مع إسقاط #الطائرات_المقاتلة_الأميركية أجساماً طائرة مجهولة في الفضاء القريب، ثارت تساؤلات عدة حول طبيعة هذه الأجسام وتعددت التحليلات حول ما إذا كانت جزءاً من #برنامج_صيني للمراقبة والتجسس أم أشياء أخرى مجهولة تضاعف رصدها خلال الأشهر الأخيرة مقارنة بالعقدين الماضيين. فما طبيعة التفسيرات العلمية والاستخباراتية لهذه الأشياء التي نفى البيت الأبيض أنها من خارج الأرض؟
أسئلة عالقة
في وقت يحاول فيه مسؤولو وزارة الدفاع الأميركية "البنتاغون" ومجتمع الاستخبارات فهم وتفسير طبيعة ثلاثة أجسام طائرة مجهولة الهوية حلقت فوق كندا وولايتي ألاسكا وميشيغان الأميركيتين، خلال نهاية الأسبوع الماضي، قبل أن تسقطها الطائرات المقاتلة، تظل بعض الأسئلة عالقة حول سبب زيادة ظهور هذه الأجسام المجهولة ومن أرسلها إلى الأجواء الأميركية والكندية وما إذا كان هناك مزيد من هذه الأشياء.
وفي حين يبدو أن الجيوش الأميركية والكندية أصبحت شديدة اليقظة في تحديد بعض الأشياء التي كانت تمر في السابق عبر الفضاء القريب من دون رصدها، إلا أن حادثة منطاد التجسس الصيني الأول في الرابع من فبراير (شباط) الجاري، كانت السبب الحقيقي في اتخاذ إجراءات مختلفة أدت إلى تعديل مرشحات وحساسية أجهزة الرادار بحيث تلتقط مزيداً من الأشياء بناءً على أوامر من الرئيس جو بايدن وفقاً لما قاله جون كيربي المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، وهو ما يفسر سلسلة المشاهدات التي أدت إلى إسقاط الأجسام الثلاثة المجهولة.
ليست من الفضاء الخارجي
وبينما يراجع المسؤولون الأميركيون مقاطع الفيديو وقراءات أجهزة الاستشعار الأخرى التي جمعها الطيارون الذين راقبوا الأجسام الطائرة المجهولة قبل تدميرها، من المتوقع ألا يتم تأكيد الطبيعة الدقيقة للأشياء، ومن أين أتت وما المقصود منها، حتى ينتهي مكتب التحقيقات الفيدرالي والشرطة الكندية من فحص الحطام بدقة، لكن السكرتيرة الصحافية للبيت الأبيض كارين جان بيير أوضحت، بجلاء، أنه لا يوجد مؤشر إلى وجود كائنات فضائية، رداً على الاستفسارات التي انتشرت بسرعة في وسائل الإعلام الأميركية عقب تصريح الجنرال غلين دي فانهيرك، قائد القيادة الشمالية للقوات الجوية الأميركية "نوراد"، والتي لم يستبعد فيها أي شيء بما في ذلك أن تكون الأجسام المجهولة من خارج كوكب الأرض.
ومع ذلك، لم يخفف هذا النفي من حجم القلق الذي يعتري القادة العسكريين ومسؤولي الاستخبارات في الولايات المتحدة، فقد طالب لويس إليزوندو، ضابط الاستخبارات العسكرية الذي أدار برنامج "البنتاغون" حول الأجسام الطائرة المجهولة حتى عام 2017، إدارة الرئيس بايدن بإيجاد طريقة لوقف الأجسام المجهولة التي تظهر في سماء أميركا وعدم الاكتفاء باليقظة.
مشكلة الظواهر المجهولة
ومن الواضح أن إليزوندو يشير إلى التقرير الذي أصدره مكتب مدير الاستخبارات الوطنية، الشهر الماضي، والذي كشف عن نتيجة مذهلة، وهي أن عدد مشاهدات الأجسام الطائرة المجهولة المعروفة باسم "يو أف أوه" زادت بشكل كبير بين مارس (آذار) 2021 وأغسطس (آب) 2022، حيث تم الإبلاغ عن 247 مشاهدة جديدة، معظمها من قبل طيارين وأفراد البحرية الأميركية والقوات الجوية، وهو ما يعادل أكثر من ضعف المشاهدات التي سجلت على مدى 17 عاماً في الفترة بين 2004 و2021، والتي بلغت 144 مشاهدة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعلى رغم أن التقرير رجح أن تكون هذه الزيادة بسبب تشجيع "البنتاغون" أفراد الخدمة للإبلاغ عن أي تحركات أو أجسام غريبة أو غير طبيعية يرونها في السماء، إلا أن بيتر بيرغن محلل الأمن القومي ونائب رئيس مؤسسة "نيو أميركا"، اعتبر أن ظهور الأجسام الغريبة في المجال الجوي الأميركي قد تكون مشكلة أكبر مما كنا نظن، مشيراً إلى أن مجتمع الاستخبارات أجرى دراسات بناءً على طلب من الكونغرس حول الظواهر الجوية المجهولة أو غير المحددة، والتي حددت بدقة جهوداً لم يتم اكتشافها سابقاً للتجسس والمراقبة على التدريبات العسكرية والقواعد العسكرية الأميركية، وأنه على رغم التأكد من أن عديداً من هذه الظواهر كانت تتعلق بمناطيد وطائرات من دون طيار "درون"، فإن هناك 171 مشاهدة لأجسام غير محددة لم يتم العثور على تفسير لها، وبعض هذه الأجسام أظهرت خصائص طيران غير عادية أو قدرات أداء خارقة.
