انتقل التوتر بين المغرب والجزائر من السياسة والدبلوماسية والاقتصاد والثقافة إلى الرياضة التي كان ينبغي أن تكون وسيلة تقارب، حيث انسحب المنتخب المغربي من المشاركة في كأس أفريقيا للمحليين المقامة بالجزائر بسبب رفض الأخيرة الاستجابة إلى شرط الرباط فتح المجال الجوي المغلق بين البلدين.
وانطلقت شرارة التوتر بعد شرط المغرب السماح لطائرة الخطوط الجوية الملكية، الراعي الرسمي لمنتخبه لكرة القدم، العبور إلى مدينة قسنطينة شرق الجزائر، مباشرة من مطار "سلا" بالرباط، وهو ما رفضته الجزائر عبر الاتحاد الأفريقي لكرة القدم، واقترحت التنقل عبر الخطوط الجوية التونسية أو التركية وفق ما تم تداوله.
وأعلنت الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم عدم مشاركة المنتخب المغربي في بطولة أفريقيا للاعبين المحليين "شان"، المقامة في الجزائر.
وأشارت الجامعة في بيانها، إلى أن سبب عدم مشاركة المنتخب الفائز بالنسختين الماضيتين من البطولة، في النسخة السابعة من البطولة، هو عدم حصول رحلته على الترخيص الذي يتيح لها الانطلاق من مطار الرباط في اتجاه مطار قسنطينة بواسطة طائرة الخطوط الملكية المغربية.
وبحسب البيان، فقد عملت الجامعة في وقت سابق على تحصيل رخصة للرحلة، من خلال إبلاغ سابق للاتحاد الأفريقي لكرة القدم "الكاف"، حيث تم الحصول على موافقة مبدئية، إلا أن الجامعة لم تحصل على الترخيص النهائي للسفر.
وجاء بيان للاتحاد المغربي لكرة القدم ليفيد بغياب المنتخب عن البطولة بسبب إغلاق الجزائر مجالها الجوي أمام الطائرات المغربية.
وأوضح الاتحاد في بيانه أنه بعث بطلب إلى الاتحاد الأفريقي لكرة القدم (كاف) في 22 ديسمبر (كانون الأول) للحصول على ترخيص لرحلة جوية مباشرة إلى مدينة قسنطينة، مؤكداً أن هذا الطلب "قُبل من حيث المبدأ"، لكن من دون الحصول على ترخيص نهائي.
"مسألة سيادية"
وقال رئيس "كاف" باتريس موتسيبي: "أمضيت الأيام الماضية في عمل كل ما بوسعي من خلال محادثات مع الحكومة الجزائرية لمعالجة المشكلة"، وأوضح "قلت للحكومة الجزائرية اسمحوا لهم بالمجيء، لكنهم قالوا إنها مسألة سيادية"، مضيفاً "هذا محزن، كنت أريد أن أرى المغرب في الجزائر وأن يمثل هؤلاء الشباب الشعب المغربي وأفريقيا عموماً".
وتابع "نحن ملتزمون بروح الأخوة الأفريقية ونريد العمل معاً في سياق كرة القدم وإظهار الجانب الأمثل لكرة القدم الأفريقية".
وتزامن وصول موتسيبي، رفقة رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم جياني إنفانتينو، إلى مطار "سلا" لحضور مراسم سحب قرعة كأس العالم للأندية المزمع إقامتها في الفترة ما بين 1 و11 فبراير (شباط) بالمغرب مع وجود أعضاء المنتخب المغربي لكرة القدم في القاعة الشرقية للمطار.
وأغلقت الجزائر مجالها الجوي منذ 22 سبتمبر (أيلول) 2021 أمام كل الطائرات المدنية والعسكرية المغربية بعد قطع العلاقات الدبلوماسية مع الرباط.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
التوتر مستمر
وفي السياق، اعتبر الباحث في الشؤون المغاربية، عبد المجيد بن شاوية، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أن "الأجواء السياسية والدبلوماسية تعرف تصعيداً في المواقف المشروطة بحسب كل تصور لدى الجانبين معاً، ليمتد هذا التوتر إلى كل المجالات ليصل الرياضة في جولة من جولات القطيعة، ويتسبب في عدم مشاركة المنتخب المغربي في منافسات كأس أفريقيا للاعبين المحليين"، وقال "ما حصل يؤكد أن التوتر ما زال مستمراً في كل جوانب العلاقات الجزائرية المغربية، وهو أمر مقلق جداً".
