هل سيفرض إيجاد المخارج لاستمرار الشغور الرئاسي في لبنان تغييراً في تحالفات بعض الفرقاء السياسيين، أو في الأقل تعديلاً في تموضعهم نظراً إلى تعارض مصالحهم وخياراتهم كما هو حاصل بين "حزب الله" و"التيار الوطني الحر" نتيجة إصرار الأول على دعم ترشيح رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية ورفض الثاني هذا الخيار؟
على رغم إشاعة التوقعات بأن يطول الفراغ الرئاسي ربطاً بحسابات تعقيدات الوضع الإقليمي، والتحليلات التي ترى أن "حزب الله" يتعاطى مع إنهاء الشغور في الرئاسة اللبنانية على أنه ورقة في يده سيتشدد في الإفراج عنها طالما الضغوط تتصاعد على إيران وعليه من قبل أميركا والدول الغربية، فإن حراكاً داخلياً شهد بعض الحرارة في الأسبوعين الماضيين، لا سيما من قبل رئيس "التيار الحر" النائب جبران باسيل عبر لقاءات متعددة الاتجاهات، وسط معلومات عن أن قيادة "الحزب" ما زالت على انزعاجها منه بعد الانتقادات العلنية التي وجهها إليه لطلبه منه تأييد فرنجية، واتهامه إياه بأنه نكث بوعده له ألا يشارك في اجتماعات مجلس الوزراء برئاسة نجيب ميقاتي، التي يعارضها باسيل بشدة، ويعتبرها غير شرعية وغير دستورية. إلا أن لدى "الحزب أسلوبه في معالجة الخلاف مع باسيل بنفس طويل، خصوصاً أن كلاً من الجانبين بحاجة إلى بعضهما بعضاً في مواجهة خصومهما المحليين والخارجيين".
عون يحاول وصفا يعايد
وتشير المعلومات إلى أنه على رغم أن باسيل صحح الموقف من الأمين العام لـ"الحزب" حسن نصر الله في مقابلة تلفزيونية، بقوله إنه "غير كل الناس" مؤكداً احترامه له، محاولاً تحييده عن السجال، فإن قيادة الأخير ما زالت تجانب التواصل مع باسيل حول المسائل السياسية الشائكة في البلد، إضافة إلى أنها لم تستجب لطلب رئيس "التيار" لقاء الأمين العام. ومع الصمت الذي غلب على موقف قيادة "حزب الله" حيال العلاقة مع باسيل، بعد البيان الذي أصدرته بالرد على انتقاداته، فإن مصادر سياسية موثوقة أكدت أن الأخير حاول خلال الأسبوع الماضي الاتصال هاتفياً مع كل من المعاون السياسي لنصر الله، حسين الخليل ومع مسؤول لجنة الارتباط والتنسيق في الحزب وفيق صفا، من دون أن يلقى جواباً. كما أن هذه المصادر تحدثت عن طلب رئيس الجمهورية السابق ومؤسس "التيار الحر" العماد ميشال عون اجتماعاً مع نصر الله لعله يفلح في معالجة الخلاف مع باسيل، لكن الجواب لم يأته بعد في شأن الموعد.
وكانت أوساط مراقبة تكهنت الأسبوع الماضي بإمكان تجديد التواصل بين الجانبين للمعايدة خلال عيد الميلاد لدى الطوائف المسيحية التابعة للتقويم الغربي، فحصل ذلك من قبل وفيق صفا مع الرئيس السابق عون وباسيل، وقدم لهما التهاني بالعيد باسم نصر الله. وحرص صفا على القول إنه "لا قطيعة أبداً، بل على العكس، فقد شكلت الأعياد مناسبة للتواصل والتلاقي"، آملاً في أن "تحمل الأيام المقبلة مزيداً من الحوار والتواصل لما فيه خير للطرفين".
قاسم يتوقع "عودة الأمور إلى مجاريها"
نائب الأمين العام لـ"حزب الله" الشيخ نعيم قاسم قال في مقابلة لإذاعة "النور" التابعة لـ"الحزب" في 26 ديسمبر (كانون الأول)، عن العلاقة مع "التيار الحر"، إن "الأمور ستعود إلى مجاريها بطريقة من الطرق"، وأكد أن "لدينا حرصاً على هذه العلاقة والتواصل موجود"، موضحاً أن مشاركة حزب الله في اجتماع الحكومة (الذي سبب انتقادات غير مسبوقة من قبل باسيل) "كان محض اهتمام بأمور ومشاكل الناس".
