في حضور ممثل عن طهران، دعت فرنسا وأطراف عربية وإقليمية عدة، العراق بقيادة رئيس الوزراء الجديد محمد شياع السوداني، إلى الابتعاد عن المحور الإيراني، والانطلاق نحو مسار آخر بعيد من الهيمنة "ونموذج يُملى من الخارج"، بينما تخلص تقديرات المراقبين إلى توافق فرنسي-أميركي لتعزيز روابط العراق بمحيطه العربي، وتفعيل توازنه بين القوى الإقليمية غير العربية الجارة للعراق، تركيا وإيران.
وقبيل موعد مرور عقدين على الغزو الأميركي للعراق عام 2003، جاء المؤتمر الذي استضافته منطقة البحر الميت الأردنية بمشاركة الرئيسين الفرنسي إيمانويل ماكرون ونظيره المصري عبد الفتاح السيسي، ليتفق على استضافة مصر للنسخة الثالثة منه العام المقبل 2023، وسط تعهد دولي وإقليمي بتقديم كافة صور الدعم الممكن للعراق لمكافحة الإرهاب وتحقيق الاستقرار الذي يمثل "ركناً أساسياً في أمن المنطقة"، بحسب وصف العاهل الأردني عبدالله الثاني في افتتاح المؤتمر الأسبوع الماضي.
رسائل المؤتمر ودلالاته الآنية كانت تعكس حضوراً عربياً متنامياً في المشهد العراقي، لكن نتائجها ومآلاتها اختلفت وفق مراقبين، بين من يرى أن بوصلة رئيس الوزراء العراقي تتجه نحو تخفيف الضغوط الداخلية الرافضة للنفوذ الإيراني من خلال خطوة الانفتاح على المحيط العربي، بغض النظر عن استمرارية اتجاه تلك البوصلة مستقبلاً، ومن رأى في المقابل أن الدولة العراقية وضعت نفسها مجدداً في قلب محيطها العربي مهما تبدلت خلفية قادة حكومتها وعلاقاتهم بطهران، فيما يعتقد على نطاق واسع أن الأدوار العربية والأوروبية في العراق، لا تزال أمامها الكثير لمزاحمة "النفوذين الأميركي والإيراني المتغلغلين في البلد العربي النفطي المطل على الخليج، عوضاً عن إيقاف النفوذ التدخل والحضور التجاري والعسكري التركي".
مؤتمر بغداد 2 وسياسة النأي بالنفس
وجه "مؤتمر بغداد 2" رسائل واضحة في شأن رفض التدخلات الإقليمية غير العربية في شؤون بلدان المنطقة، وهو ما أبدى رئيس وزراء العراق، محمد شياع السوداني، تفهمه الكامل له بالقول "لا نسمح باستخدام أراضينا لانطلاق أي تهديد لدول الجوار"، مشدداً على أن "العراق ينأى بنفسه عن سياسات المحاور ودعوات التصعيد". بينما أكد الرئيس المصري أن بلاده "ترفض أي تدخلات خارجية في شؤون العراق"، معتبراً أن السبيل الأمثل للحفاظ على أمن العراق وسيادته "رفع قدرات مؤسسات الدولة العراقية في المجالات كافة".
وجاء مؤتمر بغداد 2 للتعاون استكمالاً للمؤتمر الأول الذي عقد في بغداد بالتعاون مع فرنسا في أغسطس (آب) العام الماضي. وبالنظر إلى تنوع المشاركين من القوى الإقليمية التي تجمعها تناحرات وتجاذبات سياسية، فإن المؤتمر يمثل إحدى التجمعات القليلة القادرة على الجمع بين إيران والدول العربية على طاولة واحدة للنقاش، وهو ما ساهم إلى حد كبير عقب انعقاد نسخته الأولى خلال العام الماضي، في دفع مباحثات علنية وسرية لتخفيض التصعيد الإقليمي في منطقة الخليج العربي.
ولا يزال قول السوداني باتباعه سياسة النأي بالنفس عن المحور الإيراني موضع اختبار مع تزايد الانتقادات الموجهة إلى ارتباطه الوثيق بطهران منذ ترشيح اسمه رئيساً للوزراء. لكن انعقاد اجتماع وزاري للآلية الثلاثية للتعاون بين مصر والعراق والأردن بعد أسابيع فقط من نيل السوداني ثقة مجلس النواب العراقي، وجه رسالة للمحيط العربي بتمسكه بإرث سلفه مصطفى الكاظمي الذي شهد العراق في عهده خطوات غير مسبوقة، لتأكيد الانفتاح العربي الذي شرعت بغداد به خلال السنوات القليلة الماضية، بعد وقوعها فريسة النفوذ والتدخل الإيراني منذ الغزو الأميركي عام 2003.
