا اتفاق ما هو إلا تهديد فارغ تماماً. فقد أوحت التقارير التي تفيد بتأخر الشركات البريطانية في التخطيط للخروج بلا صفقة، إلى جانب محاولات نواب للحؤول دون ذلك، لكثيرين بأن الخروج بلا اتفاق لم يعد مطروحاً بالفعل على التفاوض. في غضون ذلك، يعتقد العديد من قادة الاتحاد الأوروبي الـ 27 أن الخروج بلا اتفاق سيكون فوضوياً إلى حد يحمل المملكة المتحدة على العودة إلى طاولة المفاوضات في غضون أسابيع قليلة على انسحابها.
وعلى الرغم من أن الاتحاد الأوروبي استبعد إعادة التفاوض، إلا أنه قد يكون منفتحاً على مزيد من المحادثات. ولكن إذا كان رئيس الوزراء الجديد جاداً في التوصل إلى اتفاق جديد أو اتفاق معدّل، فهو يحتاج إلى اقتراح بدائل ذات صدقية وقابلة للتطبيق، وإقناع الاتحاد الأوروبي بأنه قادر على تمرير صفقة معدّلة في البرلمان، وكذلك إقناعهم بأن اتفاقاً معدّلاً يصب في مصلحة الاتحاد الأوروبي.
من وجهة نظر الاتحاد الأوروبي، يجب أن تعود أي خطوة بالنفع على كلا الجانبين. فآخر شيء يريدونه هو تقليص الخطوط الحمر التفاوضية لتُلائم المملكة المتحدة، لأن هذا قد يشجع السياسيين المناهضين للاتحاد الأوروبي في بلدانهم على استخدام أساليب مماثلة لجعل الاتحاد الأوروبي يغير موقفه في مجالات أخرى.
مع إقبال الاتحاد الأوروبي على نقاشات مهمة، من إصلاح منطقة اليورو إلى معالجة أزمة اللاجئين، يحرص قادته على تحاشي تكريس بريكست سابقة قد تفرط عقد الاتحاد.
لا يحمل التهديد بالخروج من دون اتفاق جديداً، والصراخ بصوت أعلى لن يدفع الاتحاد الأوروبي على تغيير مساره. فالحلول المعقولة والمنطقية فقط هي الكفيلة بتغيير رأي دول الاتحاد. ويملك رئيس الوزراء الجديد فرصة لإقناع الاتحاد الأوروبي على الأقل بأن اتفاقاً معدلاً هو أفضل من انسحاب بلا اتفاق.
لكن يظل هناك سؤال واحد هو هل سيكون هناك وقت كاف لإقناعهم؟ وهذا السؤال يسري على جميع جوانب بريكست.
جورجينا رايت هي باحثة رفيعة في "معهد تحسين أداء الحكومة"
© The Independent