وفيما قال قاسم إن حزبه لا يعلن "عمن ندعم ترشيحه الآن لأننا نريد أن نترك الفرصة متاحة لنقاش هادئ في مقابل المناورة التي يتبعها الآخرون"، مشدداً على أن "المقاومة لا تحتاج إلى حماية من أحد لأنها هي التي تحمي لبنان"، تمنى أن تكون المرحلة المقبلة "مرحلة حوار ونقاش لإنجاز استحقاق الرئاسة".
بدا من كلام قاسم وقبله بيوم واحد رئيس كتلة نواب "حزب الله" النائب محمد رعد أن هناك رسائل للحلفاء والخصوم معاً، أيضاً. فالأخير اعتبر أن "النكد السياسي والمصالح الأنانية والفئوية والشخصية وضيق الأفق والحقد والعصبية والعنصرية التي تسوق بعض المسؤولين في سياساتهم، هي التي تخرب البلد". وسأل "ما المانع من أن نتفق ونتحاور مع بعضنا بعضاً ونرى من الأصلح في هذا الظرف ليتسلم رئاسة الجمهورية ويتعاون مع الجميع". والمقربون من "حزب الله" اعتبروا أن الكلام المتعلق بـ"النكد" موجه إلى باسيل، أما حديثه عن "الحقد" فموجه إلى حزب "القوات اللبنانية" لرفضه مع حلفائه الدعوة المتواصلة من قبل "الحزب" وحليفه رئيس البرلمان نبيه بري إلى جلسات حوار من أجل الاتفاق على رئيس الجمهورية.
اللقاءات مع ميقاتي وفرنجية وجنبلاط و4 أسماء
سبق هذه المواقف التي تخفف من وطأة الخلاف بين "حزب الله" و"التيار الحر" تكهنات حول العديد من التحركات التي أجراها باسيل خلال الأسبوعين الماضيين بعيداً من الأضواء، فصنفها بعض الوسطين السياسي والإعلامي على أنها محاولة منه لتوجيه رسائل لـ"الحزب"، بأنه على رغم القطيعة معه فإنه قادر على المناورة والمبادرة، وألا صحة للانطباع بأنه في عزلة سياسية بعد خلافه مع حليفه الأقوى على الساحة، وبفعل خصومته المعروفة مع قوى أساسية. فقد اجتمع مع رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط ورئيس كتلته النيابية نجله تيمور، في 23 ديسمبر، وقبلها في 20 من الشهر ذاته، مع غريمه الذي سبق أن حمل عليه، ورفض خيار دعمه للرئاسة سليمان فرنجية كما كشفت المعلومات، ومع ميقاتي بعد أن كان هاجمه بشدة لعقده جلسة لمجلس الوزراء، في 15 ديسمبر التي عارضها باسيل.
وكان اللقاءان مع ميقاتي ثم مع فرنجية حصلا في منزل صديق مشترك هو رجل الأعمال علاء الخواجة. وأفادت التسريبات في شأنهما أنهما كانا لاستعراض المرحلة التي بلغتها محاولات إنهاء الفراغ الرئاسي، في ما يخص فرنجية. ومع شح التسريبات حول ما دار خلالها، فإن مصادر "التيار الحر" أشارت إلى أن باسيل بقي متكتماً حول ما دار من بحث أثناء اجتماعه بفرنجية وصنفت اللقاء على أنه لكسر الجليد ولم يتطرق إلى ترشيح الأخير للرئاسة، بل إلى مسألة تسريع إنهاء الشغور الرئاسي.
أما اجتماع باسيل مع ميقاتي فكان محاولة لتبديد الخلاف على كيفية معالجة الحكومة بعض العناوين المالية والإدارية والإنسانية الملحة لتسيير شؤون الدولة في ظل الفراغ الرئاسي.
وعن لقائه مع جنبلاط الذي فاجأ أنصار الأخير وحتى بعض نواب كتلته، نظراً إلى الخصومة العميقة مع باسيل جراء تصريحات الأخير ضد الزعيم الدرزي منذ بداية عهد الرئيس عون، وسلسلة حوادث حصلت في منطقة الجبل بين أنصار وحلفاء باسيل والجمهور المؤيد لـ"الاشتراكي"، قالت مصادر الأخير إن باسيل كان قد طلب الاجتماع قبل أكثر من خمسة أسابيع، لكن الأخير تردد في تلبيته إلى أن وافق من باب دعوته المستمرة إلى الحوار حول سبل إنهاء الشغور الرئاسي بين كل الفرقاء.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأوضحت مصادر جنبلاط أنه لا معطيات مهمة نجمت عن الاجتماع، وأن الحوار بينه وبين باسيل ما زال في أول الطريق. أما مصادر "التيار الحر" فلم يكن لديها معطيات واضحة حول الاجتماع.