من جهته، شدد الأمير فيصل بن فرحان بن عبدالله وزير الخارجية السعودي، على رفض بلاده التام لأي اعتداء على أي شبر من أراضي العراق، كما أكد وقوف الرياض صفاً واحداً معه في محاربة الإرهاب والتطرف وكل من يسعى للدمار والخراب وإثارة الانقسامات.
المبادرة الفرنسية والمباركة الأميركية
من أبرز الرسائل التي وجهها مؤتمر بغداد هي إعادة التأكيد على الحضور الغربي عبر بوابة الرعاية الفرنسية، وفق رأي مهاب عادل، الباحث في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية في القاهرة، الذي اعتبر أن الغرب يسعى إلى تأكيد حضوره في قضايا وتفاعلات المنطقة من خلال "دبلوماسية المؤتمرات"، عبر حشد الجهود لمختلف الأطراف الإقليمية والدولية، لتقاسم الأعباء وعدم ترك المجال لهيمنة قوى إقليمية على حساب بقية القوى الأخرى. لذا سعت باريس لصيغة المؤتمر الجامعة، باعتباره أحد المساعي الديناميكية طويلة الأجل التي يمكن من خلاله مراكمة الجهود نحو مواجهة التحديات العالمية على الصعيد الإقليمي، كقضايا المناخ والأمن الغذائي والمائي وقضايا الاستقرار السياسي ومكافحة التطرف والإرهاب.
ويبدو أن هذه المؤتمرات، وإن كانت برعاية فرنسية مباشرة، إلا أنها تأتي بتنسيق ومباركة أميركا التي ترغب في إعادة ترتيب أولويات سياستها الخارجية، وفقاً لطبيعة التهديدات الراهنة التي تواجهها سواء من خلال الدب الروسي أو القطب الصيني الصاعد، وذلك عبر اعتماد منهج تشارك الأعباء مع الشركاء الإقليميين وتعزيز قدراتهم، بما لا يسمح بخلق فراغ تملؤه خصوم واشنطن بما يضر بمصالحها ومصالح حلفائها في المنطقة. وجاءت المباركة الأميركية للمؤتمر من خلال تضمينه بين المواضيع الشرق أوسطية القليلة، التي تطرق إليها البيان المشترك الصادر بعد لقاء ماكرون مع الرئيس جو بايدن في واشنطن، خلال الشهر الحالي، بحسب عادل.
إرث الكاظمي وطموح السوداني
من منظور عراقي، وفر الحدث فرصاً كبيرة لرئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني لتسويقه على الصعيدين الإقليمي والدولي، بحسب تحليل نشره معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، مع انعقاد المؤتمر الذي عده المعهد نقطة انطلاق مرحب بها لقيام تعاون أوسع بين الحكومة العراقية الجديدة والدول العربية المجاورة، في إشارة إلى نهج رئيس الحكومة العراقية السابق مصطفى الكاظمي.
وسياسياً، يُنظر إلى العلاقة الوطيدة بين حكومة السوداني والجهات الموالية لإيران بعدم الثقة في الغرب وفي بعض الدول المجاورة، "لذا فإن المشاركة في حدث إيجابي متعدد الأطراف هي إحدى السبل لطمأنة الأطراف الخارجية"، في المنطقة.
و"قد يراها السوداني أيضاً مناسبة لبناء إجماع مع الجيران العرب حول العلاقات الاقتصادية والتعاون الأمني وغير ذلك. ويعدّ هذا الحدث نموذجاً مؤثراً بشكل خاص للتواصل مع دول الخليج، التي تخشى التهديدات التي تشكلها الميليشيات المدعومة من إيران في العراق، ولكنها تأمل أيضاً في الاستفادة من الفرص الاستثمارية الكثيرة في البلاد. ولا تعترض طهران على مشاركة السوداني في المؤتمر، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن الحكومة العراقية المعزولة دولياً، لا تخدم المصالح الإيرانية"، بحسب معهد واشنطن.
