كان رئيس الوزراء جايمس كالاهان James Callaghan، يقدم لنفسه أعذاراً عندما قال إن "هناك أوقاتاً، ربما مرة في كل ثلاثين عاماً، عندما يضرب التغيير الجذري الساحة السياسية". ما كان يقصده كالاهان في حينه، هو أنه قد خسر الفرصة للفوز من جديد. فلو دعا إلى إجراء الانتخابات العامة في خريف عام 1978، لكان بإمكانه انتزاع الفوز فيها.
أحياناً أيضاً، وهو أمر حقيقي، يمكن أن يطرأ تغيير كبير على مواقف الرأي العام، ولكن ذلك يحدث عادة لسبب وجيه. في 1979 على سبيل المثال، كان السبب هو الإضرابات العمالية التي ضربت البلاد في فصل الشتاء السابق.
وهناك أيضاً مسألة أنه، وبلا شك، قد تصل الأمور إلى حد يصعب عندها أن ينجح الحزب في المحافظة على شريحة الداعمين له مع مرور الوقت، لكن الفكرة بأن هناك قوى غامضة تعمل على تغيير وجهات نظر المواطنين، والذين يقررون في يوم من الأيام أنه كفى، تعني كفى، هو عذر سهل لأسباب خروج سياسي ما من السلطة، بعد اقترافه خطأ ما.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ما قد يكون أكثر من مجرد تغيير جذري، هو تغير نسبة الانضباط والالتزام بالقيم الحزبية. أكبر مثال على هذه التغييرات وأندرها وقعت عام 1931، عندما لم يكن حزب العمال يفقه ما كان عليه فعله بخصوص الركود Depression، لأن الكينيزية الاقتصادية Keynesianism، لم تبتدع بعد. رئيس الوزراء رامزي ماكدونالد Ramsay MacDonald، كان قد قرر أن عليه خفض الإنفاق العام، وكان يعلم أن معظم نواب حزب العمال لن يصوتوا لصالح خطته، فلذلك قام بتشكيل حكومة وحدة وطنية تكونت في معظمها من نواب حزب المحافظين.
وهذا أصاب في وقت من الأوقات حزب المحافظين أيضاً، وذلك كان بعد تخفيض قيمة الجنيه الاسترليني في عام 1992. وكان لذلك أثر في الرأي العام، ولكنه لم يصل إلى درجة التغيير الجذري. وكان سبب خسارة حزب المحافظين في الانتخابات بشكل ساحق بعد خمس سنوات من ذلك التاريخ، يتعلق في درجة كبيرة، بوضع حزب المحافظين نفسه، فقد كان المحافظون منقسمين حول مسألة الموقف من الاتحاد الأوروبي واتفاقية ماستريخت (التي تتعلق بالسياسة النقدية الموحدة لدول الاتحاد)، وتزامن ذلك مع عدم توفر بديل لرئيس الحكومة في حينه جون مايجور، كزعيم للحزب، على رغم أن مايكل هيزلتاين كان ربما يمكنه التخفيف من حدة الانهيارات التي توالت في 1997. وحزب العمال في تلك الحقبة كان لديه شوق شديد للفوز بالسلطة، وكان محظوظاً إلى درجة، ليجد نفسه جاهزاً وعلى رأس الحزب زعيماً غير تقليدي.
بعد عقد من الزمن على ذلك، جاء دور حزب العمال كي يستسلم. عندما تكلمت أخيراً مع أشخاص كانوا قد عملوا في قلب حكومة رئيس الوزراء السابق غوردون براون، قالوا إنه انطلاقاً من موعد "الانتخابات التي لم تجر أبداً" في 2007، وحتى موعد إجراء انتخابات 2010 العامة، "لم نكن نعتقد أبداً أننا كنا سنفوز". وكان حرمان حزب المحافظين من الفوز بالغالبية نتيجة أفضل مما كان أي منهم يتوقع.
إن البرلمان الذي تشكل بعد انتخابات 2010 من دون تمكن أي حزب من الفوز بالغالبية، كان من الممكن له أن يتيح الفرصة لبعض شخصيات حزب العمال ممن يتحلون بالتصميم والقدرة على الابتكار، لكن في تلك المرحلة كان الكثير من نواب حزب العمال لا يرغبون سوى في الرحيل والارتماء أرضاً في غرفة مظلمة. النائب والوزير السابق ديفيد ميليباند والنائب والوزير آلن جونسون كانا قد خرجا بتفسيرات كالاهانية Callaghanesque، بامتياز وقالوا إن الناس قد اقترعوا ضد حزب العمال، ولم يكن هناك أي شيء يمكنهم فعله في هذا المجال.
وحتى أنهما لم يسعيا إلى العمل على تكوين ائتلاف مغاير للتحالف الذي تشكل من حزب المحافظين والليبراليين الديمقراطيين، ولم يسع مفاوضو حزب العمال الرسميون إلى المحاولة الجادة في ذلك المجال. لقد كانوا مخذولين من براون الذي كان يجب عليه الاستقالة كزعيم للحزب مباشرة فور الإعلان عن خسارة حزبه الانتخابات ليتمكن شخص جديد، من تولي زعامة الحزب، وبسبب مواقف نواب حزب العمال الذين أعربوا عن نيتهم التصويت ضد أي محاولة لتغيير نظام التصويت إرضاء لحزب الليبراليين الديمقراطيين.
