"سنخفض معدل التضخم إلى النصف هذا العام للتخفيف من كلف المعيشة ومنح الناس الأمن المالي".
خضع تعهد ريشي سوناك الرسمي بخفض معدل التضخم، مثله كمثل بعض وعوده الأخرى، إلى ضياغة دقيقة لضمان أعلى احتمالات النجاح. فكما لوحظ جيداً، توقع بنك إنجلترا على نطاق واسع، من بين أطراف أخرى، أن ينخفض معدل التضخم في مؤشر الأسعار الخاصة بالمستهلكين من معدله السنوي الحالي البالغ 10.7 في المئة إلى نحو 5.2 في المئة بحلول الفصل الرابع من عام 2023.
إذا افترضنا أن معدل التضخم سيسلك مساراً نزولياً ثابتاً إلى حد ما خلال السنة المقبلة، يعني هذا ضمناً تسجيل معدل التضخم الشهري لمؤشر الأسعار الخاصة بالمستهلكين مستوى يقل إلى حد ما عن 5.2 في المئة – وهو المستوى المتوسط خلال الفترة من أكتوبر (تشرين الأول) إلى ديسمبر (كانون الأول) – في ديسمبر وحده. وتخميناً، قد يبلغ نحو أربعة في المئة: بانخفاض أكثر من النصف.
الأخبار الأفضل لوزير المالية السابق ورئيس الوزراء الحالي (بمعنى أنه كان مسؤولاً عن الاقتصاد لأكثر من ثلاث سنوات) هي أن بنك إنجلترا يرجح، في توقعات مركزية، بلوغ معدل التضخم نحو 1.4 في المئة في الأشهر الأخيرة من عام 2024 (عام الانتخابات) واحتمال بلوغه الصفر بحلول نهاية عام 2025.
توافق معظم الجهات الأخرى المولجة بالتوقعات، على رغم أن مكتب مسؤولية الميزانية [هيئة عامة تقدم تحليلاً مستقلاً عن المالية العامة في المملكة المتحدة] أكثر حذراً من غيره حين يتعلق الأمر بالتوقعات الخاصة بالتضخم، "ينخفض معدل التضخم في شكل حاد على مدى العام المقبل، ويجذب إلى ما دون الصفر في منتصف العقد بسبب انخفاض أسعار الطاقة والمواد الغذائية قبل العودة إلى هدفه البالغ اثنين في المئة عام 2027". وعلى رغم أن مكتب مسؤولية الميزانية يركز على الاتجاهات الأوسع الخاصة بالأسعار والكلف، بما في ذلك ما يتعلق بالشركات.
ثمة أسباب قوية تجعل سوناك قادراً على الوفاء بوعده. والسبب الأقوى مسألة بسيطة من المسائل الإحصائية. من نوفمبر (تشرين الثاني) 2021 إلى نوفمبر 2022، ارتفعت أسعار الغاز المنزلي بنسبة 129 في المئة وأسعار الكهرباء المحلية بنسبة 65 في المئة، كما ندرك جميعاً في شكل مؤلم.
ما لم ترتفع أسعار الطاقة بالمقدار نفسه مرة أخرى وهو أمر غير مرجح لا بد لمستوى أسعار الطاقة من أن يستقر. ستستقر الرسوم وستنخفض في نهاية المطاف. وهذا بدوره سيدفع معدل التضخم العام إلى الانخفاض، نظراً إلى مدى أهمية أسعار الطاقة في أنحاء الاقتصاد كلها.
ستدفع عوامل مماثلة معدل تضخم أسعار البقالة نزولاً. ومن شأن استئناف إمدادات الموصلات الفائقة من شرق آسيا أن يزيد بالمثل معروض السيارات والبضائع الاستهلاكية، مما يعني مرة أخرى قيمة أفضل للعملاء.
من الواضح أن كثيراً من عناصر قطاعي الطاقة والغذاء (الخضراوات/ زيوت الطهي) يعتمد على تطور الحرب في أوكرانيا والعقوبات المفروضة على روسيا. تشير الأدلة حتى الآن إلى أن أسعار الغاز تستجيب في شكل جيد لنجاح القوات الأوكرانية، لكن من الواضح أن هذا لا يمكن اعتباره أمراً مفروغاً منه، ذلك أن هجوماً روسياً متجدداً أو حصاراً بحرياً يمكن أن يقلبا بسهولة الانخفاضات الأخيرة في أسعار السلع، ويدفعا معدلات التضخم إلى الارتفاع عالمياً، ويدمرا طموح سوناك.