وما يثير مزيداً من الشكوك، ما نشرته صحيفة "نيويورك تايمز"، هذا الشهر حول وثيقة سرية ذات صلة تحدثت عن حادثتين على الأقل في قواعد عسكرية أميركية، يمكن أن يكونا أمثلة على التكنولوجيا الجوية المتقدمة التي ربما طورتها الصين أو قوة أجنبية أخرى خصم للولايات المتحدة.
نظرية مقلقة
لكن النظرية الأكثر إثارة للقلق، والتي يدرسها بعض المسؤولين الأميركيين هي أن الأشياء يتم إرسالها من قبل الصين أو قوة أخرى، تحاول التعرف على قدرات الرادارات الأميركية وأنظمة الإنذار المبكر. ويشير مسؤول كبير في الإدارة إلى أن إحدى النظريات تتوقع أن الصين أو روسيا أرسلت هذ الأشياء المجهولة لاختبار القدرات الأميركية في جمع المعلومات الاستخباراتية، ولمعرفة مدى سرعة إدراك الولايات المتحدة لهذا الاختراق ومدى سرعة رد الجيش على مثل هذا التوغل.
ويتوافق المسؤولون الأميركيون في اعتقادهم أن منطاد التجسس الذي عبر الولايات المتحدة كان آلة صينية تهدف إلى مراقبة القواعد العسكرية الأميركية، وأن الصين كانت لديها على الأقل قدرة محدودة على توجيهه، كما كان المنطاد مزوداً بآلية تدمير ذاتي، لكن بكين لم تستخدمها، في إشارة محتملة إلى رغبة المسؤولين الصينيين في مواصلة جمع المعلومات الاستخباراتية، حتى بعد اكتشاف المنطاد.
أزمة أكبر
ويعتقد مراقبون أميركيون أنه إذا كان أي من الأجهزة التي تم تدميرها في أميركا الشمالية خلال الأيام الماضية صينية، فسيكون ذلك بمثابة استفزاز كبير في أعقاب بالون التجسس، وهو ما قد يؤدي إلى صب مزيد من الزيت على نار أزمة تتصاعد بين البلدين، واستعداد بكين للرد، بخاصة بعد أن ذكرت صحيفة صينية أن السلطات البحرية المحلية في مقاطعة شاندونغ، على الساحل الشرقي، رصدت جسماً طائراً مجهولاً في المياه قرب مدينة ريتشاو، وكانت تستعد لإسقاطه، وهو ما نفته ميليسا دالتون مساعدة وزير الدفاع الأميركي.
ويشكل هذا الاتهام الصيني نذير خطر بالتصعيد، ويشغل الأميركيون بشكل روتيني طائرات استطلاع في منطقة المحيط الهادئ، لكنها بعيدة عن المجال الجوي الصيني، بحسب ما أعلن البيت الأبيض، ومع ذلك، قد تكون للولايات المتحدة طائرات استطلاع في المساحة الشاسعة التي تطالب بها الصين من الأراضي البحرية قبالة ساحلها الجنوبي ضمن ما تسميه بكين الخطوط التسعة الفاصلة، والتي تمتد إلى المياه الفيليبينية والماليزية.
وإذا كانت أنشطة التجسس والمراقبة الجوية الأميركية تجري في تلك المنطقة، أو فوق تايوان التي تطالب بها الصين أيضاً باعتبارها مقاطعة منشقة، فقد تكون الطائرات الأميركية في خطر متزايد من التعرض للإسقاط كجزء من التصعيد أو سوء التقدير.
حروب التجسس المتبادلة
وعلى وقع تفاقم الأزمة الدبلوماسية، اتهم المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية وانغ وين بين الولايات المتحدة بأنها تدير "أكبر شبكة تجسس في العالم"، وأنها أجرت مراقبة عالمية واسعة النطاق، بما في ذلك السيطرة والتنصت على الاتصالات الإلكترونية التي أساءت إلى خصوصية المواطنين عبر العالم، كما قال إن الولايات المتحدة أرسلت 10 مناطيد بشكل غير قانوني إلى المجال الجوي الصيني منذ العام الماضي، وهو اتهام أدى إلى نفي فوري وغاضب من البيت الأبيض. وأشارت أدريان واتسون المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي إلى برنامج منطاد التجسس الصيني. وقالت إن بكين حتى يومنا هذا فشلت في تقديم أي تفسيرات موثوقة لاقتحام المجال الجوي الأميركي ومجال الآخرين.
