بينما توارى الرئيس الجزائري السابق، عبد العزيز بوتفليقة، عن الأنظار منذ تاريخ استقالته في الثاني من أبريل (نيسان) 2019، يُواجه رجالاته الذين شاركوه فترة حكمه التي دامت 20 سنة، مصيرهم وحدهم.
ويغرقُ هؤلاء يوماً بعد يوم في تهم فساد قد تُكلفهم سنوات سجن طويلة، في مقدمهم رئيس الوزراء الجزائري السابق أحمد أويحيى، الذي ذُكر اسمه في كل الملفات التي يجري التحقيق فيها، بشكل خلف صدمة في أوساط المجتمع الجزائري، الذي يقود ثورة شعبية غير مسبوقة، لإحداث تغيير جذري في طبيعة النظام، وإرساء دولة الحق والقانون.
تحقيقات وتفتيش يكشف المستور
فاجأت وزارة العدالة، الرأي العام ببيان تحدثت فيه عن ضبط مبالغ كبيرة مشبوهة المصدر في مسكن كائن بـ"إقامة الساحل" في الضاحية الغربية للعاصمة، الذي يؤوي كباراً. وورد في البيان أن المبلغ المالي قدره 113.439.200 دينار جزائري (مليون دولار) و 270 ألف يورو و30 ألف دولار وحوالى 17 كيلوغراماً من المجوهرات.
وجاءت العملية إثر ورود معلومات وتحريات أشرفت عليها النيابة العامة، ليتبين أن من بين المتهمين، المدير العام السابق للأمن عبد الغني زعلان، المودع رهن الحبس المؤقت، في حين أرسل ملف وزيرين سابقين للنائب العام، لدى مجلس قضاء تيبازة غرب العاصمة، في إطار امتياز التقاضي طبقاً للمادة 573 من قانون الإجراءات الجزائية. وتتمثل التهم الموجه لهؤلاء في "مخالفة التشريع والتنظيم الخاصين بالصرف وحركة رؤوس الأموال من وإلى الخارج" و "تبييض الأموال في إطار جماعة إجرامية منظمة" و "إساءة استغلال الوظيفة" و "استغلال النفوذ".
جرائم لا تعد ولا تحصى
يعتقد المحلل السياسي حسين بولحية في حديث لـ "اندبندنت عربية"، أن لجوء العدالة الجزائرية إلى تفتيش منازل كبار المسؤولين السابقين، كانت خطوة متوقعة لاسترجاع ما سماه بـ"الأموال المدفونة"، أي البعيدة من الأنظار، مضيفاً "سبق وأن ناديت بضرورة تفتيش بيوت هؤلاء، بمن فيهم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، لأن المعلومات تُفيد بأن هناك أموالاً طائلة مخبأة وهدايا دولية مُنحت للجزائر واستفاد النظام السابق منها".
ويوضح بولحية "المؤكد أنه لا يمكن إعفاء بوتفليقة من المحاسبة والمتابعة القضائية، لأن جرائمه أكثر من أن تُعد وتحصى، فهو مسؤول تنفيذي وسياسي عن كل الجنح والفساد التي حصلت طيلة فترة حكمه، متابعة الرئيس السابق قضية وقت وظروف بعضها موضوعي وآخر مرتبط بالظرف السياسي الذي تمر به البلاد".
ويتعلق الجانب الموضوعي تحديداً باعتقاد المحلل السياسي "في عدم وجود محكمة مختصة تحاكم الرئيس عن أية جرائم أو تجاوزات سرقة وفساد تحصل لدى توليه المسؤولية، وواضح أن رفض بوتفليقة لتشكيل هذه المحكمة التي نص عليها الدستور كان نابعاً من إيمانه بأنه شخص فاسد وكان يريد النجاة من المتابعة. مع هذا أجزم أنه سيحاسب، وقد يكون ذلك قريباً على الرغم من كل المعوقات الموجودة".
هل يدفع أويحيى الثمن؟
ومع استمرار تحقيقات القضاء في ملفات الفساد، تبين أن رئيس الوزراء الجزائري السابق أحمد أويحيى، متورط في كل القضايا المعلن عنها حتى الآن. ويقول أحد المقربين منه في حديثه لـ "أندبندنت عربية"، أنه لم يكن يتوقع أن يصل فساد الرجل إلى هذا الحد وتورطه في كل الملفات.
المتفاجئون من أحمد أويحيى، كثر على ما يبدو، إذ كتب المحامي عمار خبابة على "فيسبوك"، تعليقاً عن مثول رئيس الوزراء الأسبق بشكل دوري (حوالى 6 مرات) أمام المحكمة العليا، "لم أظن يوماً أن أحمد أويحيى، متورط لهذا الحد". وخبابة من المحامين الذين اعتذروا عن عدم الدفاع عن مسؤولين ورجال أعمال اتهموا بالضلوع في قضايا فساد أودعوا بسببها الحبس المؤقت في سجن الحراش بالجزائر العاصمة، إضافة إلى متهمين أودعوا الحبس المؤقت في السجن العسكري بضاحية البليدة، منهم شقيق الرئيس السابق السعيد بوتفليقة ورئيسا جهاز الاستخبارات، محمد مدين المعروف باسم التوفيق وبشير طرطاق.
في المقابل، يعتقد المحلل السياسي حسين بولحية، أن تورط رئيس الوزراء الجزائري السابق، أحمد أويحيى، في كل قضايا الفساد المعلن عنها لحد الآن، "دليل على أنه من رجالات القوى غير الدستورية التي حكمت البلاد، وأحد صانعي لوبيات الفساد والمصالح بدءاً من رجل الأعمال محي الدين طحكوت وعلي حداد، الموجودين رهن الحبس المؤقت، وآخرون موجودون في قطاعات أخرى، دعمهم أويحيى بطرق غير قانونية".
وبالنسبة إلى بولحية فإن رئيس الوزراء الجزائري السابق، وخلال قيادته للحكومة مرات عدة ، "ألحق ضرراً كبيراً بالبنية التحتية للاقتصاد، وأسهم في إفساد الحياة السياسية وتدمير ممنهج للأحزاب السياسية والمنظمات الوطنية والنقابات وجمعيات المجتمع المدني، وفي كل الخروقات الدستورية التي وقعت فهو أحد صانعيها".
يقول بولحية عن أويحيى، المحبوس احتياطياً بتهم فساد منذ يونيو (حزيران) الماضي، أنه رجل المهمات السيئة الذي وظف من طرف الدولة العميقة والقوى غير الدستورية التي جاءت بعد انقلاب 1991، موضحاً أنه "كان جوهرة بين يدي هذه القوى فخدموا به وخدم بهم ومعهم من أجل إلحاق أكبر الأضرار بمؤسسات الدولة الجزائرية، وكانت ولاءاتهم دائماً "فرنسية"، حيث عارض أويحيى كل مشاريع الاستثمارات التي ربطها بوتفليقة مع رجال أعمال عرب".
والمعروف عن أويحيى، عدم إخفائه رغبته في خدمة النظام الجزائري، إضافة إلى قبوله لكل المهمات والمناصب التي عرضت عليه، والتي كانت معظمها غير شعبية على غرار سجنه لآلاف الكوادر في تسعينيات القرن الماضي، في إطار حملة سماها "الأيادي البيضاء"، والتي ظلت "وصمة عار" تلاحقه طوال مساره، ولجوئه إلى قرار طبع النقود نهاية عام 2017 بحجة تمويل الخزينة العمومية.