تواجه قيادات "حركة النهضة"، الذراع السياسية لتنظيم الإخوان المسلمين في تونس، سلسلة من التحقيقات، فيما لجأت قيادات مستقيلة منها إلى تأييد الرئيس قيس سعيد، مما أثار تساؤلات حول أسباب ذلك وما إذا كان توجهاً نابعاً من مراجعات حقيقية أو تأقلماً مع الوضع الجديد.
أمس الأربعاء، أرجئ الاستماع إلى رئيس النهضة راشد الغنوشي والقيادي في الحركة والوزير السابق نور الدين البحيري في إطار سلسلة من التحقيقات يواجهانها منذ فترة في ملفات عدة، على غرار تسفير الشباب التونسي نحو بؤر القتال خلال فترة حكم الترويكا التي قادتها "النهضة" (2011 – 2013).
وتزامنت هذه الجولة من الاستنطاقات لقيادات الحركة مع تصريحات أطلقها القيادي السابق البارز فيها عماد الحمامي يشيد خلالها بتوجه الرئيس قيس سعيد، مما أثار جدلاً حول التغير الذي طرأ على مواقف الرجل الذي سبق أن تقلد مناصب عليا في الدولة خلال العقد الماضي بدعم من حزبه.
خطر على الحريات
تغيب، الأربعاء، راشد الغنوشي وصهره القيادي في "النهضة" رفيق عبدالسلام عن المثول أمام القضاء في قضية تعرف إعلامياً بـ"اللوبينغ" وتعود لتمويل مرشحي الحركة في الانتخابات البرلمانية التي جرت عام 2019 والترويج لهم، مما أدى إلى تأجيل الحسم في شأن الرجلين.
وعلق مستشار الغنوشي، بلقاسم حسن، بالقول إن "هذه التحقيقات تكشف عن الوجه الاستبدادي للانقلاب وما يمثله على المسار الديمقراطي من خطر حقيقي على الحريات والحقوق".
ويرى حسن في تصريح خاص إلى "اندبندنت عربية" أن "هذه الإحالات إلى القضاء التي تشمل قيادات حركة النهضة وجبهة الخلاص الوطني والمعارضة الديمقراطية للانقلاب عموماً تدخل في سياق سياسة الانقلاب لتغطية فشله الذريع في انتخابات 17 ديسمبر (كانون الأول) الماضي وتدهور الوضع الاقتصادي وتردي الوضع الاجتماعي وتواصل الأزمة المالية الخانقة"، وأضاف "لقد تأكد معظم أبناء شعبنا من عدم صدقية الاتهامات الموجهة إلى القادة السياسيين المعارضين للانقلاب وتبينوا أنها تدخل في سياسة الهروب إلى الأمام وإلهاء المجتمع والرأي العام عن معاناته الكبرى في ظل الأزمة الخانقة المتمثلة في الغلاء الفادح للأسعار وتدهور القدرة الشرائية وغياب كثير من المواد الأساسية وتراجع قيمة الدينار وارتفاع التضخم".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ودخلت العلاقة بين قيس سعيد والمعارضة عموماً مرحلة من التصعيد اللافت، بحيث تطالبه بتقديم استقالته بعد مشاركة ضئيلة للغاية، لكن قيادات "النهضة" تعد الأكثر ملاحقة من قبل القضاء وبينهم من يقبع داخل السجن مثل رئيس الوزراء السابق ونائب الغنوشي علي العريض.
وقادت "حركة النهضة" الحكم في تونس خلال العقد الماضي الذي شهد انهياراً اقتصادياً وسجالات سياسية قوية انتهت بإطاحة قيس سعيد البرلمان والحكومة معاً عام 2021 ليدشن بذلك مساراً انتقالياً مثيراً للجدل.
وشهدت "النهضة" انقسامات قادت إلى إضعاف الحركة التي خرجت من رحم تنظيم الإخوان بشكل كبير، إذ انسحب منها عشرات القيادات الذين توجهوا لتأسيس أحزاب جديدة مثل حزب "العمل والإنجاز" بزعامة القياديين السابقين البارزين سمير ديلو وعبداللطيف المكي.
لا تلزم إلا أصحابها
في المقابل اختارت قيادات سابقة في "النهضة" مثل الوزير السابق عماد الحمامي الدخول في دعم المسار الذي يقوده الرئيس سعيد وانتقاد الحركة وبقية مكونات المشهد السياسي، مما أثار تساؤلات حول دلالات ذلك.
