على رغم المخاوف التي سادت العام الماضي من احتمال معاناة دول أوروبا من أزمة طاقة خلال فصل الشتاء، فإن أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا والولايات المتحدة تشهد تراجعاً في الأشهر الأخيرة.
وكانت المخاوف زادت مع توقف إمدادات الغاز الطبيعي من روسيا خلال الصيف الماضي، والحظر الأوروبي على استيراد النفط من موسكو، وفرض سقف سعر للنفط الروسي من قبل مجموعة السبع.
ونتيجة تقليل الاستهلاك الأوروبي وضعف الطلب من الصين وآسيا عموماً في الأشهر الماضية، وسط تباطؤ النشاط الاقتصادي، إلى جانب تحول أوروبا إلى مصادر أخرى للطاقة غير روسيا، أخذت أسعار الغاز الطبيعي في الانخفاض.
ومنتصف الشهر الماضي، تم تداول عقود الغاز الطبيعي الآجلة في السوق الأوروبية عند 107 يورو (113.5 دولار) للميغاواط في الساعة.
وعلى رغم أن ذلك السعر أقل بكثير من أعلى سعر وصل إليه الغاز في شهر أغسطس (آب) الماضي عند 340 يورو (361 دولاراً) للميغاواط في الساعة، فإنه يزيد كثيراً على أسعار الغاز في أوروبا نهاية العام الماضي، التي كانت عند 69 يورو (73 دولاراً) للميغاواط في الساعة.
أغلب التقديرات تشير إلى أن أسعار الغاز الطبيعي ستظل في وضع التراجع خلال العام الحالي 2023، إذ أصدرت مؤسسة "ستاندرد أند بورز" للتصنيف الائتماني، الأربعاء، تقريراً يتضمن خفضها توقعات أسعار الغاز للعام الحالي والعامين المقبلين، مقارنة مع آخر توقعات لها في شهر أكتوبر (تشرين الأول) العام الماضي.
استقرار الأسعار
أبقت المؤسسة على توقعاتها للأسعار في العامين المقبلين، 2024 و2025 من دون تغيير تقريباً، إذ إنها كانت توقعات انخفاض بالفعل في تقديراتها السابقة.
كما أبقت على التوقعات الخاصة بأسعار النفط، وتحديداً متوسط سعر خام برنت القياسي والخام الأميركي الخفيف (مزيج غرب تكساس) كما هي من دون تغيير.
ومقابل تقديرها السابق لمتوسط أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا عند 40 دولاراً للمليون وحدة حرارية بريطانية، خفضت تقديرها لأسعار الغاز في أوروبا إلى 30 دولاراً للمليون وحدة حرارية (وهو ما يوازي الطريقة الأوروبية لحساب سعر الغاز 100 يورو للميغاواط في الساعة)، على أن تنخفض الأسعار في 2024 إلى متوسط 25 دولاراً للمليون وحدة حرارية بريطانية وإلى 20 دولاراً للمليون وحدة حرارية بريطانية عام 2025.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واعتمد التحليل على استمرار انخفاض الطلب الأوروبي على الغاز، الذي جاء انخفاضه أكبر من التوقعات، وقدر التقرير أن معدل انخفاض الطلب الأوروبي على الغاز الطبيعي في الفترة من أغسطس إلى ديسمبر (كانون الأول) 2022 كان بنسبة 20 في المئة، أي تقريباً ضعف التوقعات السابقة بانخفاض الطلب بنسبة 10 في المئة.
أما بالنسبة إلى أسعار الغاز في الولايات المتحدة، فخفضت المؤسسة توقعاتها من متوسط سعر عند 5.25 دولار للمليون وحدة حرارية بريطانية إلى أربعة دولارات للمليون وحدة حرارية بريطانية هذا العام 2023، وأبقت على توقعات العامين المقبلين من دون تغيير عند 4.5 دولار للمليون وحدة حرارية لعام 2024، وعند 2.75 دولار للمليون وحدة حرارية لـ2025.
السبب الرئيس في مراجعة توقعات سعر الغاز الأميركي بالخفض هو أن درجات الحرارة في فصل الشتاء الحالي لم تشهد انخفاضاً شديداً أكثر من المعتاد.
ويأخذ التحليل في الاعتبار، إلى جانب عامل الطلب، عوامل أخرى تتعلق بوضع العرض (الإمدادات) والتخزين وغيرها.
مرونة أوروبية
تقدر مؤسسة "ستاندرد أند بورز" استمرار المرونة الأوروبية في التعامل مع إمدادات الطاقة، بغض النظر عن تقلبات الطقس، وإذا كان الطلب الأوروبي على الغاز الطبيعي انخفض بنسبة 10 في المئة خلال فصل الصيف العام الماضي، فإنه في الأشهر الخمسة الأخيرة من 2022 انخفض بنسبة 20 في المئة.
وفي ضوء تغير سلوكيات المستهلكين وتراجع نشاط الصناعات كثيفة الاعتماد على الغاز، جاء انخفاض الطلب الأوروبي أكبر من المتفق عليه ضمن الاتحاد الأوروبي عند نسبة 15 في المئة (45 مليار متر مكعب) للفترة من أغسطس 2022 إلى مارس (آذار) 2023، ومما أضاف لعوامل الانخفاض في الطلب أيضاً توقعات الركود الاقتصادي.
كما يتوقع استمرار انخفاض الطلب على الغاز لتوليد الكهرباء، الذي كان قوياً في 2022 على رغم تشغيل محطات توليد تعمل بالفحم.
كما أن توليد الكهرباء من المحطات التي تعمل بالطاقة النووية، خصوصاً في فرنسا، ينتظر أن يعود إلى معدلاته السابقة، هذا إضافة إلى زيادة توليد الكهرباء من المصادر الهيدروليكية الذي انخفض العام الماضي.
ومع انخفاض واردات الغاز من روسيا، بدأت دول أوروبا بالفعل اعتماد مصادر أخرى مع تشغيل بنية تحتية تسهل الاستيراد عبر خطوط الأنابيب من النرويج والجزائر وأذربيجان.
وهذا الأسبوع أكدت إدارة الطاقة النرويجية الاستمرار في الإنتاج بالمستويات الحالية التي توفر تقريباً ثلث الاحتياجات الأوروبية من الغاز الطبيعي.
ومن المنتظر أن تبدأ خمس محطات لتحويل الغاز الطبيعي المسال إلى غاز العمل في غضون أسابيع، ثلاث منها في ألمانيا وواحدة في فلندا وواحدة في اليونان.
ويقدر التقرير أن يكون الطلب الأوروبي على الغاز الطبيعي المسال وصل إلى ذروته بعد ارتفاعه بنسبة 65 في المئة خلال العام الماضي 2022، ليصل إلى 150 مليار متر مكعب، ربعها على الأقل عبر الشراء الفوري أو العقود قصيرة الأجل.
ومما يعزز المرونة الأوروبية في التعامل مع أزمة الغاز أيضاً أن الطلب الآسيوي المنافس لزيادة الطلب الأوروبي لم يشهد زيادة كبيرة خلال الأشهر الأخيرة كما كان متوقعاً.
وحتى في حال عودة الطلب الصيني على الغاز للارتفاع، فالأغلب أن تتم تلبيته من الغاز الروسي عبر خطوط الأنابيب بين البلدين.