تحدثت امرأة في بريطانيا عن صدمة واجهتها لدى مشاهدة أفراد في أسرتها ينتظرون أكثر من عقد من الزمن لإجراء عملية زرع أعضاء، قبل أن يتم تشخيص حالتها بفشل كلوي، بحيث تظهر أرقام هيئة "الخدمات الصحية الوطنية" (أن أتش أس) NHS، أن السود والآسيويين ينتظرون قرابة ستة أشهر أكثر من غيرهم للحصول على متبرع.
يشار إلى أنه بحسب البيانات التي صدرت يوم الخميس الماضي عن هيئة NHS Blood and Transplant (NBSBT) (التي تعنى بخدمتي الدم وزرع الأعضاء)، تبين أنه في شهر مارس (آذار) عام 2022، كان ستة من كل 10 أفراد (62 في المئة) على قائمة انتظار زرع أعضاء بشرية في لندن، من أصول أفريقية أو آسيوية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بريمروز غرانفيل وهي مذيعة من بريستول، عمرها 54 سنة، أصيبت بـ"داء الكلى متعدد الكيسات" Polycystic Kidney Disease (اضطراب تتكون فيه مجموعات من الكيسات داخل الكلية، مما يتسبب بتضخمها وفقدان وظائفها مع مرور الوقت)، وهو في أكثر الأحيان حالة وراثية أودت للأسف بحياة خمسة من أفراد عائلتها في الأقل.
وأشارت إلى أن الرعب الذي تملكها من رؤية والدتها وشقيقتها تعانيان لأعوام عدة غسل الكلى في انتظار خضوعهما لعمليتي الزرع، جعلها تصاب "بخوف شديد" عندما قيل لها إنها ستحتاج هي أيضاً إلى شخص متبرع. إلا أنها حصلت بعد ستة أشهر على كلية جديدة، في ما يشبه "معجزة"، علماً بأن متوسط أوقات الانتظار هو ما بين سنتين وثلاث سنوات.
وقالت غرانفيل لـ"اندبندنت" إنه "عندما ينتظر مريض عملية زرع، فإن لكل ثانية أهميتها. وبما أن ماضي عائلتي لديه سوابق في حالات انتظار الأفراد عقداً من الزمن وأكثر، فقد عانيت صدمة هذا الاحتمال. شاهدت أمي وأختي تعانيان أثناء غسل الكلى، وكان ذلك مؤلماً، فأصابني هذا الخوف بشلل طغى على مشكلة الفشل الكلوي الذي تم تشخيص إصابتي به. إلا أنني بأعجوبة، تلقيت الكلية الجديدة بسرعة كبيرة، وذلك بعد ستة أشهر ويوم واحد فقط".
واستناداً إلى الأرقام الجديدة، يواصل عدد متزايد من الأقليات العرقية في المملكة المتحدة انتظار عمليات زرع أعضاء من شأنها أن تنقذ الأرواح، مع بقاء الآلاف "طي النسيان"، بحيث إن أفضل تطابق لعضو في جسم الإنسان يأتي من شخص ينتمي إلى العرق نفسه.
شعرت بريمروز غرانفيل خلال فترة العد التنازلي "المؤلمة" لحصولها على كلية جديدة، بأنها "مراوغة" لأن قلة من الناس كانوا يعرفون أنها كانت تعاني المرحلة النهائية من الفشل الكلوي.
وقالت في هذا الإطار: "كنت أعيش مغلقة على نفسي، وأحاول إقناع نفسي بأنه يستحيل أن يحدث هذا الأمر معي، بالتالي إذا لم أتجرأ على التحدث عن معاناتي، فلن أتمكن من تقبل حقيقة ما يجري لي، ما مررت به كان بمثابة قصة ذات واقعين. في النهار، كنت سعيدة وأقوم بتنظيم حملات والطلب من الناس الانضمام إلى قائمة التبرعات، لكن في الليل، كنت أبكي على وسادتي. من هنا، فإن إجراء عملية زرع كلية لي تعني العالم بالنسبة إليَّ".
بعد الحصول على كلية جديدة في عام 2018، كثفت غرانفيل حملتها الهادفة إلى تشجيع مزيد من السود والآسيويين على التبرع بأعضائهم. ولم تتوقف معركتها بعد ذلك، لأن ابنها آدم البالغ من العمر 23 سنة، يعاني هو أيضاً "مرض الكلى متعدد الكيسات" ويحتاج إلى عملية زرع في يوم من الأيام.
