أثار الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون حالاً من الجدل والحيرة بشأن كشفه عن العثور على 36 مليار دولار لدى عائلة، فضخامة المبلغ دفعت بعضهم إلى الاعتقاد بأن هناك خطأ ما، بخاصة أن الرقم يقترب من موازنات دول، بينما استغرب آخرون من حجم الفساد السابق، بينما لم يخرج أي رد رسمي أو توضيح بشأن حقيقة المبلغ الذي كشف عنه تبون.
رقم صادم
وقال الرئيس الجزائري خلال افتتاحه أشغال لقاء "الحكومة-الولاة"، لدى تطرقه لمحاربة الفساد، "اكتشفنا أن عائلة واحدة كانت تملك 500 ألف مليار سنتيم (نحو 36 مليار دولار)، ونوجه آخر نداء لأصحاب الأموال المكدسة لإيداعها في البنوك، وقد قدمنا ألف ضمان لحماية المواطن والاقتصاد الوطني". أضاف "نتمنى القطيعة مع المال الفاسد الذي لا يزال منتشراً في البلاد". وتابع أنه "لو كان هذا المال قد بقي لأصبحت الجزائر قوة اقتصادية قارية ومتوسطية. لا نقول عفا الله عما سلف، سنحاسب المتسببين، ويجب ألا نعاود تكرار مثل هذه الأخطاء".
ولم يمر رقم 500 ألف مليار سنتيم، من دون أن يترك وراءه تساؤلات ويطرح استفهامات، لضخامة المبلغ المالي، وقد بلغ الاستغراب حد التفكير في طريقة التخزين، وكذا مكان الإخفاء ووزن هذه الأوراق، وهو ما أشار إليه الإعلامي المهتم بالشؤون الاقتصادية محمد وليد مدكور، في حديث مقتضب لـ"اندبندنت عربية"، حين أوضح أنه "بالتأكيد هناك خطأ، لأن المبلغ ضخم جداً، ومن المستحيل أن يكون لدى عائلة واحدة". وتابع "ربما القصد هو 3.6 مليار دولار".
خطأ وليس مبالغة
من جهته، أكد رئيس جمعية المستشارين الجبائيين بوبكر سلامي، أن الرقم مهول ويمثل أكثر من نصف نفقات موازنة 2023. وقال، "إن لم يكن هناك خطأ، فإن المبلغ يعطي صورة عن حجم الكتلة النقدية المتداولة في السوق الموازية، وتصريح الرئيس الجزائري يدق ناقوس الخطر، بضرورة محاربة تلك الظاهرة بسرعة وقوة وإصرار، وبكل الطرق المتاحة، لأن كل الإجراءات التحفيزية لم تأت بنتيجة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وشدد سلامي على أنه "حان الوقت للضرب بيد من حديد عن طريق توفير وسائل الدفع الإلكترونية والبنكية، وتسهيل العمليات والخدمات البنكية والسرعة في التنفيذ، ومنح كل الضمانات لأصحاب الأموال التي ستودع لدى البنوك، وتغيير كل الأوراق النقدية في أجل طويل يمتد على ستة أشهر أو سنة لتجنب الاكتظاظ والطوابير، وتسقيف السحب النقدي، وتطبيق ضريبة سبعة في المئة على الأموال المودعة التي لا يثبت أصحابها مصدر اكتسابها". وختم بأن "الرقم ضخم جداً وربما هناك خطأ وليس مبالغة، لكن مهما كان المبلغ نحن نتحدث عن الظاهرة أو المرض الذي ينخر الاقتصاد الوطني".
وسبق أن أعلنت السلطات الجزائرية في 22 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، استعادة ما يقارب 20 مليار دولار من الأموال المنهوبة، كما أبرزت أن أغلب دول الاتحاد الأوروبي أبدت استعدادها للمساعدة في استرجاع الأموال المهربة في عهد الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، وحركت طلبات دولية عبر إنابات قضائية لبلدان، إما تحتضن فاسدين فارين أو حسابات بنكية مشبوهة.
تساؤلات
إلى ذلك، بيّن الإعلامي محمد دلومي، أن "تصريحات الرئيس تبون أثارت تساؤلات كثيرة، إذ جدد هذا المبلغ الكبير الذي كان خارج البنك الحديث عن حجم الفساد والعائلات المستفيدة منه خلال فترة حكم الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة، مشدداً على أن "الرقم يحيلنا إلى نقطتين مهمتين، الأولى حجم الفساد الكبير الذي كاد يقضي على الدولة الجزائرية، والثانية إصرار السلطات على محاربة الظاهرة من دون هوادة".
وتابع دلومي أن "كشف الرئيس الجزائري عن المبلغ الذي تبعه تهديد موجه لأصحاب الأموال المكتنزة خارج البنوك، وإنذارهم للمرة الأخيرة، فيه دلالة على عزم الحكومة الذهاب بعيداً في محاربة ظاهرة الفساد، ورسالة طمأنة قوية للشعب بأن ملفات الفساد لم تغلق بعد، وأن العدالة والجهات الأمنية تعمل في صمت للكشف عن مزيد من خيوط المؤامرات المتعلقة بفساد عائلات أو أفراد، سواء تعلق الأمر بمسؤولين تقلدوا مناصب عليا أو أشخاص طبيعيين اغتنوا بطرق غير شرعية".