ويستكمل التحليل "كانت أجواء الحدث مشوقة إلى حدٍّ ما، الأمر الذي قد يكون مفيداً للسوداني نظراً لقلة خبرته في السياسة الخارجية. كما تقدم مثالاً مبكراً على عمل السوداني على إدامة إرث الكاظمي، الذي كانت شخصيته وإنجازاته في السياسة الخارجية موضع تقدير كبير من فرنسا والأردن على حدٍ سواء. وعلى نطاق أوسع، فإن تكرار المؤتمر، على رغم التغيير في القيادة، يتوافق بشكل جيد مع فكرة بناء الجسور مع الدولة العراقية بغض النظر عمّن يترأسها".
ورأى الباحث في مركز "الأهرام" أن المؤتمر استهدف طمأنة الشركاء الإقليميين للغرب وواشنطن وتخفيف التوترات في المنطقة، بالنظر إلى أن العراق يشكل نقطة التقاء رئيسة للجهات الإقليمية الفاعلة مثل إيران والسعودية وتركيا، وبالتالي فهو نقطة انطلاق أمثل لتخفيف التوترات في دول الجوار الإقليمي، وطمأنة حلفاء واشنطن تجاه القلق المتصاعد في أعقاب استقالة حكومة الكاظمي العراقية، وتولي حكومة السوداني "المدعومة إيرانياً".
وفي المقابل، ترى ميرفت زكريا، الباحثة في الدراسات الإيرانية في جامعة القاهرة، إن شياع السوداني من المستبعد أن يسير على نهج الكاظمي نحو محاولة الانفكاك عن الهيمنة الإيرانية ونفوذ طهران في بغداد. وأضافت "السوداني زار إيران كأول زيارة خارجية، وكان وزيراً للعمل والشؤون الاجتماعية في وقت سابق، وتم طرح اسمه لرئاسة الوزراء عام 2019، لكن تم رفضه من قبل المتظاهرين العراقيين خلال الاحتجاجات التي انطلقت في العراق في العام ذاته".
وتابعت "على رغم أن رجل الدين والسياسي البارز مقتدى الصدر أقر أنه سبق أن عارض ترشيح السوداني عام 2019، ولا سيما أن السوداني كان أحد أعضاء حزب الدعوة العراقي الذي يقوده نوري المالكي المدعوم من إيران، ولدى هذا الأخير خلافات سياسية وشخصية مع مقتدى الصدر، لا سيما بعد الحملة الأمنية التي شنها المالكي على أتباع الصدر عندما كان رئيساً للوزراء، الأمر الذي انتهى بهم في نهاية المطاف إلى السجن أو الهروب. إلا أن "الإطار التنسيقي للقوى السياسية تمكن من العمل على فوز السوداني بعد اعتزال الصدر وأنصاره للعمل السياسي"، وفق إعلانهم، لكن سيظل التيار الصدري رقماً مهماً في معادلة التوازنات العراقية في المستقبل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مكافحة الإرهاب
وبينما جدد الرئيس المصري خلال المؤتمر التأكيد على دعم القاهرة الكامل لبغداد في مكافحة الإرهاب والتطرف، مشيراً إلى أن "انتشار الإرهاب والفكر المتطرف أثقل كاهل العراقيين"، تعتقد تقي النجار الباحثة المتخصصة في قضايا الإرهاب في المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية بالقاهرة، أن عودة نشاط تنظيم "داعش" الإرهابي تمثل هاجساً تضع قضية مكافحة الإرهاب على رأس أجندة مؤتمر بغداد 2، "إذ شهد العراق أخيراً تنامياً لنشاط التنظيم عبر تصعيد عملياته في كل من كركوك شمال العراق وديالي شرق العراق، مستهدفًا مدنيين وعسكريين، متبعاً تكتيك حروب العصابات. وعلى رغم جهود الدولة العراقية في استرجاع الأمن عبر تنفيذها عدداً من الضربات الأمنية المتواصلة، التي ساهمت في الضغط على عناصر التنظيم وتحجيم تحركاتهم وتقويض نشاطهم، إلا أن هناك جملة من العوامل التي ما زالت تقف خلف استمرار نشاط تنظيم "داعش" في العراق.
