في يوم التداول الأول من عام 2022، حققت شركة "أبل" الأميركية إنجازاً جديداً في صناعة التكنولوجيا، حيث أصبحت صانعة الـ "آيفون" أول شركة يتم تداولها تصل قيمتها السوقية إلى ثلاثة تريليونات دولار، مع عدم تأخر "مايكروسوفت" "و "غوغل" كثيراً، وبقدر ما كان هذا التقييم لافتاً للنظر فقد كانت هناك عناوين رئيسة تتكهن حول المدة التي ستستغرقها "أبل" ومنافساتها لتصل حاجز الخمسة تريليونات دولار.
في بداية العام كان يبدو أن صناعة التكنولوجيا المهيمنة بالفعل، مقدر لها أن تنمو بشكل أكبر في بداية هذا العام، وأعطى انتشار متحورة "أوميكرون" إشارة واضحة على استمرار الطلب الذي يغذيه الوباء على السلع والخدمات الرقمية، مما أدى إلى دعم عديد من شركات التكنولوجيا.
كما تعني أسعار الفائدة القريبة من صفر في المئة أن الشركات الناشئة لا تزال تتمتع بسهولة الوصول إلى التمويل الذي غذى تقييماتها المرتفعة، حتى لو كانت مشاريعها محفوفة بالمخاطر.
لكن العام انتهى بأوضاع مقلوبة، فقد أجبرت عاصفة كاملة من العوامل على إجراء فحص واقعي مذهل لقطاع التكنولوجيا الذي كان يوماً ما يحلق على ارتفاع عال، مما يجعله أحد أكبر الخاسرين في عام 2022. وعلى مدار العام تغير الطلب في عصر الوباء على عديد من الأدوات التقنية، حيث ارتفع التضخم ونمت أسعار الفائدة وزادت المخاوف من الركود الذي يلوح في الأفق، كل هذه العوامل ألقت بثقلها على إنفاق المستهلكين والمعلنين.
وكانت النتيجة انهيار على عكس أي شيء شهدته صناعة التكنولوجيا في العقد الماضي، وتراجعت أسهم شركات التكنولوجيا وسط تراجع أوسع في السوق.
وفقد عشرات الآلاف من العاملين في مجال التكنولوجيا العاديين مصادر رزقهم وسط تسريح جماعي للعمال، سواء العاملين في عمالقة التكنولوجيا مثل "أمازون" و"ميتا" المجموعة الأم لتطبيقات "فيسبوك" و"واتساب" و"إنستغرام"، وكذلك في شركات التكنولوجيا الأصغر مثل "ليفت" و"بيلتون" و"سترايب".
أيضاً انهار عالم العملات المشفرة تقريباً، وبدلاً من ذلك بدأت صناعة بأكملها معروفة بحرق النقود في عمليات إطلاق الرحلات إلى القمر بإغلاق المشاريع والإعلان عن جهود لخفض التكاليف.
إيلون ماسك يفقد أكثر من 51 في المئة من ثروته
حتى لقب أغنى رجل في العالم، الذي كان ينتمي سابقاً لإيلون ماسك، انتهى به الأمر إلى برنارد أرنو، رئيس شركة السلع الفاخرة الفرنسية العملاقة "أل في أم إتش"، بعد أن بدا أن شراء "ماسك" الفوضوي لموقع "تويتر" أثار غضب المستثمرين في شركته للسيارات "تيسلا".
وتراجعت ثروة إيلون ماسك خلال العام الحالي بأكثر من 51 في المئة بعدما فقد نحو 144 مليار دولار، حيث انخفض صافي ثروته من 282 مليار دولار في بداية العام إلى نحو 138 مليار دولار في الوقت الحالي.
التحول الحاد في المشاعر لم يزل فقط الدعم الدائم للصناعة، ولكن كشف عن بعض الأساطير الكامنة وراءها.
لسنوات، اعتبر "وادي السيليكون" مؤسسة يمكنها معرفة المستقبل البعيد، لكن فجأة، اضطر العديد من أبرز مؤسسيها إلى الاعتراف بحقيقة قاسية: لم يتمكنوا حتى من التنبؤ بعامين مقبلين.
