بدأت أسعار العقارات في دول أوروبا في الانخفاض الطفيف مع ارتفاع كلفة الاقتراض ومخاوف الركود الاقتصادي، لكن التوقعات بأن يكون القطاع العقاري بعيداً من الانهيار في ظل استمرار نقص العرض والظروف الاقتصادية التي لم تشهد تدهوراً كبيراً كما كان يخشى من قبل.
أصدرت مؤسسة "ستاندرد أند بورز" للتصنيف الائتماني تقريراً مفصلاً عن القطاع العقاري الأوروبي خلصت فيه إلى أن أسعار البيوت في أغلب الدول الأوروبية ستشهد تراجعاً هذا العام 2023 والعام المقبل 2024 على أن تعاود التعافي في عام 2025، لكن انخفاض الأسعار لن يكون قوياً بما يهدد بخطر انهيار، مع الأخذ في الاعتبار أن أسعار العقارات في دول أوروبا أكثر جموداً من غيرها في استجابتها لارتفاع أسعار الفائدة.
كما أن محدودية المعروض من البيوت في السوق العقارية واستمرار قوة سوق العمل وما لدى الأسر الأوروبية من مدخرات متبقية من فترات الدعم الحكومي القوي في فترة وباء كورونا إضافة إلى التحولات في تفضيلات السكان، كلها عوامل تخفف من تأثير ارتفاع أسعار الفائدة على أسعار البيوت.
وقدر التقرير أن استجابة القطاع العقاري لرفع البنوك المركزية لأسعار الفائدة ستأخذ على الأقل 10 أرباع العام (أي عامين ونصف العام) قبل أن يكتمل تأثيرها على السوق، سواء من ناحية الأسعار والاستثمار. وأشار التقرير إلى التباين بين دول أوروبا، سواء من حيث الضغط على الأسعار أو المدة التي سيتطلبها التعافي في القطاع العقاري.
أسعار الفائدة
رغم أن معدلات التضخم لم تصل إلى ذروتها بعد على الأرجح، فإن ارتفاعها أخذ في التباطؤ بالفعل، كما أن اقتصاد الدول الأوروبية يبدو وأنه تحمل صدمة العوامل السلبية بشكل أفضل من المتوقع سابقاً. ومع أن البنك المركزي الأوروبي وبنك سويسرا الوطني "المركزي السويسري" وبنك إنجلترا "المركزي البريطاني" قد تبدأ في تخفيف رفع سعر الفائدة هذا العام، لتكون بمعدل نصف نقطة مئوية "0.5 في المئة" كل مرة، بلا من ثلاثة أرباع النقطة المئوية "0.75 في المئة"، إلا أن الرفع سيستمر وربما لا تعود البنوك المركزية إلى خفض سعر الفائدة قبل عام 2025.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويقدر التقرير أن البنك المركزي الأوروبي سيرفع الفائدة حتى نسبة ثلاثة في المئة، أما بنك إنجلترا فسيرفع الفائدة حتى نسبة أربعة في المئة. ويرجح أن تبقى أسعار الفائدة مرتفعة لفترة قبل أن يبدأ خفضها، ربما في النصف الثاني من عام 2025. وفي إطار سياسة التشديد النقدي، ستعمل البنوك على سحب السيولة من سوق السندات. فالبنك المركزي الأوروبي سيبدأ في مارس (آذار) المقبل بوقف إعادة استثمار ما قيمته 15 مليار يورو (أكثر من 16 مليار دولار) شهرياً من السندات التي لديه من برنامج شراء الأصول الذي اعتمده في أزمة وباء كورونا. كذلك بدأ بنك إنجلترا بيع السندات التي لديه من برنامج التيسير الكمي.
ويعني ذلك ارتفاع العائد على السندات نتيجة بيع البنوك المركزية ما لديها. ويقدر تقرير "ستاندرد أند بورز" أن يزيد العائد على السندات الألمانية متوسطة الأجل لمدة 10 سنوات على ثلاثة في المئة. وينعكس ارتفاع العائد على السندات، وهبوط أسعارها، على قروض الرهن العقاري التي تشهد زيادة أكبر في نسبة الفائدة يتحملها المشترون.
أما ارتفاع أسعار الفائدة الأساسية فينعكس مباشرة بزيادة الفائدة على قروض الرهن العقاري وأيضاً تراجع الاستثمارات في القطاع نتيجة ارتفاع كلفة الاقتراض. وبحسب المدة التي يقترحها التقرير لاستجابة السوق العقارية لسياسة التشديد النقدي، وهي عامان ونصف العام، فإنه في تلك الفترة تعني زيادة الفائدة بمقدار واحد في المئة انخفاضاً في أسعار البيوت بنسبة خمسة في المئة وتراجع الاستثمار في القطاع العقاري بنسبة 10 في المئة.
عوامل أخرى
ولا تعتمد توقعات أداء القطاع العقاري الأوروبي على أسعار الفائدة وعائد السندات فحب، رغم أهميتها، بل إن تقديرات المفوضية الأوروبية أن القوة الشرائية للمستهلكين يمكن أن تتعافى بحلول العام المقبل 2024. وفي ضوء بيانات سوق العمل وزيادة الأجور، بمكن أن يحافظ ذلك على قوة الطلب في السوق العقارية، بالتالي لا تنخفض أسعار البيوت كثيراً.
كما أن الاستثمار العقاري ونشاط الإنشاءات والتشييد لا يتأثران بارتفاع كلفة الاقتراض، بل إن هذا الجانب يشهد تباطؤاً حتى من قبل الحرب في أوكرانيا وقبل بدء البنوك المركزية في رفع أسعار الفائدة، بالتالي يظل العرض في السوق العقارية محدوداً نتيجة قلة الاستثمار وتباطؤ نشاط التشييد والبناء.
وإضافة إلى التباين بين الدول الأوروبية في مدى استجابة القطاع العقاري لعامل التشديد النقدي فإن العوامل الخرى كلها تعني ارتفاع الأسعار. وهذا ما يجعل التقرير يخلص إلى استبعاد احتمال الهبوط الشديد فيها على مدى العام الحالي، بل ويتوقع عودة ارتفاع الأسعار ربما بنهاية العام المقبل أو على الأكثر في عام 2025.