وفي تقدير بعض أوساط "الاشتراكي" أن كلاً من جنبلاط وباسيل يأتي من مكان بعيد عن الآخر. فالأول ينطلق من تأييد ترشيح النائب السيادي ميشال معوض، وإذا كان من مسعى إلى الاتفاق على مرشح آخر فيتم ذلك مع بري و"حزب الله" وليس مع باسيل، الذي يدعو إلى التوافق على اسم من أربعة من المرشحين: الوزير السابق زياد بارود، والوزير السابق ناصيف حتي، والسفير السابق العميد المتقاعد من الجيش جورج خوري، ومسؤول الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي جهاد أزعور.
ولا يبدو أن "حزب الله" اقترب من البحث في أحد هؤلاء على رغم كل التسريبات عن ذلك، وما زال عند خياره بدعم فرنجية. كما أن المعطيات عن لقاءات باسيل أشارت إلى أن البحث تركز على برنامج الولاية الرئاسية المقبلة لانتشال البلد من أزمته المالية الاقتصادية الكارثية. وهذا يدل على ألا اتفاق على أي من الأسماء المطروحة.
رسائل لـ"الحزب" أم بطلب منه؟
ما عزز الانطباع بأن باسيل يبعث برسائل حول قدرته على الانفتاح على الخصوم إلى حليفه المختلف معه "حزب الله"، أنه قال في 25 ديسمبر إثر مشاركته في البطريركية المارونية بقداس عيد الميلاد رداً على سؤال حول موعد اجتماعه المقبل مع تيمور جنبلاط "نجري لقاءات لا يعلم أحد عنها شيئاً". وهو ما كشفت عنه وسائل الإعلام تباعاً.
وأوضح أنه سيكون لتياره مبادرة واضحة في الأسبوع الأول من السنة الجديدة حول انتخابات الرئاسة الأولى. واعتمد باسيل حسب مراقبين أسلوب التشويق الإعلامي لإعطاء أهمية للقاءات التي يجريها بصرف النظر عن نتائجها وثمارها، أو انعكاسها على إنهاء الفراغ الرئاسي، خصوصاً أنه كان قد أعلن قبل أسابيع أن "لا رئيس للجمهورية من دون رأينا". وأفادت أوساط سياسية معارضة لسياسة باسيل أنه حاول في سياق سعيه إلى الانفتاح على الخصوم لتوظيفه في انتخابات الرئاسة، ترتيب لقاء أيضاً مع رئيس "حزب القوات اللبنانية" سمير جعجع إلا أن الأخير لم يستجب. فـ"القوات" تعتبر أن باسيل يناور وليس جدياً، ولن ينفصل عن "حزب الله" في نهاية المطاف.
لكن مصادر معتادة على أسلوب تحرك "حزب الله" في شأن الخلافات مع بعض الحلفاء، رجحت أن تكون قيادته أسرت إلى باسيل، مقابل طلبه الاجتماع بنصر الله ثانية، واتصالاته مع بعض قيادييه لمعالجة الخلاف، في مسعى لتحسين علاقاته مع كل من ميقاتي وفرنجية، والتي كانت سبباً في انفجار الخلاف معه، قبل استعادة حرارة التواصل بين الحليفين، وأنه التقى ميقاتي وفرنجية في هذا الإطار، فيما كان لقاؤه مع جنبلاط يهدف إلى البحث عن إمكان. فأسلوب "الحزب" في تصفية التباعد مع جهة سياسية ما يقضي باختبار قدرتها على تعديل مسار سلوكها مع بعض حلفائه وأصدقائه قبل "عودة الأمور إلى مجاريها".
في كل الأحوال فإن بقاء نتائج اللقاءات الثلاثة من دون حصيلة عملية تمهد لاتفاق على إنهاء الشغور الرئاسي يجعل منها لعباً ومناورات ينخرط فيها كل من أطرافها في سياق اللعب السياسي في الوقت الضائع.