وأشار بن شاوية إلى أنه لا يلوح في الأفق أي إمكانية لتليين المواقف ومحاولة إيجاد صيغة ضامنة لإعادة النظر وترتيب أوراق الدبلوماسية والسياسة بين البلدين، وشدد على أن الخاسر في هذه السيناريوهات السلبية في علاقات البلدين الرسمية هم شعوب المنطقة المغاربية برمتها، التي ما زالت تحلم وتتطلع إلى لم شملها.
في المقابل، يعتقد الناشط السياسي الجزائري حليم بن بعيبش، أن "نقطة اللارجوع ترسمت يوم قطعت الجزائر علاقاتها مع المغرب"، مشيراً إلى أن "المغرب حاول استغلال منافسة كأس أفريقيا للمحليين من أجل التشويش على هذه المنافسة الرياضية وإيصال رسالة أن الجزائر غير قادرة على تنظيم اللقاءات والمنافسات الدولية والتظاهرات الكبرى"، مبرزاً أنه لا يمكن إنهاء الخلاف بين البلدين لأنه بلغ نقطة اللاعودة، بحسب تعبيره.
دعوة ليبية للتوسط
لكن الناشط السياسي الليبي والمرشح للرئاسيات عبد الحكيم بعيو، دعا إلى "كلمة سواء في المغرب والجزائر ومراعاة روابط الأخوة والمصاهرة والتاريخ المشترك"، وقال "أجزم لو هناك حرب ضد الجزائر ستكون المغرب هي الأولى في الدفاع عنها، وكذلك الجزائر لن تتأخر أبداً في مؤازرة المغرب من دون تردد"، معبراً عن استغرابه من الاهتمام بالخلافات السطحية التي جذورها أجندات وليدة اللحظة، وكشف أن ليبيا على الرغم من التمزق وتعدد الحكومات مستعدة للدخول في مصالحة بين الأشقاء بالبلدين، لأن الخلاف سيؤثر على المنطقة كلها، مضيفاً "المغرب والجزائر هما عصا ميزان لنا ولعديد من الدول"، وختم "نأمل فرصة الدخول بمصالحة من أجل لم شمل البلدين".
هل هناك رغبة في المصالحة؟
كما كان للناشط السياسي التونسي، رشيد طرخاني، رأي بخصوص التوتر بين الجارين، وقال في تصريح خاص "على الرغم من امتداد العداء والمنافسة بين الجارين على مدار تاريخهما المشترك، وقد كانت مشكلة الصحراء الغربية شوكة في حلق علاقاتهما والسبب الرئيس للعداء بينها، فإن التوترات التي طالما شهدتها العلاقات الثنائية قد دخلت منعرجاً جديداً في ديسمبر 2020 عندما أعلن المغرب عن اتفاق سلام مع إسرائيل"، موضحاً أن القطيعة الدبلوماسية الأخيرة جعلت الأمر الواقع أكثر وضوحاً وزادت من عمق الهوة بين البلدين التي تجلت في إغلاق المجال الجوي الجزائري أمام الطيران المغربي، ورفض الجزائر تجديد عقد خط الغاز المغاربي الأوروبي، إلا أنها ليست الأولى من نوعها بين البلدين ولن تكون الأخيرة.
وتابع طرخاني أنه "على الرغم من محورية قضية الصحراء الغربية في الصراع المغربي الجزائري فإنها في الحقيقة ما هي إلا ذريعة يستند إليها الجاران لتبرير تناحرهما المستمر وتغطية السبب الحقيقي للصراع وهو التنازع على الأرض والرغبة في السيطرة الإقليمية"، وختم أنه لا يبدو حالياً أن للطرفين الإرادة السياسية أو الرغبة في المصالحة، وبالتالي لن تتحسن العلاقات الثنائية إلا إذا اتفق قادة الجانبين على الجلوس إلى طاولة المفاوضات.
وتشهد علاقات البلدين توتراً منذ عقود بسبب دعم الجزائر لجبهة "البوليساريو" المطالبة باستقلال الصحراء الغربية التي يعتبرها المغرب جزءاً لا يتجزأ من أرضه، وتصاعد الخلاف بينهما عندما أعلنت الجزائر في أغسطس (آب) الماضي، قطع علاقاتها الدبلوماسية مع الرباط، متهمة إياها "بارتكاب أعمال عدائية" منذ استقلال البلاد في 1962.