تحت هذا العنوان، روت "هيئة الإذاعة البريطانية" (بي بي سي) في موقعها الإلكتروني الناطق بالروسية كيف أن موسكو تجند نزلاء في سجونها للقتال في أوكرانيا. كذلك أوضحت أن كثيراً منهم قضوا نحبهم، ليس في ساحة القتال بل في أعمال قتل انتقامية. وفي ترجمة إنجليزية للتحقيق الذي فاز بجائزة حين نشر للمرة الأولى قبل شهرين وحدث أخيراً على موقع تلك الهيئة، تظهر شهادة يفغيني نوجين الذي كان يقضي منذ عام 1999 عقوبة بالسجن لـ28 سنة لارتكابه جريمة قتل. وقد أبلغ نوجين عائلته في أغسطس (آب) الماضي أنه قرر الالتحاق بقوات مجموعة "فاغنر". وعبر اتصال بالفيديو شكل الوسيلة الوحيدة للتواصل مع عائلته، أشار نوجين إلى لقائه مع مسؤول في التجنيد لدى "مجموعة فاغنر" التي تمثل ميليشيا غير نظامية موالية للكرملين، يزور السجون الروسية بحثاً عن متطوعين في الحرب الروسية على أوكرانيا.
مكالمة بالفيديو يليها غموض
نقلت "بي بي سي" عن أناستازيا، زوجة أحد ابني نوجين، أن العائلة كلها عارضت الفكرة، لكن السجين أصر على الذهاب إلى ساحة المعركة، ربما بسبب ضغط أو خدعة، على حد وصفها. وتبين لاحقاً أن "فاغنر" تمكنت من تجنيد آلاف السجناء في صفوفها، و240 منهم في الأقل قتلوا في المعارك الدائرة داخل أوكرانيا، وفق "بي بي سي" التي لم تذكر مصدراً لهذه المعلومات. وكذلك أكدت الهيئة نفسها أن التجنيد الذي تمارسه الميليشيا المرتبطة مباشرة بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يشمل نزلاء السجون الروسية، مشيرة إلى أن ذلك بات خبراً معروفاً على نطاق واسع.
ووفق الموقع الإلكتروني لتلك الهيئة، يتحدر نوجين المولود عام 1967 من أصول كازاخستانية، وعمل في وزارة الداخلية في تسعينيات القرن الـ20. وقد انخرط نوجين في تبادل لإطلاق النار مما تسبب بمقتل شخص، فحكم عليه بالسجن لـ24 سنة. ولاحقاً، أضيفت إلى العقوبة أربع سنوات أخرى بسبب محاولته الفرار من سجنه. وبعد تنقله بين سجون كثيرة، استقر به الأمر في سجن بظروف مقبولة، وفق زوجته أناستازيا. وبعد التحاقه بمجموعة "فاغنر"، وقع أسيراً لدى الجيش الأوكراني، وأجرى معه مقابلة صحافي أوكراني، على رغم أن معاهدات جنيف المتعلقة بالحروب تحظر إجراء مقابلات مع أسرى الحرب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأوردت "بي بي سي" أن نوجين ذكر في المقابلة أن الروس يرفضون استعادة مقاتلين في "فاغنر" خلال عمليات تبادل الأسرى. ولاحظ الصحافي الأوكراني بودان بابادين، أن نوجين بدا كأنه يتلقى معاملة جيدة في سجنه في الطابق السفلي لبيت في إحدى القرى الأوكرانية. ونشر بابادين المقابلة بصيغة الفيديو وشاهدتها عائلة نوجين التي اطمأنت إلى أنه على قيد الحياة بعد انقطاع أخباره منذ آخر مكالمة بالفيديو بينه وبين عائلته. وأكدت أناستازيا أن تواصل العائلة مع السلطات الروسية للحصول على حرية نوجين باءت بالفشل.