موجات متتالية من تسريحات الموظفين
في مذكرة بحثية حديثة قال مؤسس شركة "فيسبوك"، مارك زوكربيرغ، إن الشركة ستخفض 11 ألف موظف، وأضاف، "لسوء الحظ لم يحدث هذا بالطريقة التي كنت أتوقعها". ويبدو أنه كان بعيداً من كونه الوحيد في الصناعة الذي فاجأته هذه الحقيقة.
عندما أدى الوباء إلى قلب أوضاع الاقتصاد العالمي في أوائل عام 2020، بدا أن شركات التكنولوجيا تنمو بشكل أكثر قوة، حيث اضطر الناس إلى عيش حياتهم عبر الإنترنت، هذا ما مكن لشركة "فيسبوك" أن تضاعف عدد موظفيها تقريباً وأن تراهن بمليارات الدولارات على نسخة مستقبلية من الإنترنت يطلق عليها "ميتافيرس".
وبالمثل، انطلقت "أمازون" في فورة توظيف وضاعفت بصمتها في مركز الوفاء لتلبية الزيادة في الطلب على التسوق عبر الإنترنت.
كتب زوكربيرغ، "في بداية كوفيد، انتقل العالم سريعاً عبر الإنترنت وأدت طفرة التجارة الإلكترونية إلى نمو كبير في الإيرادات، وتوقع كثير من الناس أن يكون هذا تسارع دائم سيستمر حتى بعد انتهاء الوباء، لقد فعلت ذلك أيضاً، لذلك اتخذت قراراً بزيادة استثماراتنا بشكل كبير"، وفجأة تحولت السوق.
قالت أنغيلا لي، الأستاذة في كلية كولومبيا للأعمال التي تدرس دورات رأس المال الاستثماري والقيادة والاستراتيجية، "الناس سيئون في التنبؤ بالمستقبل، ونعتقد دائماً أن ما يحدث الآن سيحدث إلى الأبد، لكن الحقيقة هي أن الوباء كان حدثاً رهيباً، ولم يكن أحد منا يعرف ما سيحدث في المستقبل".
إفراط في التفاؤل
واحد تلو الآخر، جاءت تعليقات المشاهير ومديري وأصحاب أكبر الشركات العالمية لتؤكد أنهم تمكنوا من تنمية شركاتهم بسرعة كبيرة أو كانوا مفرطين في التفاؤل بشأن النمو الذي يغذي الوباء في قطاعهم. وكتب باتريك كوليسون، الرئيس التنفيذي لشركة "سترايب" أن الشركة تعتزم تخفيض عدد الوظائف بنسبة 14 في المئة.
لم يكن مجرد تحول في طبيعة حياة المستهلكين الذين يعيشون حياتهم خارج الإنترنت مرة أخرى هو الذي أضر بالصناعة، فقد تضرر قطاع التكنولوجيا بشكل خاص من آثار ارتفاع أسعار الفائدة هذا العام، يمكن القول إن وادي السيليكون ككل أكثر حساسية لارتفاع أسعار الفائدة من الصناعات الأخرى، حيث يعتمد عديد من شركات التكنولوجيا على سهولة الوصول إلى التمويل لمتابعة مشاريعها الطموحة، عادةً قبل جني الأرباح.
في خطوة لترويض التضخم، وافق بنك الاحتياطي الفيدرالي على رفع أسعار الفائدة سبع مرات متتالية في عام 2022، ومنذ بداية العام، انخفض مؤشر "ناسداك" للشركات ذات التقنية العالية بأكثر من 30 في المئة حتى 21 ديسمبر (كانون الأول) 2022.
كان "ناسداك" قد ارتفع بأكثر من 40 في المئة في 2020، و20 في المئة أخرى في 2021.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتراجع قطاع تكنولوجيا المعلومات في مؤشر "ستاندارد آند بورز 500" بأكثر من 28 في المئة هذا العام حتى 21 ديسمبر، وهو أعلى بكثير من انخفاض المؤشر الأوسع بنسبة 19 في المئة فقط خلال الفترة نفسها من العام الماضي.
