لا يزال شتاء دول الخليج يسجل ظواهر مناخية عنيفة كهطول الأمطار بغزارة أو عواصف رعدية أو سرعة رياح في فترات متقطعة، وعلى رغم الطابع الصحراوي القاسي لمناخ شبه الجزيرة العربية إلا أنها سجلت أخيراً تقلبات مفاجئة لا يمكن التنبؤ أحياناً بحجم أضرارها، مما استدعى وضع الجهات المتخصصة في دول خليجية على أهبة الاستعداد.
وأعلنت مؤسسة موانئ الكويت توقيف حركة الملاحة البحرية في ثلاثة من موانئها جراء التقلبات الجوية، وفقاً لبيان وكالة الأنباء الرسمية "كونا" التي قالت إن "حركة الملاحة البحرية توقفت موقتاً في موانئ الشويخ والشعيبة والدوحة، منذ الساعة الثامنة صباحاً، إثر تدني مستوى الرؤية الأفقية، وذلك حرصاً منها على سلامة الملاحة البحرية والطواقم ومنشآت الموانئ التابعة، إثر زيادة سرعة الرياح على 30 عقدة (نحو 55 كيلومتراً) في الساعة وارتفاع الأمواج".
لكن الصحافة الكويتية تناقلت في وقت لاحق أنباء تفيد بإعادة فتح الموانئ الثلاثة، على رغم تقديرات مساء أمس التي عللت الإغلاق بتأكيد إدارة الأرصاد الجوية في البلاد أن "طقس الأحد غير مستقر وسيشهد فرصة لضباب كثيف، بداية من الليلة حتى الساعات الأولى من صباح غد الإثنين".
تحذيرات منذ الشتاء
من جهته أصدر المركز الوطني للأرصاد السعودي كذلك تحذيرات عبر الرسائل النصية ومواقع التواصل الاجتماعي عن حالة الطقس المتقلبة التي يمكن أن تشهدها مناطق متعددة في السعودية، حيث أشارت إلى احتمالية هطول أمطار رعدية مصحوبة برياح نشطة على أجزاء من مناطق الرياض وحائل والقصيم والشرقية، والحدود الشمالية (رفحاء)، وسماء غائمة جزئياً إلى غائمة تتخللها سحب رعدية ممطرة تسبق برياح نشطة على أجزاء من مناطق جازان وعسير والباحة تمتد إلى مرتفعات منطقتي مكة المكرمة والمدينة المنورة، كما لا يستبعد تكون الضباب خلال الليل وساعات الصباح الباكرة على المرتفعات الجنوبية الغربية وأجزاء من مناطق الشرقية، والجوف والحدود الشمالية.
كما حذرت وزارة الداخلية الإماراتية، من تقلبات في الأحوال الجوية مصحوبة برياح وأمطار غزيرة "نظراً لاحتمالية تعرض مناطق عدة في الدولة لتقلبات في الأحوال الجوية مصحوبة بأمطار غزيرة ورياح".
بدورها حذرت إدارة الأرصاد الجوية القطرية من "رياح مفاجئة" مصحوبة بعواصف رعدية، وقالت عبر "تويتر"، إنها مستمرة في رصد أمطار متفرقة على معظم المناطق "قد تتحول إلى رعدية أحياناً تصاحبها رياح هابطة قوية مفاجئة"، داعية إلى "توخي الحيطة والحذر".
جاءت التحذيرات في دول الخليج بشكل متتابع طوال فترة شتاء هذا العام، حيث لم يخل أي أسبوع من إصدار تحذير ما، بينما شهدت الفترة الماضية أمطاراً تسببت في جريان السيول وغرق البيوت وإتلاف المركبات في هذه الدول الخليجية، ولا يزال المناخ غير مأمون العواقب.
حرارة الصيف هل هي السر؟
وبحسب رصد قام به مركز الشرق الأوسط للاستشارات السياسية والاستراتيجية (MenaCC) لأهم المخاطر المناخية التي تواجه دول مجلس التعاون في هذا الشتاء اعتماداً على عدد من المؤشرات الدولية التي تراقب تقلبات المناخ في العالم (بيانات من المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، وNOAA و Climate الأميركيتين، وsevere weather الأوروبية)، فإن شتاء هذا العام تأخر عن موعده في دول كثيرة في العالم بخاصة دول الخليج نظراً لطول فترات الحرارة غير المسبوقة التي سجلتها دول المنطقة هذا العام بفعل تداعيات الاحتباس الحراري وانبعاثات الغازات الدفيئة.
إلا أن درجات الحرارة في فصل الشتاء في أغلب مناطق الشرق الأوسط والخليج سجلت أعلى من المعدل الطبيعي، وقد يستمر فترات برد أكثر من المعتاد في مطلع وأواخر فبراير (شباط)، واحتمال هطول الأمطار سيكون أعلى من المعتاد.
وحسب دراسة المؤشرات الدولية، فإن الشتاء في منطقة الشرق الأوسط بخاصة دول الخليج التي تعرف مناخاً صحراوياً قاسياً، سيكون في أغلب فتراته دافئاً مع ميل إلى تسجيل تقلبات مفاجئة ومحدودة لا يمكن التنبؤ أحياناً بحجم أضرارها، وهو ما يجعلها في خانة (الغامضة).
ورجح الرصد زيادة تذبذب حالة الطقس الشتوي، حيث تشير التنبؤات المناخية إلى احتمال طول فترات الدفء في فصل الشتاء مع توقع تقلص نشاط الكتل الهوائية والضغط الجوي القادمة من القطبين، إلا أن ذلك لا يمنع من توقع ظواهر مناخية شديدة ومحدودة كتسجيل هطول أمطار غزيرة أو رياح قوية أو موجات برد قارس.
ولا تبدو منطقة الخليج بمفردها في مواجهة تقلبات مناخية غامضة خلال شتاء هذا العام، فعدد من مناطق العالم عرضة بدورها لتقلبات مفاجئة قد تفوق التوقعات وهو ما يزيد حالة غموض الظواهر المناخية في شتاء هذا العام.
كثرة التساؤلات حول التذبذب المناخي في دول الخليج جعلت خبراء الطقس يؤكدون بأن ما حدث في شتاء هذا العام قد حدث في أعوام سابقة، مشيرين إلى أن دورة المناخ لا تبقى على وتيرة واحدة.
"سنة الهدام"
ويشير خبير الأرصاد الجوية، الدكتور خالد بن صالح الزعاق، إلى أن الأجواء عادة لا تستمر على وتيرة واحدة بالنسبة إلى الدورات المناخية، لأنها لا تقاس بالسنين البشرية، بل بالسنين غير المنظورة.
وقال الزعاق "شهدت الجزيرة العربية دورات مطرية وأجواء أشد من هذه الأوضاع، مثل ما حدث قبل 68 عاماً في السنة التي سميت بـ"سنة الهدام"، التي تواصلت خلالها الأمطار لمدة 58 يوماً، فكانت منطقة القصيم وسدير وبريدة الأكثر تضرراً، حيث لم تترك الأمطار شيئاَ من المنازل أو المحال التجارية أو المساجد إلا وتخلخلت جدرانها الطينية، ليحل الدمار على نطاق واسع".
ولفت إلى أن النتيجة كانت تهدم ثلاثة آلاف منزل في بريدة وحدها جراء السيول، فسميت جراء ذلك "سنة الهدام"، طبقاً للهجة المحلية لأهالي الإقليم.