وبعد فترة، نشرت قناة على تطبيق "تيليغرام" تسمى "المنطقة الرمادية"، وهي قريبة من "فاغنر"، شريط فيديو بعنوان "مطرقة الانتقام" يتحدث نوجين فيها عن ذهابه إلى المعركة بغرض الانتقال إلى صفوف الجيش الأوكراني، ثم لا يلبث رجل يحمل مطرقة أن يهوي بها على رأسه فيرديه قتيلاً. ثم تظهر كلمات بالروسية تؤكد أن هذا هو العقاب الذي تنزله "فاغنر" بمن أسمتهم خونة روسيا.
القتل بالمطرقة من سوريا إلى شريط دموي
في حين لم يتبين كيف وقع نوجين في أيدي "فاغنر"، وفق موقع "بي بي سي" الإلكتروني، الذي رجح نقلاً عن مصادر أوكرانية أن عملية لتبادل أسرى شملته، رد زعيم الميليشيا، يفغيني بريغوجين، على مقتل نوجين بالقول عبر مكتبه الصحافي إن شريط الفيديو "عمل إخراجي عظيم". واقترح بريغوجين أن يكون عنوانه "مقتل كلب كما يجب أن يموت كلباً". وكتب إلى المدعي العام الروسي إيغور كراسنوف مطالباً إياه بالتحقيق في القضية، زاعماً أن نوجين عمل جاسوساً لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية التي خطفته وقتلته. وما لبث بريغوجين نفسه أن أعلن أنه أرسل مطرقة ملطخة بدم مزيف إلى جهات اتصال في بروكسل بعدما وضع الاتحاد الأوروبي "فاغنر" على قائمته الخاصة بالمنظمات الإرهابية.
كذلك نقل الموقع الإلكتروني عن مصادر قريبة من الميليشيا أن ثلاث عمليات قتل مشابهة أخرى استهدفت مقاتلين في الميليشيا. وذكر بأن مقاتلي "فاغنر" حاربوا في سوريا إلى جانب نظامها، ونشروا في عام 2017 شريط فيديو يظهرهم أثناء قتلهم بالمطرقة جندياً فاراً من الجيش السوري النظامي قبل أن يقطعوا أوصاله ويضرموا بها النيران. وأضاف الموقع أن عائلة القتيل حاولت مقاضاة القتلة في روسيا بعدما أمكن التعرف إلى هوياتهم، لكن من دون جدوى.
في غضون ذلك، أضافت "بي بي سي"، أن عائلة نوجين تحاول استعادة جثته لدفنها في شكل لائق. لكن الاتصالات التي أجرتها بجهات كثيرة لهذا الغرض لم تؤد إلى نتيجة. وقد أشارت أناستازيا إلى أن العائلة تتلقى تعازي وتهديدات في الوقت نفسه، وأفادت العائلة بأن نوجين ما كان ليقبل طوعاً أن يكون جزءاً من تبادل للأسرى، في وقت أكد فيه مسؤولون أوكرانيون للموقع الإلكتروني أنهم سيأخذون مصير نوجين في الحسبان في عمليات تبادل جديدة للأسرى.
وفي الأشهر الأخيرة، يتعزز دور "فاغنر" في المعارك الدائرة في شرق أوكرانيا، لا سيما حول بلدة باخموت. ونقل الموقع عن رئيس جهاز الأمن القومي الأميركي جون كيربي، أن أكثر من 900 مقاتل في الميليشيا قتلوا. وبين شريط فيديو بريغوجين أثناء زيارته مقبرة جماعية في باخموت وأمامه كومة واضحة من الجثث. وفي شريط فيديو آخر، يظهر زعيم الميليشيا خلال استقباله أعضاء فيها بعد تحريرهم من الأسر في أوكرانيا.
ولفتت "بي بي سي" إلى أنها تمكنت من التأكد من أن اثنين من أولئك العائدين من الأسر، هما سجينان سابقان، وصف جيران أحدهما إياه بأنه "شخص رهيب". ويزعم بريغوجين أن بوتين يعفو عن السجناء الذين يقاتلون ويؤسرون ثم يعودون إلى بلادهم عبر عمليات تبادل الأسرى.