في الوقت الحالي تبلغ القيمة السوقية لشركة "أبل" ما يزيد قليلاً على تريليوني دولار، وتراجعت أسهم "أمازون" بنحو 50 في المئة منذ بداية العام، وتعرضت أسهم شركة "ميتا" لضربة أكبر، حيث خسرت ما يقرب من ثلثي قيمتها في عام 2022، وكانت شركة "ميتا"، التي كان من المتوقع أن تصل قيمتها إلى تريليون دولار العام الماضي، قد شهدت منذ ذلك الحين انخفاضاً في قيمتها السوقية في شكل حاد.
هل يجب شد الأحزمة في 2023؟
أستاذة دورات رأس المال "لي"، ترى أن تمويل المشاريع العالمية وصل إلى أدنى مستوى في تسعة أرباع سنوية عند 74.5 مليار دولار في الربع الثالث من عام 2022، وفقاً لبيانات من شركة التحليلات "سي بي إنسايتس".
كان هذا أكبر انخفاض في النسبة المئوية ربع السنوية خلال عقد بنسبة 34 في المئة، وانخفاضاً بنسبة 58 في المئة عن ذروة الاستثمار التي تم الوصول إليها في الربع الأخير من عام 2021.
في علامة أخرى على كيفية حدوث ذلك في عالم الشركات الناشئة، فقد ولد أكثر من "وحيدي قرن" (شركة ناشئة بقيمة مليار دولار أو أكثر) في المتوسط لكل يوم عمل في عام 2021، وانخفض هذا المعدل إلى وتيرة أقل من وحيد قرن جديد لكل يوم عمل في الربع الثالث من عام 2022، وهو أدنى مستوى منذ الربع الأول من عام 2020.
قالت "لي"، "لقد قلت هذه الكلمات، وربما أكون قد أبرمت صفقات معينة في قطاع التكنولوجيا العام الماضي، لكنني لن أفعل الآن، وسمعت كثيراً من الأشخاص الآخرين يقولون ذلك أيضاً".
في حين أن شد الحزام قد يكون مؤلماً لمؤسسي التكنولوجيا، تقول "لي" إنها تعتبره شيئاً جيداً لصناعة التكنولوجيا بشكل عام، لطالما قال عديد من المطلعين على الصناعة، إن هذه الأنواع من التصحيحات يمكن أن تساعد في التخلص من بعض الفائض في السوق وضمان بقاء مزيد من الشركات ذات الجدوى المالية.
وأضافت، "في الوقت الحالي، هناك كثير من العناوين التي تشبه تماماً، السماء تسقط، والنهاية قريبة، والطريقة التي أصفها بها تشبه إلى حد كبير العودة إلى الحياة الطبيعية"، مشيرة إلى أن معظم الرسوم البيانية التي تتبع إنفاق رأس المال الاستثماري (من عدد الجولات الضخمة إلى عدد الاكتتابات العامة الأولية) تشير إلى زيادة ضخمة في عامي 2020 و2021، عندما كانت أسعار الفائدة منخفضة، والآن بدأت هذه الرسوم البيانية تبدو كما كانت في عام 2019.
وتابعت، "أود أن أسميها العودة إلى العقل، مقابل السماء تسقط... لا أعتقد أن المشروع ينهار، أو أن صناعة التكنولوجيا تتدهور كصناعة". لكن في الوقت الحالي، على الأقل، لا يبدو أن هناك نهاية تلوح في الأفق للألم الذي يعاني منه وادي "السيليكون" وأولئك الذين يعملون فيه.
في مذكرته الخاصة التي أقر فيها بالتخفيضات في الوظائف في "أمازون"، قال الرئيس التنفيذي آندي جاسي، إن عمليات التسريح في شركته، التي تشمل 10 آلاف موظف، ستستمر حتى عام 2023.