تبدأ الثلاثاء جلسات مناقشة مشروع موازنة عام 2019، ولم تنجح بعد المساعي لعقد جلسة حكومية كان يُفترض أن تسبق جلسات مجلس النواب لإقرار مشروع قطع الحساب لإرفاقه بالموازنة، إذ ﻻ يزال رئيس الحكومة سعد الحريري ينتظر أن يهدأ الجميع قبل الدعوة إلى مجلس الوزراء، خصوصاً بعد التوتر الكبير الذي نتج من مقتل اثنين من مرافقي وزير الدولة لشؤون النازحين صالح الغريب في قرية قبرشمون، الواقعة في منطقة الجبل أثناء زيارة وزير الخارجية جبران باسيل إلى المنطقة.
حتى الآن، لم تنجح الاتصاﻻت بتذليل العقبات التي تمنع عقد مجلس الوزراء، والمحصورة بتصلب فريق الثامن من آذار، أي حزب الله وحلفائه التيار الوطني الحر والحزب الديمقراطي اللبناني، واشتراطه إدراج بند إحالة حادثة قبرشمون، إلى المجلس العدلي.
زيارة دمشق
الوزير السابق طلال أرسلان، خصم رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، النائب السابق وليد جنبلاط،، وحليف النظام السوري وحزب الله، والمعني المباشر بإشكال الجبل، كان زار دمشق منذ أيام قليلة يرافقه الوزير صالح الغريب، الذي كان موكبه يمر في قبرشمون حيث حصلت حادثة إطلاق النار وأودت بحياة مرافقَيْه.
أرسلان والغريب التقيا في دمشق نائب الأسد للشؤون الأمنية اللواء علي المملوك، الصادر بحقه مذكرة استدعاء من جانب القضاء اللبناني على خلفية تورطه في جريمة تفجير مسجدَيْ "السلام" و"التقوى" في طرابلس (شمال لبنان)، وعادا بمواقف أكثر تصلباً من خلال عدم قبولهما تسليم مطلقي النار التابعين لهما، والإصرار على إحالة الحادثة إلى المجلس العدلي.
وأعلن أرسلان من مقر رئاسة الحكومة بعد زيارته الحريري، أنه "عندما تأخذ الأمور المسار الصحيح ويستقيم المسار القضائي، أسلّم الجميع وأولهم الغريب". وكشفت مصادر مطلعة لـ "اندبندنت عربية" عن أنه تم استدعاء شهود من عناصر موكب الغريب إلى التحقيق للاستماع إلى إفاداتهم، إﻻ أنهم امتنعوا عن الحضور.
مسار مستمر
مصادر سياسية تملك تفسيراً يتخطى الحادثة وتقول "حادثة الجبل ليست عابرة في نتائجها في المكان والزمان بل باتت فصلاً جديداً من فصول مسارٍ مستمرٍ لتطويع السياسيين اللبنانيين المعارضين للنظام السوري وإيران في لبنان". وتضيف "مسار التطويع بدأ في مراحل تأليف حكومة العهد الثانية التي كُلِّف الحريري بتشكيلها. كان الهدف تطويع أو تطويق القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي، إذ جرت محاوﻻت لعزل القوات اللبنانية وإحراجها لإخراجها من التشكيلة الحكومية عبر تقزيم مقصود لحجم تمثيلها، ومنعها من الحصول على حصة وازنة في الحكومة وحقيبة سيادية. والأسلوب ذاته، اتُبِع ضد وليد جنبلاط، إذ فرضوا عليه تقاسم الحصة الوزارية الدرزية مع خصمه طلال أرسلان، الفائز بالانتخابات النيابية بمقعد تركه له جنبلاط شاغراً على ﻻئحته."
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الخلفية
وحادثة قبرشمون تأتي في سياق حادثة مشابهة تظهر عمق الخصومة الحالية بين جنبلاط وأرسلان، ففي مايو (أيار) 2018 سقط قتيل للحزب الاشتراكي في بلدة الشويفات وهرب القاتل، التابع لأرسلان، وسط معلومات عن وجوده في سوريا بحماية الأجهزة الأمنية.
وفي أبريل (نيسان) المنصرم، انتقد جنبلاط إيران، معتبراً أن حزب الله يتذرع بمزارع شبعا (منطقة لبنانية تحتلها إسرائيل بعدما احتلتها سوريا في ستينيات القرن الماضي) ليبرر سلاحه. وقال إن هذه المزارع ليست لبنانية (قاصداً أنها كانت ضمن الأراضي السورية عندما احتلتها إسرائيل). ورد حزب الله سريعاً بقطع العلاقات مع "اﻻشتراكي"، بحجة قرار اتخذه الوزير وائل أبو فاعور بوقف العمل بالترخيص المُعطى من جانب وزير الصناعة التابع لحزب الله حسين الحاج حسن، لمعمل إسمنت في عين دارة، تابع ﻵل فتوش حلفاء الأسد.
استمرت محاوﻻت حصار جنبلاط وانتقلت إلى داخل البيت الدرزي، بعد استمالة الوزير الغريب الذي كان جنبلاط سماه في الحكومة من ضمن أسماء أودعها لدى رئيس الجمهورية على أن يكون الوزير الدرزي الذي ينتمي إلى حصة رئيس الجمهورية، لكن أيضاً المسمى من جنبلاط.
ثم زار وزير الصحة التابع لحزب الله جميل جبق منطقة الجبل من دون التنسيق مع جنبلاط فكانت الرسالة واضحة. ومن باب أرسلان والغريب، دخل صهر رئيس الجمهورية الوزير باسيل الجبل، وحصل ما حصل في قبرشمون، إذ استبق باسيل زيارته بسلسلة تصريحات اعتبرتها شريحة درزية واسعة مستفزة وتذكّر بالحرب الأهلية. ويشعر جنبلاط أن الهدف مما حصل، إضعافه عبر وسيلتين: الأولى، تثبيت اتهام الحزب الاشتراكي بمحاولة اغتيال وزير، والثانية التوصل إلى حل الحزب الاشتراكي كنتيجة للهدف الأول. وهذا ما يُفهم من وصف الوزير الاشتراكي وائل أبو فاعور ما يحصل "بفبركة ملف شبيه بملف تفجير كنيسة سيدة النجاة"، الذي اتُهمت به "القوات اللبنانية" وحُلَّ على أثره الحزب وأُدخل رئيسه الدكتور سمير جعجع السجن، حيث أمضى 11 سنةً.
إلى السعودية
وسط هذا المشهد، تأتي زيارة رؤساء الحكومات السابقين الثلاثة فؤاد السنيورة وتمام سلام ونجيب ميقاتي، إلى السعودية للقاء الملك سلمان بن عبد العزيز، وهي زيارة ﻻفتة في توقيتها وشكلها وتحمل تعبيراً سياسياً قوياً، ﻻ سيما أن الدعوة وُجهت أيضاً إلى قيادات وشخصيات سياسية أخرى.