لعل مجرد التفكير في حوادث السنة الماضية التي استمرت فيها قيود "كوفيد" في إعاقة حركة السفر الجوي حول العالم، قد يجعلك ترتجف.
ففي يناير (كانون الثاني) 2022، طُلب من كل واصل إلى المملكة المتحدة، بغض النظر عن حالة التطعيم لديه، حجز موعد للخضوع لاختبار "بي سي آر" للتحقق من إصابته بالفيروس، قبل وصوله إلى بريطانيا، وأن يعزل نفسه لحين ظهور نتيجة الاختبار. وجرى رفع قيود الحظر على الرحلات الدولية بالكامل في المملكة المتحدة في 18 مارس (آذار) 2022 (ولم يتخذ أي إجراءات على الإطلاق لمنع انتشار متحور أوميكرون). وقد شملت المدة التي سبقت رفع الحظر حوالى 20 في المائة من السنة، وتلك نسبة يجب وضعها في الاعتبار عند التفكير في أداء المطارات الرئيسة في المملكة المتحدة. وخلال الجائحة، حولت شركات الطيران التي تعمل على المستوى الأوروبي كـ"رايان إير" و"إيزي جت" مسار رحلاتها عن بريطانيا، ووجهت الطائرات والأطقم إلى خدمة البلدان التي تفرض قيوداً أقل غرابة على الرحلات الجوية الدولية.
وفي المقابل، لا يمكن تحريك المطارات من مكانها، ولعل هذه إحدى العادات السيئة للمطارات. فإذا قررت الحكومة فرض قيود على المطار، فلا أحد يستطيع منعها.
لقد تعرضت أكبر مطارات بريطانيا لعراقيل في الخُمس الأول من العام الماضي. لكن كيف صار أداؤها عقب تلك الفترة؟ ثمة أرقام موجودة. وقد درستها وحللتها كي لا تضطروا إلى ذلك. ولنبدأ بمركز الطيران الأكثر ازدحاماً في المملكة المتحدة. استقبل مطار هيثرو في لندن 61.6 مليون مسافر العام الماضي. ويقل ذلك العدد بـ24 في المائة عن عام 2019، لكنه أعلى بثلاث مرات عن عام 2021. وتفيد إدارة مطار هيثرو أنه شهد "أعلى زيادة في عدد الركاب مقارنة بأي مطار في أوروبا. (لكن مطار "غاتويك" الذي سجل خمسة أضعاف هذا الرقم، لديه وجهة نظر مختلفة).
وبشكل مثير للإعجاب، اقترب روبرت بويل، المدير الاستراتيجي السابق لشركة "أي إيه جي" IAG، الشركة الأم للخطوط الجوية البريطانية، كثيراً من التوقعات التي أعطاها في ديسمبر (كانون الأول) 2021. إذ توقع أن يستقبل مطار "هيثرو" 60.9 مليون، وذلك أقل بـواحد في المئة مما حدث فعلياً. وبدا ذلك أكثر دقة بكثير من التخمينات الصادرة عن المطار (التي كانت منخفضة جداً) وشركات الطيران (التي كانت مرتفعة جداً).
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لماذا حدث تباين وتباعد في توقعات الشركات؟ بحسب بويل، يعود ذلك إلى أنه حينما تمارس ضغوط على "هيئة الطيران المدني" بشأن قرارها حول الرسوم، يغدو من المناسب للمطار "خفض" الأرقام، فيما يناسب شركات الطيران أن تبالغ في التفاؤل. ويتوقع بويل أن يحقق مطار "هيثرو" في 2023 أعداداً تصل إلى "75 مليون راكب أو أكثر". ويقل ذلك بـ7.3 في المئة عن عام الذروة 2019. فليخبر أحدكم "هيئة الطيران المدني" بذلك.