وعلاوة على ذلك، اتهم جون كيربي منسق مجلس الأمن القومي الأميركي للاتصالات الاستراتيجية الصين بأن لديها برنامج منطاد مرتبطاً بالجيش لجمع المعلومات الاستخباراتية على ارتفاعات عالية، وذلك بعد أيام من إعلان إدارة بايدن أن الصين أرسلت مناطيد تجسس لأكثر من 40 دولة في خمس قارات، منتهكة بذلك سيادتها، من بينها منطاد صيني حلق على ارتفاع عالٍ بالقرب من منشآت عسكرية أميركية حساسة في الشرق الأوسط، الخريف الماضي، بعد أن انطلق من الصين أو بالقرب منها وسافر غرباً نحو الشرق الأوسط، وهو الاتجاه المعاكس للرياح السائدة، مما يشير إلى أن الآلة التي تحركه لها مصدر دفع خاص بها.
دوامة هبوط
ويشير القصف المتبادل إلى مدى سرعة تحول برامج التجسس بين البلدين إلى نقطة توتر متجددة في علاقة عالقة في دوامة هبوط بعد أن سعى بايدن والرئيس الصيني شي جينبينغ، منذ اجتماع عقد في بالي بإندونيسيا، لتحقيق الاستقرار في العلاقات، لكن الغضب الذي أحدثه بالون التجسس أدى إلى تفجير تلك الجهود.
ووفقاً لصحيفة "نيويورك تايمز"، تدير الولايات المتحدة برامج تجسس واسعة النطاق تستهدف الصين، حيث كشف اصطدام طائرة تجسس إلكترونية أميركية وطائرة مقاتلة صينية عام 2001، عن نطاق جهود واشنطن لجمع الاتصالات الإلكترونية، وعلى رغم أن تلك الطائرة كانت بعيدة عن الساحل الصيني، فإن وكالة الأمن القومي الأميركي تمكنت من اختراق شبكات شركة الاتصالات الصينية الرائدة "هواوي"، وتعقبت الجنود الصينيين أثناء قيامهم بنقل الأسلحة النووية، ومع ذلك تمكنت الصين من ضبط وتدمير شبكة التجسس التابعة لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية على الأراضي الصينية منذ أكثر من عقد، بينما تحاول الولايات المتحدة إعادة بنائها.
في المقابل، فعلت الصين الشيء نفسه مع الولايات المتحدة، حيث سرقت تصميمات مقاتلة الشبح "أف-35"، وملفات التصريحات الأمنية لنحو 22 مليون أميركي من قواعد بيانات مكتب إدارة شؤون الموظفين، كما اخترقت خوادم البريد الإلكتروني لشركة "ميكروسوفت" عام 2021 واستخدمت الجواسيس والعلماء في سرقة المعلومات التجارية والتكنولوجيا والبحوث.
أمل في ضبط التوتر
على النقيض من ذلك، قالت صحيفة "واشنطن بوست"، إن الأمل لم ينقطع في إمكانية تحسين العلاقات مع بكين. وأشارت إلى أنه عندما أسقطت الصين منطاد تجسس أميركياً داخل حدودها عام 1974، تعاملت الدولتان مع هذه الحادثة بهدوء، وأعادت الصين والولايات المتحدة بناء العلاقات الدبلوماسية بعد انقطاع دام 23 عاماً، وأبقت الحكومة الصينية الحادث مخفياً من خلال وصفه بأنه سر عسكري، وفقاً لما ذكرته مجلة تديرها مدرسة تابعة للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني.
ومع تصاعد الاحتكاك، لم يقل وزير الخارجية أنتوني بلينكن متى سيعيد جدولة رحلته التي ألغاها إلى بكين خلال الضجة التي أحدثها منطاد التجسس، وبينما يتوقع البعض لقاء رفيع المستوى مع بلينكن في ألمانيا حينما يحضر هو ووانغ يي، كبير مسؤولي السياسة الخارجية في الصين، مؤتمر ميونيخ الأمني السنوي الذي يبدأ يوم الجمعة المقبل، إلا أن نيد برايس المتحدث باسم وزارة الخارجية قال إنه لا يوجد اجتماع حتى الآن على جدول أعمال الوزير الأميركي، لكن حينما يهدأ غبار المعركة الدائرة الآن، قد تكون الفرصة سانحة لتحسين العلاقات أو على الأقل الحيلولة دون دفعها إلى نقطة ساخنة أخرى.