يؤمن قطاع النقل البحري نقل الكمية الأوفر من الصادرات والواردات التونسية، إذ تمكن الموانئ المحلية نقل 98 في المئة من المبادلات التجارية الخارجية لتونس عن طريق سبعة موانئ. وتتوزع بين الشمال ووسط البلاد وجنوبها، لكن يظل ميناء "رادس" شريان الحركة التجارية البحرية وهو الواقع جنوب العاصمة تونس، وذلك بفضل تخصصه في الحاويات والمجرورات، لكنه يواجه انتقادات من قبل المنظمات والهياكل الممثلة للمؤسسات التونسية بسبب المستوى المنخفض للإنتاجية مقارنة بالمعايير الدولية وما توفره الموانئ المنافسة والمجاورة.
ويتجسد تراجع أدائه في بطء تفريغ الشحنات والخسائر الناتجة من ذلك. وما يشوب إدارته من سوء تسيير، مما يفوت على البلاد الفرص المرتبطة بإعادة تنظيم سلاسل القيمة العالمية. ووفق متخصصين ذهبوا إلى أن تحسين أداء الميناء هو الشرط الأساسي لإنجاح المخطط التنموي 2022-2025.
في حين خسر الميناء مراتب عدة في ترتيب مؤشر أداء موانئ الحاويات العالمي الذي أصدره البنك الدولي.
ويؤمن مينـاء "رادس" 21 في المئة من مجمـوع العمليات التجارية البحرية، و79 في المئة من حمولـة البضائع الموجودة بالحاويات، و76 في المئة من حمولة البضائع المحمولة على الوحدات السيارة، و76 في المئة من الحـاويات بقياس 20 قدماً، و80 في المئة من المجرورات، و18 في المئة من السفن المسجلة بالموانئ التجارية للبلاد التونسيـة.
وقال وزير النقل ربيع المجيدي "إنه من أهم أهداف الوزارة رفع مؤشرات الأداء ومستوى الخدمات بالميناء والنهوض بالبنية التحتية، مما يحوله دعامة لعمليات التوريد والتصدير، بحكم أن 98 في المئة من المبادلات التجارية يتم تأمينها عبر البحر ونحو 65 في المئة من عدد الحاويات يمر عبر ميناء رادس".
وفي هذا الإطار تم اتخاذ إجراءات بهدف مزيد إحكام استغلال هذا الميناء بخاصة على مستوى المسائل المتعلقة بالصحة والسلامة والبيئة والترفيع من طاقة استيعاب مسطحاته. وهي الرفع من جاهزية معدات الشحن والتفريغ وتوفيرها بالعدد الكافي، ومزيد من تهيئة الفضاءات المخصصة لتفتيش المجرورات وصيانة بعض الأماكن من المسطحات بمناطق الخزن، وإعداد وتنفيذ برنامج التصرف في الحاويات ذات المكوث المطول والحاويات الفارغة المتروكة بالميناء والحاويات المبردة بالتنسيق مع الأطراف المتدخلة، وتعزيز إجراءات المراقبة وإعداد وتنفيذ برنامج لإعادة تفعيل نظام التصرف الآلي في الحاويات والمجرورات واستكمال رقمنة الإجراءات المينائية عند التصدير.
تراجع الترتيب
في الأثناء احتل ميناء "رادس" المرتبة 237 عالمياً، من ضمن 370 ميناء في إطار مؤشر أداء محطات الحاويات حول العالم الذي أصدره البنك الدولي سنة 2022. في حين شهدت موانئ الشرق الأوسط تقدماً ملحوظاً، وورد أن موانئ في السعودية كانت في مقدمة التصنيف بمعدل 98 حاوية في الساعة متقدمة على موانئ شمال أميركا والتي تصل معدلاتها 26 حاوية في الساعة. وقد احتل ميناء شرق بورسعيد بمصر المرتبة 15، متقدماً على أشهر الموانئ الأوروبية والأميركية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأفاد تقرير البنك الدولي أن الترتيب يعتمد على الوقت الذي تحتاج إليه السفن للبقاء في الميناء لإكمال أعمال الشحن والتفريغ سنة 2021، وهي الفترة التي شهدت تكدساً غير مسبوق في الموانئ العالمية وتعطل سلاسل التوريد.
وخسرت تونس خلال السنوات العشر الماضية 40 مركزاً في الترتيب الدولي الذي وضعه البنك الدولي للإنشاء والتعمير من حيث القدرة التنافسية لخدمات الموانئ، وتدحرجت من المرتبة 30 في عام 2007 إلى المركز 105 في عام 2018.