ربما لم يكن الأمر واضحاً تماماً في حينه، لكن أمراً مشابهاً حدث في عام 2017، عندما حرم حزب المحافظين من تحقيق الغالبية النيابية في الانتخابات التي جرت في ذلك العام. فعوضاً عن قيام حزب عمال متحفز للإمساك بالسلطة والإعراب عن استعداده لعقد صفقة مع حزب الوحدويين الديمقراطيين (الإيرلندي الشمالي)، توفرت لبريطانيا معارضة يقودها شخص لديه مبادئ والذي لا أعتقد أن الفكرة حتى خطرت على باله، بأن مثل هذه الصفقة كانت ممكنة حتى.
وإذا قارنا بين السلبية التي انتهجها حزب العمال في الفترة ما بين 2007 و2010، بروحية من يحيط برئيس الحكومة ريشي سوناك حالياً، فهم يعلمون أن الظروف تتآمر ضد فرصهم في الفوز، مع حلول موعد الانتخابات المقبلة، لكنهم على رغم ذلك يعتقدون أن هناك فرصة للفوز. أنا لا أعتقد أن هذا التفاؤل هو أمر مبالغ فيه، أو مجرد ضجيج، بهدف رفع معنوياتهم. إنهم يؤمنون وبكل صدق باحتمالية الفوز، إذا كانوا محظوظين وتغير الوضع الاقتصادي، ولكن فقط إذا قاموا بتجربة كل الممكن من أجل إصلاح خدمة الصحة الوطنية NHS، وإذا نجحوا في فعل ما من شأنه أن يخفف من حجم عمليات عبور اللاجئين من فرنسا وكل ذلك قد يزيد من فرصهم لا محالة.
وأنا أعتقد أنهم محقون، لكن هناك "لكن"، وهذا يتعلق بوضع مستوى المعنويات والانضباط في بقية أقسام حزب المحافظين. والسؤال الذي يطرح نفسه هو ما إذا كانت نسبة كبيرة من نواب حزب المحافظين ما زالوا جادين في رغبتهم بالفوز في الانتخابات المقبلة. والقول إن 110 نواب من بينهم وهذا يشكل نسبة ثلث نوابهم في البرلمان كانوا على استعداد لتسمية بوريس جونسون زعيماً في شهر أكتوبر الماضي من جديد، يدل على أن ذلك لا يوحي كثيراً بالثقة.
ربما كانوا على حق في اعتقادهم أن جونسون فرصة أفضل للحزب [للاحتفاظ بالسلطة]. وأنا هنا أختلف معهم في هذه النقطة، ولكن ليس هذا هو ما أقصده، فإذا لم يكن الحزب متحداً في التفافه حول الزعيم الحالي، فإن فرصهم للاحتفاظ بالسلطة قد لا تكون مرتفعة جداً.
وما هو أقل إقناعاً أيضاً، هو أن نحو 40 نائباً من حزب المحافظين والذين يقال إنهم يتجهون ضمن تشكيل جديد للترويج لسياسات رئيسة الحكومة لفترة قصيرة، ليز تراس، من المؤكد أنه سيطلق عليهم المجموعة التي تعطلت من الواقع، Holiday From Reality Group، وذلك إجلالاً لرفضهم المستمر قبول نتائج التجربة التي قامت بها ليز تراس ووزير ماليتها كواسي كوارتنغ، وإصرارهما على أن الخطأ الوحيد الذي ارتكبته من خلال ما يعرف بـ"تراسونوميكس" Trussonomics [أي السياسة الاقتصادية التي انتهجتها تراس] هو أنهما "حاولا إنجاز الكثير في دفعة واحدة".
على الجهة المقابلة، فاجأ حزب العمال نفسه بمستوى الإصرار على توقه إلى السلطة في الأشهر القليلة الأخيرة. فلقد واصل كير ستارمر نهجه السير على خطى السياسة البليرية Blairite، في عمله على إزالة الأسباب التي قد يعطيها المؤيدين السابقين لحزب المحافظين، كي لا يصوتوا لصالح العمال. فهناك شيء من قبيل "حزبين محافظين اثنين" يتنافسان على مواقع التواصل الاجتماعي، لكن معظم أعضاء حزب العمال يتفهمون الضرورات الانتخابية لما كان توني بلير قد أطلق عليه "الطمأنة، الطمأنة، والتطمينات".
من دون شك، لو كتب لحزب المحافظين الخسارة في انتخابات العام المقبل، فسيكون هناك كثير من نواب حزب المحافظين الذين قد يرددون ما قاله رئيس الحكومة السابق كالاهان، في قولهم إن هناك تغييراً جذرياً في الساحة السياسية وكله قد صب في صالح كير ستارمر. "ولكن عند تلك النقطة لن يكون مهماً ما ستقوله أو ستفعله. لقد تغير الوضع في الاتجاه الذي تريده عامة الناس وما قد وافقوا عليه".
وما يمكن أن يكونوا قصدوا قوله، هو أنهم قد استسلموا.
© The Independent