مع ذلك، هي تدرك مختلف الجوانب التي تجعل أفراد هذه المجموعات يشعرون بتردد في التبرع بالأعضاء. وتشير إلى ضرورة قيام الحكومة بضخ مزيد من التمويل في حملات التبرع بالأعضاء لزيادة الوعي لديهم.
وتقول، "عند التوجه إلى مجتمعات السود والآسيويين للطلب منهم وهب أعضائهم، يصدر كلام عن قضايا مثل عدم الثقة في الرعاية الصحية، والدين، والتذكير الدائم بأننا غالباً ما نكون آخر من يتلقى الرعاية، وذلك بسبب عدم المساواة الصحية. إن قضايا كهذه تسبب هذا النقص في الأعضاء الذي نشهده اليوم".
بيليندا أوتاس امرأة من لندن، تغسل كليتيها في انتظار إجراء جراحة زرع لها هي الثالثة التي تصفها بأنها "هدية الفرصة الثانية".
وتقول السيدة التي تبلغ من العمر 43 سنة إن "الاعتماد على غسل الكلى هو أشبه بالعيش في غياهب النسيان. لا يمكنك التخطيط لأي شيء، فهو ما يحدد حياتك بأكملها. لقد غيرت عملية زرع الكلية الأولى حياتي، وتحررت من غسل الكلى وشعرت بأنني حصلت على فرصة ثانية. لقد تمكنت من مواصلة الدراسة مرة أخرى، والتحقت بالجامعة في سن الخامسة والعشرين.
وتضيف: "من خلال التحدث عن التبرع بالأعضاء والتشجيع على الانضمام إلى السجل، فإن المرء يسهم في إحياء الأمل والرجاء في نفوس الناس، إذ إنك توافق على منح فرصة ثانية لشخص ما".
في المقابل، لا تزال موافقة الأسرة أو إعطاء الإذن أقل بكثير بالنسبة إلى المانحين المحتملين من خلفيات الأقليات العرقية. وكانت معدلات الموافقة الإجمالية للمانحين من الأقليات العرقية في حدود 40 في المئة العام الماضي، مقارنة بـ71 في المئة لدى المتبرعين المحتملين البيض، تماماً كمعدلات العام السابق. ولا تزال العائلات التي لا تعرف ما يريده أحباؤها أحد الأسباب الرئيسة لعدم المضي قدماً في عمليات التبرع بالأعضاء.
الممرضة ماهام مجيد كانت تتسم بطموحها عندما توفيت فجأة عن عمر 21 سنة في شهر مايو (أيار) عام 2021، وبما أنها انضمت إلى "سجل الخدمات الصحية الوطنية لواهبي الأعضاء" NHS Organ Donor Register، تمكنت من مساعدة كثيرين آخرين، من خلال التبرع بكبدها والكليتين والقلب والقرنيتين والعظام.
نازيا والدة ماهام، وهي معلمة في مدرسة ابتدائية قالت، "كانت ماهام إنسانة متعاطفة تريد مساعدة أي شخص. أتذكر أنها أعربت عن رغبتها في أن تتبرع بأعضائها، لكنني لم أعرف أبداً أنها انضمت إلى السجل في سن الثامنة عشرة حتى وفاتها.
"كان رد فعلي الأولي "لا يمكنني السماح لأي شخص بإخراج أي شيء من جسد طفلتي"، لكن ابنتي الكبرى فارينا، قالت إنه علينا احترام الأمنية الأخيرة لماهام، ولن يكون من الصواب الحيلولة دونها. عثرنا أيضاً على بطاقة في محفظتها توضح رغبتها، مما منحنا الكثير من الراحة لتمكننا من احترام قرارها وتنفيذ مشيئتها.
"في مجتمعنا، الناس ليسوا على دراية بمسألة التبرع بالأعضاء، أريد أن أجعلهم يدركون أنه أمر يستحق التفكير فيه. ففي الدين الإسلامي، تعد الحياة أثمن ما يمكن للمرء أن يمتلكه، ولا شيء يضاهي إنقاذ الأرواح لأنه أهم من دفن الأعضاء السليمة".
© The Independent