وبدا الحمامي وكأنه بصدد تغيير جلدته السياسية بعد أكثر من عقد قضاه في "حركة النهضة" التي دعمته بقوة لتقلد مناصب عدة على غرار وزارة الصحة.
وقال الحمامي في تصريحات بثتها وسائل إعلام محلية إن "وضع تونس الاقتصادي الآن في فترة حكم قيس سعيد أفضل 10 مرات من وضعنا السنة الماضية"، فيما دأب على انتقاد الغنوشي وقيادة الحركة.
وعلق بلقاسم حسن أن "هذه المواقف لا تهم حركة النهضة ولا تمثلها ولا تعبر عن مواقفها وخياراتها، بل لا تلزم إلا أصحابها".
وكان الحمامي الذي استقال من "النهضة" في وقت سابق، صرح بأن "راشد الغنوشي يمثل حالة مرضية لا حل لها".
وكان الغنوشي أثار غضباً داخل "النهضة" قاد إلى نزيف من الاستقالات بعد تمسكه بالاستمرار في قيادة الحركة وتأجيل المؤتمر الـ11 الذي لم يتم إنجازه بعد على رغم الدعوات المتصاعدة إلى ذلك.
ليست مراجعات
يرى مراقبون أن التصريحات والمواقف التي يدلي بها الحمامي لا تعدو كونها محاولة للتموقع في المشهد السياسي الجديد، خصوصاً أن له خلافات قوية مع الغنوشي، مما يعني أنه لا يمكنه العودة أو البقاء في "حركة النهضة".
وقال الباحث السياسي والمؤرخ محمد ذويب إن "عماد الحمامي يبدو أن له خلاف شخصي مع راشد الغنوشي، بالتالي ما يقوم به مجرد محاولة للتأقلم مع الوضع الجديد وموقفه ليس نابعاً من مراجعات أو تعديلات"، وأضاف في تصريح خاص أن "الإجراءات التي اتخذت في 25 يوليو (تموز) كانت بمثابة زلزال سياسي حقيقي تقريباً أثر في كل الكيانات السياسية حتى تلك التي كانت تبدو قبل هذا التاريخ صلبة".
وأوضح أن "حركة النهضة مثلاً انقسمت قياداتها، فمنها من ابتعد نهائياً عن الشأن العام مثل لطفي زيتون وحسين الجزيري وغيرهم، ومن اتجه لتأسيس أحزاب جديدة كسمير دويلو وعبداللطيف المكي، ومن ذهب إلى تدشين منظمة كعبدالحميد الجلاصي".
وأشار إلى أن "من بقي داخل النهضة مهدد اليوم بالملاحقة القضائية في قضايا حقيقية كالإرهاب والتسفير والاغتيالات السياسية كراشد الغنوشي ونور الدين البحيري وعلي العريض المسجون، كل هذا أسهم في إضعاف الحركة التي رأيناها في الشارع مدعومة بأحزاب أخرى غير قادرة على حشد المئات".
وفي شأن مصير الحركة في تونس، قال ذويب إنه "مرتبط بمدى قدرة القضايا على فتح الملفات الثقيلة التي تورطت فيها قيادات الحركة، لكنها عموماً فقدت كثيراً من شعبيتها، مما سيجعلها مجرد حزب بلا امتداد جماهيري كبير، ناهيك عن الوضع الدولي المتغير ضد مصالح الإخوان الذين قد نراهم مستقبلاً مجرد تنظيم ضعيف مثل حركة مجتمع السلم الإخوانية في الجزائر أو حزب العدالة والتنمية في المغرب".
وخسرت "حركة النهضة" كثيراً من خزانها الانتخابي مقارنة بأول انتخابات دخلتها عام 2011 وهي انتخابات المجلس الوطني التأسيسي الذي تولى صياغة دستور للبلاد، وهو ما يجعل الغموض يلف مستقبلها حالياً، لا سيما في ظل تراجع التنظيم في المنطقة ككل بعد الانتكاسة التي مني بها حزب العدالة والتنمية في المغرب.
وتزعم قيادات "النهضة" أنها قطعت علاقاتها مع الإخوان، لكن خصومها يصرون على أنها ما زالت مرتبطة بأجندة التنظيم.