من بين المطارات "الأربعة الكبرى" في بريطانيا، تعرض مطار "غاتويك" لأكبر ضرر جراء الطريقة التي استجابت بها الحكومة لـ"كوفيد". ففي أبريل (نيسان) 2019، كانت أكثر مسارات الرحلات الجوية ازدحاماً هي برشلونة ودبلن ومالقة، وتليها بنسب متقاربة دبي وأورلاندو [في ولاية فلوريدا]. في المقابل، بعد سنة من تلك الذروة، تمثل المسار الرئيس، ضمن حقل متضائل آنذاك، بمدينة "مينس"، عاصمة بيلاروس التي استقطبت المسافرين من مجموعة واسعة من البلدان ممن يسعون للعودة إلى ديارهم على متن الناقل الوطني، "بيلافيا" Belavia، عبر مركز لم يكن متطلباً على نحو خاص في ما يخص "كوفيد".
لقد أزيلت "مينسك" من خرائط رحلات المملكة المتحدة (مع موسكو و"سان بطرسبرغ"). لكن ذلك ليس السبب الوحيد الذي جعل مطار "ساسكس" يسجل العام الماضي انخفاضاً بـ29 في المائة عن الذروة المسجلة في عام 2019، حين بلغ عدد المسافرين 32.8 مليون.
أدى إنهاء قيود السفر في عام 2021، بما في ذلك حظر مدته 19 أسبوعاً على العطلات الخارجية، إلى خفض حركة المرور في مطار "غاتويك" بـ86 في المائة. وتخلت خطوط "فيرجن أتلانتيك" عن موطنها الأصلي لمصلحة مطار "هيثرو". في المقابل، برز قرار من شركة "طيران الهند" بإطلاق رحلات جوية من دون توقف هذا العام من مطار "غاتويك" إلى أحمد آباد وأمريتسار وجوا وكوتشي. ويظهر القرار ثقة طويلة الأمد في مطار يبدو أنه من الواضح أن قدره أن يظل دائماً متوارياً خلف مطار "هيثرو".
أنهى مطارا "مانشستر" و"ستانستيد" اللذان يحلان في المركزين الثالث والرابع على التوالي، عام 2022 بتسجيل نسب متقاربة من بعضها البعض. ويندرج كلاهما ضمن "مجموعة مطارات مانشستر"، إلى جانب مطار "إيست ميدلاندز".
استقبل مطار مانشستر 23.4 مليون مسافر، مسجلاً انخفاضاً بـ20 في المئة بالضبط عن أفضل عام له في 2019.
واقتصر الفارق بينه وبين نظيره في "إسيكس" [أي مطار ستانستيد] على 50 ألف راكب. وقد سجل مطار "ستانستيد" أكبر نسبة في رسو الطائرات عليه بين المطارات في المراكز الأربعة الأولى، بفارق اقتصر على 17 في المائة عن أرقام ما قبل الجائحة.
وهناك طريقة أخرى للنظر إلى الأرقام التي تسجلها المطارات، تتمثل في طرح سؤال عن عدد السنوات التي يجب أن نسيرها رجوعاً في الزمن، كي نعثر على العام الذي سُجل فيه انخفاض كبير في عدد الركاب لدى المطارات الكبرى؟
[إن فعلنا ذلك، ستأتي النتيجة على النحو التالي]
مطار ستانستيد، في عام 2016
مطار مانشستر، 2015
مطار غاتويك، 2011
مطار هيثرو، 2001
من المرجح أن يستغل معارضو إنشاء مدرج ثالث تلك النتيجة المسجلة لدى مطار هيثرو. إذ تفيد سلطات ذلك المطار أن "الطلب على الطيران سيتعافى من تأثير "كوفيد"، وسوف تسمح السعة الإضافية في مطار هيثرو الموسع، بصفته المطار الرئيس الوحيد في المملكة المتحدة، لبريطانيا كدولة ذات سيادة بالمنافسة بشكل أكثر فاعلية على المستوى التجاري".
في المقابل، من المؤكد أن هذه الخطة قد أُجلت في الوقت الراهن.
© The Independent