يأتي على رأس هذه العوامل المؤدية لاستمرار الظاهرة الإرهابية في العراق، "معضلة الجغرافيا، حيث التضاريس الصعبة من جبال وبيئات صحراوية توفر لعناصر التنظيم المخابئ، ناهيك بالاتصال الجغرافي للدولة العراقية مع النظام السوري وأثره على استمرار نشاط التنظيم لا سيما مع تنامي نفوذه في سوريا. كذلك لا يمكن إغفال أن السياق السياسي العراقي ما زال يشهد حالاً من الاضطراب وعدم الاستقرار، بالتالي يساهم هذا المشهد في خلق مساحات يمكن استغلالها من قبل التنظيمات الإرهابية، أياً كانت مسمياتها"، وفق المعلّقة نفسها.
الحضور العربي في العراق
يتفق المراقبون على أن "مؤتمرات بغداد" مثلت آلية لتعزيز الحضور العربي في العراق في مواجهة النفوذ التقليدي لدول الجوار غير العربية، فيما يتيح النهج التشاركي لما يمكن تسميته "أصدقاء بغداد" فرصاً لتعويض الانسحاب الأميركي الجزئي من العراق، وتخفيف وطأة الهيمنة الأميركية على شؤونه لمدة نحو عقدين من الزمن.
وفي ختام المؤتمر، أعلن المشاركون أهمية عقد الدورة الثالثة للمؤتمر العام المقبل من دون تأخير، وتشارك بقمة بغداد 3 التي ستستضيفها مصر العام المقبل أعضاء المؤتمر (السعودية والأردن والإمارات والبحرين وتركيا وسلطنة عُمان وقطر والكويت ومصر وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي ومجلس التعاون لدول الخليج العربية والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي).
ورأت النجار أن مؤتمر بغداد بمثابة إعلان للدعم العربي والإقليمي والدولي للدولة العراقية على خلفية ما تواجهه من تحديات على المستويين الأمني والسياسي، وذلك عبر تعزيز أمنها ودعم استقرارها. وارتباطاً بهذا التوجه، يُعد ملف مكافحة الإرهاب من الملفات المطروحة على أجندة المؤتمر، لا سيما وأن الإرهاب كان من أكبر التحديات التي تواجه الدولة العراقية. فعلى رغم نجاح العراق في استعادة المدن التي سيطر عليها تنظيم "داعش" الإرهابي، إلا أن هناك استمرارية في نشاط فلول التنظيم، فلم يتم القضاء عليه بشكل نهائي.
وفي ظل استمرار الإرهاب كتحد بارز يواجه العراق، تأتي أهمية التعاون العربي والإقليمي والدولي في ملف مكافحة الإرهاب على أصعدة متعددة، حيث تبادل المعلومات، ونقل الخبرات، والتدريب المشترك، إذ يظل التعاون الدولي رقماً هاماً في مكافحة وتقويض نفوذ التنظيمات الإرهابية، بحسب المتحدثة ذاتها.
كما يعتقد مهاب عادل الباحث في مركز "الأهرام"، أن مزاحمة الدور الإيراني بخاصة في أعقاب تكليف الحكومة العراقية الجديدة المدعومة إيرانياً، كان من بين أهداف المؤتمر.
"إذ عكس أيضاً مؤتمر بغداد 2، رسالة مهمة لإيران ووكلائها المحليين في الداخل العراقي، لا سيما وأن المؤتمر تزامن مع تولي محمد شياع السوداني، كمرشح للإطار التنسيقي المدعوم إيرانياً، برئاسة الحكومة، بأن تراجع الدور الأميركي لن يعوضه الدور الإيراني، وسيظل هذا الدور يزاحمه الحضور الغربي من خلال شركائه الإقليميين من الدول العربية على غرار مصر والأردن ودول مجلس التعاون الخليجي وكذلك الشركاء الأوروبيين، وخلق روابط للتعاون المشترك في المجالات المختلفة، بما يضمن استقرار العراق ويساهم في تحقيق الفكاك التدريجي لارتباط الداخل العراقي بمعادلة الحكم في إيران".
سؤال النفوذ الإيراني
ورأت الباحثة ميرفت زكريا أنه على رغم تضمن البيان الختامي لقمة "بغداد 2" للتعاون والشراكة في عمّان، بعض الرسائل المناوئة لطهران، على خلفية العمليات العسكرية التى شنتها إيران على قواعد الجماعات الكردية الإيرانية المسلحة في شمال العراق، بعد اتهامها بدعم الاحتجاجات الداخلية عبر تهريب السلاح، إلا إنه يمكن القول إن هذه القمة تواجه بعض الإشكاليات التي تمثل أبرزها في إنهاك طهران بأوضاعها الداخلية المضطربة إثر الاحتجاجات المتواصلة منذ وفاة الفتاة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر (أيلول) الماضي.