وقد بلغ متوسط مدة بقاء الحاويات في ميناء رادس قبل التفريغ 18 يوماً سنة 2019، بينما لم تتجاوز المدة 10 أيام قبل عشر سنوات، وهي تتراوح بين ستة وسبعة أيام بالمغرب.
ويذكر أن شركة CMA-CGM وهي مالك سفينة حاويات فرنسية قد أرسلت إلى سلطات ميناء رادس تعلن فيها الوقف الفوري لتعاملها في ميناء رادس نظراً إلى التأخير المسجل في وجهة الميناء، وتراكم الحاويات وبقائها في الميناء لمدة تصل إلى 25 يوماً في المتوسط بسبب الازدحام والانتظار، مما يؤثر سلباً في إنتاجية الشركة وفق المراسلة.
سوء إدارة وخسائر
وتلاقي مختلف الأطراف الناشطة بالميناء انتقادات شديدة من قبل المنظمات والهياكل الممثلة للمؤسسات التونسية، وتتمثل هذه الأطراف في الجمارك والرقابة الفنية والشركة التونسية للشحن والترصيف والشركة التونسية للملاحة.
ونبه شكيب بن مصطفى رئيس المجمع المهني للمستشارين بكونفيدرالية مؤسسات المواطنة التونسية "منظمة مستقلة" إلى الانعكاسات الوخيمة للمستوى المنخفض للإنتاجية في ميناء رادس، مقارنة بالمعايير الدولية وما توفره البلدان المنافسة والمجاورة، باعتبار أن أكثر من 80 في المئة من المبادلات التجارية تمر عبره، معتبراً أن البطء في الميناء حوله إلى أحد مكبلات الاقتصاد التونسي، وكبد البلاد خسائر قدرها مليار دينار (328 مليون دولار) سنوياً بسبب ضعف الأداء. داعياً الحكومة والأطراف المعنية إلى اتخاذ الإجراءات الضرورية لتأمين استمرار الخدمات وحماية المصالح العليا والاستراتيجية للبلاد. ويمر ذلك عبر تحسين البنية التحتية بتشريك القطاع الخاص في إطار الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
بينما قال بدر الدين قمودي الرئيس السابق للجنة الإصلاح الإداري ومحاربة الفساد بالبرلمان المحلول إن المعدات ونظام المعلومات في ميناء رادس لا يعملان بشكل صحيح علاوة على سوء الإدارة، مما أدى إلى تلويث سمعة الميناء.
وأشار علي العبيدي نائب رئيس الاتحاد التونسي للمؤسسات الصغرى والمتوسطة (هيئة مستقلة) في تصريحه لـ"اندبندنت عربية" إلى أن الأداء اللوجيستي الضعيف للموانئ التونسية والفساد المسجل في إداراتها يمنعان تحقيق نسب النمو المرجوة، بحكم أن حركة الحاويات هي الرابط الحاسم في مشاركة تونس في سلاسل القيمة الإقليمية والعالمية، لكن مؤشرات أدائها تتراجع من يوم إلى آخر.
ويبلغ متوسط وقت التسليم للحاويات في ميناء "رادس" 20 يوماً في أفضل الحالات. وتؤثر الكلفة الناجمة عن أوجه القصور هذه تأثيراً كبيراً في الاقتصاد التونسي، فهي تكبد الدولة خسائر مالية تنعكس مباشرة على المؤسسات الموردة والمصدرة عن طريق الأداءات المجحفة التي تفرض عليها.
ويعزى القصور وفق العبيدي إلى الجمارك ومراكز المراقبة التقنية والشركة التونسية للشحن والتفريغ بسبب بطء المعاملات واللجوء إلى عمليات إعادة تقييم البضاعة. ويضاف إلى بطء التسليم الانتظار على الرصيف، وتؤدي فترات الانتظار الطويلة هذه إلى كلف إضافية على الشركة التونسية ومشغلي الأعمال.
وتظل السفن فترات تمتد إلى أشهر في عرض البحر في انتظار دخول الميناء، أما في الميناء فتنتظر لمدة 36 يوماً بين 19 يوماً في انتظار الرصيف و17 يوماً في التفريغ والتحميل، ويتم احتساب رسوم الرسو التي تفرضها الشركة التونسية من تاريخ بدء التفريغ. ويؤدي التأخير إلى كلف إضافية على مالك السفينة يجب أن تدفعها الشركة التونسية بالعملة الأجنبية، وفي نهاية المطاف يتحملها القطاع الخاص مما يوفر مساحة لتفشي الفساد والرشوة، وفق العبيدي، الذي دعا إلى تطوير القوانين الجمركية لسد الثغرات الممهدة للبيروقراطية والفساد الإداري.