من المحتمل أن تنقلب هذه الظروف بسرعة أكبر مما ينبغي وأن تكون حادة بما لا يمكن بنك إنجلترا من مواجهة ارتفاع كلف الاستيراد من خلال رفع معدلات الفائدة، لكن من نواح أخرى، يعتمد نجاح سوناك إلى حد ما على استعداد المصرف للتسبب بركود أعمق مما كان متوقعاً، ذلك أن خفض معدل التضخم ممكن دائماً – لكن إذا كان ذلك على حساب فقدان الوظائف وانخفاض الأجور، فلن يبدو الأمر انتصاراً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
هذا يقودنا إلى مسألة الأجور. حتى الآن، تستوعب تسويات القطاع الخاص التي تبلغ نسبتها نحو خمسة في المئة معدل التضخم إلى حد ما، لكن الشيء نفسه لا ينطبق على القطاع العام التقليدي.
يتمثل أحد المخاوف الكبيرة بالنسبة إلى بنك إنجلترا، وإلى الحكومة، في احتمال أن يدفع ارتفاع الأسعار الأجور صعوداً فتحاول الشركات من ثم تمرير الزيادة في فواتير الأجور عن طريق رفع الأسعار (أو الضرائب في حالة القطاع العام). تخيف "الدوامة على صعيد الأجور-الأسعار" [عندما يؤدي ارتفاع الأجور المتكرر إلى ارتفاع الأسعار] هذه واضعي السياسات عن حق، وإذا أصبح التضخم متجذراً، قد يصاب سوناك بخيبة أمل في هذا الوقت من العام المقبل.
وستؤثر الثقة في قدرة بنك إنجلترا والحكومة على استباق هذا التضخم المتوطن "المحلي" بدورها في أسعار صرف الجنيه الاسترليني وكلف الواردات، ذلك أن معدلات الفائدة يجب أن ترتفع في شكل حاد لتحييد فيروس التضخم.
أخيراً، لدى سوناك هامش للمراوغة بسبب الصياغة الغامضة للوعد. هو لا يحدد، مثلاً، أياً من مقاييس التضخم العديدة سيحكم على وعده على أساسها ولو أن الجميع يفترضون أن المقياس سيكون مؤشر الأسعار الخاصة بالمستهلكين. كذلك تجنب تحديد ما إذا كان سيحكم على وعده على أساس معدل سنوي أو معدل ربع سنوي أو معدل شهري محتسب سنوياً.
في السبعينيات وأوائل الثمانينيات، خلال المعارك السابقة ضد التضخم، مالت الحكومات إلى اختيار المؤشر والفترة الزمنية التي تناسب مصالحها السياسية، في الواقع، اخترعت مؤشرات جديدة تماماً لتليين الإحصاءات غير الجذابة.
حتى مع كل ما نعرفه عما قد يحدث، هناك دائماً عامل "البجعة السوداء" أي الأحداث غير المتوقعة. تقدم توقعات بنك إنجلترا في الواقع كمجموعة واسعة من الاحتمالات، تتشتت كلما ابتعد الأفق الزمني.
لذلك، تعد توقعاته المركزية بمعدل للتضخم يبلغ نحو 5.2 في المئة بحلول نهاية العام مشروطة للغاية. والواقع أن هناك احتمالاً بنسبة 90 في المئة بأن يتراوح معدل التضخم بين 2 و7.8 في المئة، مع احتمال بنسبة 10 في المئة بأن يقع المعدل خارج هذين الحدين الأدنى والأعلى.
إذا لم يحالف الحظ سوناك، سيتعرض إلى الإذلال. وحتى لو حالفه الحظ، ستظل تحديات الركود ومعدل التضخم المرتفع سابقاً ذكرى راهنة ومؤلمة. وفق مكتب مسؤولية الميزانية، "أدى ارتفاع الأسعار إلى تآكل الأجور الحقيقية وخفض مستويات المعيشة بنسبة سبعة في المئة إجمالاً على مدى السنتين الماليتين حتى 2023-2024 (ماحياً نمو السنوات الثماني السابقة)، على رغم أكثر من 100 مليار جنيه من الدعم الحكومي الإضافي".
سيكون العام المقبل أفضل، لكن فقط مثلما يشعر المرء بالراحة حين يتوقف عن ضرب رأسه بجدار من الطوب.
© The Independent