يقبل آلاف الشباب في المغرب على مزاولة مهن الأمن والجندية من خلال اجتياز اختبارات اللياقة الصحية والرياضية والامتحانات التي تخولهم الظفر بوظائف أمنية، خصوصاً بعد الحصول على شهادة الباكالوريا (الثانوية العامة)، أو شهادة الإجازة الجامعية أو الماستر.
ويأمل عديد من الشباب المغاربة في الالتحاق بالوظائف الأمنية ومناصبها المختلفة، من قبيل حراس الأمن أو مفتشي الأمن أو ضباط الشرطة، حسب الشهادة التعليمية المتحصل عليها، كما أن كثيرين منهم التحقوا تطوعاً بالتجنيد العسكري في المغرب.
مباريات التوظيف
ويترقب آلاف الشباب المغاربة كل سنة إعلان مديرية الأمن الوطني للمهتمين بملء الشغور الوظيفي في مختلف أسلاك ومناصب ودرجات الشرطة، بعد النجاح في الامتحانات واجتياز التدريبات والتكوينات اللازمة.
وبرسم السنة المالية 2022، أعلن عن توظيف 5856 شرطياً في مختلف الدرجات، أقبل عليها عشرات الآلاف من الطلبة الشباب الذين يتوفرون على الشروط الأولية من قبيل السن والقامة وقوة النظر والسمع والحالة البدنية الجيدة.
وبعد اجتيارز اختبارات اللياقة الخاصة بالتوظيف في مختلف درجات الشرطة، يخضع الناجحون لتكوين أساس ينظم على شكل تدريبات نظرية وتطبيقية، لمدة سنتين لفائدة عمداء الشرطة، وسنة واحدة لبقية الدرجات الأمنية، وذلك كله وفق نظام داخلي قائم على تدريب شبه عسكري.
الخدمة العسكرية التي عاد المغرب إليها من جديد بعد انقطاع دام سنوات، تخص الفئة العمرية بين 19 و25 سنة، ولا يزال إحصاء المتطوعين مستمراً حتى 25 فبراير (شباط) 2023.
يتلقى المجند الشاب دورة تدريبية تستمر سنة كاملة، يخضع في الأشهر الأربعة الأولى لتدريب عسكري أساسي مهم، بينما الأشهر الثمانية المتبقية يتعلم فيها تطوير كفاءاته المهنية من خلال التمرن على الحفاظ على اللياقة البدنية وتحفيز الانضباط وتحمل المسؤولية والتحدي والاعتماد على الذات.
رغبات الشباب
في هذا السياق، يقول نبيل بداوي، شاب حاصل على شهادة البكالوريا، إنه تقدم لاجتياز الاختبار الأخير لوظيفة أمنية، لأنه يحتاج إلى منصب شغل يساعده في تحقيق حلمه، ويمكنه في الوقت ذاته من الإسهام في إرساء الأمن والاستقرار في بلده.
ووفق الشاب الذي تقدم لوظيفة مفتش أمن قبل أسابيع قليلة، فإنه "منذ الصغر كان يحلم بأن يكون شرطياً مثل والده المتوفى، وهي أمنية شخصية ذاتية"، غير أنه مع نضجه الحياتي صار يأمل في أن يشغل منصباً أمنياً قريباً من نبض المجتمع، خصوصاً المهمات التي تخوله "القبض على الجناة والمجرمين"، على حد تعبيره.
من جانبه يفيد عصام، 22 سنة، بأنه اختار التقدم إلى الخدمة العسكرية بشكل تطوعي من دون أن يرغمه أحد أفراد أسرته أو محيطه القريب، لأنها مهنة تلقن "الرجولة التي باتت عملة مفقودة"، على حد وصفه.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأردف الشاب الحاصل على شهادة البكالوريا، العاطل من العمل، بأنه بالانخراط في سلك الجندية يحاول أن يحقق هدفين، أولاً يضمن راتباً شهرياً، وثانياً يصقل شخصيته لتكون أكثر حزماً وصرامة والتزاماً.
واللافت ذكره أن تقريراً حديثاً للمؤسسة الأميركية المتخصصة في الشؤون العسكرية "غلوبال فاير باور"، قدر عدد المغاربة الذين يصلحون لأداء الخدمة العسكرية بـ14 مليوناً و989 ألف شخص.
عودة الثقة
ويرجع الباحث محمد شقير، الإقبال الكثيف للشباب المغاربة على مهن الأمن إلى عاملين رئيسين، الأول يتمثل في علاقة الثقة التي استرجعتها الدولة في قلوب الشباب خلال السنوات الأخيرة.
يوضح، "كانت روح التمرد وعدم الاطمئنان سائدة لدى شباب في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، حيث كان ينظر الشباب إلى مهن الأمن على أنها أجهزة قمعية أسهمت في إخماد انتفاضات شعبية في بعض المدن، مثل الدار البيضاء ومراكش ومنطقة الريف".
وتابع أن نظرة الشباب حيال هذه المهن تغيرت مع مرور الوقت والزمن، خصوصاً بعد عملية المصالحة وإشاعة ثقافة حقوق الإنسان وملاحقة عناصر الشرطة الذين تم تأكيد تورطهم في ارتكاب جرائم من باب ربط المسؤولية بالمحاسبة.
وعن العامل الأخير يضيف شقير، أنه يتجسد في توجه الدولة إلى تدارك خصائص الموارد البشرية في هذه الأجهزة الأمنية، بفسح المجال أمام أعداد الشباب الراغبين في فرص عمل والباحثين عن الشغل، لا سيما مع ما تتضمنه هذه الوظائف من مدخول جيد وتغطية صحية وسمعة اجتماعية.
جاذبية الزي
من جانبها تشير الباحثة الاجتماعية ابتسام العوفير إلى "السمعة الاجتماعية" التي تتيحها مهن الأمن والجيش، لتقول إن هذه الوظائف تجذب الشباب خصوصاً لأنها تدخل في مجال ما يسمى في المغرب "المخزن"، أي النواة الصلبة التي تمتلك دواليب السلطة.
وأضافت، أن الذهنية المجتمعية السائدة لدى كثيرين بأن مهنة الشرطي تحظى بسمعة اجتماعية قوية تغري الشباب، بخاصة أنها من المهن التي تستوجب ارتداء الزي النظامي الرسمي، الذي يمنح لصاحبه عديداً من الصلاحيات والحقوق، كما يفرض عليه كثيراً من الواجبات.
ووفق المتحدثة ، هناك عامل آخر يفسر هذا الإقبال على مهن الأمن والجندية من طرف الشباب المغربي، يتجسد في الاستقرار الوظيفي الذي توفره هذه المهن والوظائف، سيما في السنوات الأخيرة، إذ تم الرفع أكثر من مرة رواتب وتعويضات المنتسبين إلى هذه المهن.
ولفتت أيضاً إلى حيثية أخرى تتمثل في أن "إعلان التوظيف في أسلاك ودرجات الأمن والجندية غالباً ما تطلب أعداداً هائلة من المرشحين، بخلاف قطاعات أخرى تشترط أعداداً قليلة"، مردفة أن "آلاف الفرص المعروضة تشجع الشباب على الإقبال الكبير على هذه الوظائف".