ومن ناحية أخرى، يمكن القول إنه على رغم أن إيران تعد أبرز المستفيدين من تحقيق الهدف الأساسي للقمة وهو "دعم أمن العراق واستقراره" وفق ما تم إعلانه، إلا أن إيران آخر دولة تريد ذلك، على خلفية رغبتها في أن تلعب دائماً دور الموازن الأساسي بين الفصائل السياسية المختلفة، بما يضمن مصالح طهران وأن تكون لها اليد العليا في العراق.
وعلى رغم وجود تيار عراقي مناوئ للنفوذ الإيراني المتصاعد في العراق يتمثل في "التيار الصدري"، إلا أن وصول مرشح "الإطار التنسيقي" محمد شياع السوداني المحسوب على طهران إلى منصب رئيس الوزراء في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، قطع الطريق على التيار الصدري في تقليص النفوذ الإيراني، ومن ثم السماح بعودة العراق إلى محيطه العربي مرة أخرى.
أما في ما يتعلق بمحاولات فك الارتباط العراقي بإيران، أعرب أحمد الهاشمي الباحث المختص في الشؤون العربية، عن اعتقاده بأنه لا تزال حسابات الواقع تشير إلى صعوبة تحقيق ذلك، إذ لا تزال طهران مهيمنة على المشهدين السياسي والأمني العراقيين. كما من الواضح أن طهران ترفض وضع نفوذها الإقليمي في دول الجوار على طاولة المفاوضات، بل وقطعت الطريق على أية محاولة لمطالبتها منع الدعم العسكري المقدم للميليشيات المسلحة عبر الإعلان عبر مسؤولين رسميين عن أن دعم الجماعات الموالية لإيران يعد من ركائز السياسة الخارجية الإيرانية.
بالتالي، فإن المشاركة الإيرانية في المؤتمر تأتي في إطار المحاولات الإيرانية لكسر العزلة الدبلوماسية المفروضة، ومحاولة إعادة فتح قنوات الحوار مع الاتحاد الأوروبي بعد توتر العلاقات على خلفية الاتهامات الأوروبية لطهران بتقديم دعم عسكري لروسيا في حربها على أوكرانيا، وفق الهاشمي.
أين دور واشنطن بعد "المؤتمر"؟
ووفق تحليل للدبلوماسي الفرنسي لويس دوجيت-جروس الباحث في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، فإن الولايات المتحدة "توافق حتى الآن" على صيغة التعاون الإقليمي لمؤتمر بغداد لتشجيع الانخراط العراقي في المحيط العربي، والخروج من خيمة النفوذ الإيراني المتغلغل هناك.
وتابع الدبلوماسي الفرنسي "عام 2021، رحب البيت الأبيض بمؤتمر بغداد باعتباره قمة إقليمية ناجحة وفريدة من نوعها. وبالفعل، يبدو أن واضعي السياسات الأميركيين راضون عن مضمون وصيغة كلا الحدثين، اللذين يحققان هدفاً شاملاً لكل من واشنطن وباريس، ألا وهو تشجيع العراق على الانخراط بصورة أكثر مع الدول العربية المجاورة".
لكن الهاشمي يرى أنه "بالتأكيد الولايات المتحدة لا تنظر بعين الارتياح إلى سعي فرنسا لتوسيع نفوذها في العراق وسوريا، خصوصاً أن الخطاب الفرنسي الموجه للعراق قائم على فكرة أن باريس لم تدعم الغزو الأميركي عام 2003، إلا أن مسألة سحب البساط من الهيمنة الأميركية لا تزال بعيدة المنال، وإن كانت هناك خطوات لتقليص القدرة الأميركية على التأثير".
واستكمل الباحث "من المهم الإشارة إلى أن الخطوات الفرنسية السياسية تتزامن مع خطوات أخرى مرتبطة تحديداً بملف إعادة الإعمار، حيث سعت شركات فرنسية لنيل عقود تطوير عدد من المطارات العراقية منها بغداد والبصرة وإنشاء مطار دهوك، بالإضافة إلى مشروعات في كردستان العراق".