مع اقتراب الموعد الانتخابي، تشهد الساحة السياسية في تونس تقلبات عدة تكاد تكون مثيرة، على غرار تقدّم حركة النهضة الإسلامية بقوائم انتخابية تضم فتيات جميلات غير محجبات لخوض المعركة الانتخابية.
واعتبر البعض وجودهن تسلقاً وانتهازية للوصول إلى قبة البرلمان على حساب حتى مبادئهن، مما جعل مرشحة النهضة غير المحجبة الشابة تسنيم قزبار تجيب قائلة، "محجّبة وغير محجّبة هي مرأة تونسيّة، وكل حر في اختيار لباسه ولا فائدة في الرجوع بنا إلى حوارات عقيمة يراد من ورائها خلق الفتن لا غير".
وأضافت عبر صفحتها على "فايسبوك"، "نحن نساء تونس بحجابنا أو لباسنا، المهمّ عقولنا وكفاءاتنا العلميّة وخبرتنا المتميّزة، نخوض معاً كلّ الميادين وكلّ المعارك جنباً إلى جنب من دون قيد أو شرط لخدمة هذا الوطن، المرأة ليست مظهراً بل هي قيمة ثابتة معنوياً وعلميّاً".
النأي بالدين عن المعارك السياسية
لكن وجود نساء غير محجبات لم تكن ظاهرة جديدة داخل الحركة الإسلامية في تونس، فبعد الثورة صعدت سعاد عبد الرحيم للبرلمان التونسي عن حركة النهضة كأول امرأة غير محجبة تنتمي إلى الحركة والتي أصبحت بعد ذلك أول شيخة لمدينة تونس، وهو منصب كان حكراً على الرجال منذ الاستقلال.
لكن هذه المرة ارتأى راشد الغنوشي رئيس الحركة أن تكون فكرة وجود نساء في القائمات الانتخابية أكثر جرأة من خلال وجود فتيات أكثر تحرراً، فكراً ومظهراً من سعاد عبد الرحيم التي كانت تؤمن ببعض المواقف للحركة السلامية، وكأن بالغنوشي يريد التأكيد أنهم تغيروا، ولم يعد للأيديولوجيا مكاناً بينهم.
في السياق ذاته، قال راشد الغنوشي خلال المؤتمر العاشر للنهضة عام 2016، "إن النهضة تطورت خلال هذا المسار من حركة عقائدية إلى حزب وطني ديمقراطي مسلم مروراً بمرحلة كانت فيها حركة احتجاجية تدعو إلى الديمقراطية"، موضحا أن "الحركة جادة في الاستفادة من أخطائها".
تكتيك الشيخ
في المقابل، ترى الناشطة السياسية المستقلة نزيهة رجيبة أن "هذا التغيير الذي تعيشه حركة النهضة الإسلامية، يعتبر تكتيكاً من شيخ الحركة لإيهام الناس قبل الانتخابات بالتغيير.
وتضيف "لا يمكن لحركة دعوية عمرها أربعون سنة أن تتغير بهذه السهولة لأن التغيير يأتي بالتدرج، كنت سأصدق الغنوشي لو نزع حجاب من ينتمين للنهضة بدلاً من الاستنجاد بفتيات من خارج هذا التنظيم لإيهامنا بأن الحركة أصبحت حداثية".
من جهته، يعتقد الباحث في الحركات الإسلامية بالجامعة التونسية محمد حاج سالم أن ما يسمى بالإسلام السياسي ظاهرة حركية متغيرة، مفسراً أن كل حركة إسلامية تتلون بحسب المجتمع الذي تعيش فيه.
وحول حركة النهضة يقول حاج سالم "ليس هذا أول تغير تعيشه الحركة، فمنذ ثلاث سنوات فصلت الدعوي عن السياسي". ويوضح "أن حركة النهضة بدأت حركة دعوية محضة، لكن عندما عاشت تونس ظروفاً في نهاية السبعينيات بعد الخروج من تجربة التعاضد الفاشلة، وكرد فعل عن الحداثة والتحديث القصري والفوقي الذي لم يراع خصوصيات المجتمع، أصبحت بعض الحركات السياسية تلقى في التعبير الإسلامي تعبيراً أيديولوجياً مثالياً، فتبنتها الحركة، بالتالي تغيرت مرة أخرى وأصبحت تمثل ما يسمى بالإسلام الاحتجاجي".
ويضيف حاج سالم "عاشت هذه الحركات، داخل هذا الثوب إلى حدود ذهاب بورقيبة وانقضاض بن علي على السلطة، حينها تبين أن الاحتجاج وحده لا يكفي فتحولت مرة أخرى إلى تبني خط سياسي، وإثر هذا التغيير انفصل العديد عن الحركة ممن يتبنى الخط الدعوي وبقيت الحركة في صراع مع السلطة للانقضاض عليها، وفي الفترة الأخيرة من حكم بن علي اعتمدت الحركة المنهج التصالحي في محاولة تدجين النهضة ومصالحتها مع النظام".
ثوب الحزب الحاكم
ويقول الحاج سالم "جاءت الثورة لحزب النهضة الإسلامي ككل الحركات السياسية والنخب في تونس مفاجأة، بالتالي وجدت النهضة نفسها بعد 2011 في قالب حزب في الحكم، مما يقتضي تغييراً على مستوى رابع لتكتسي ثوب الحزب الحاكم مع ما يقتضيه ذلك من تسطير نظريات جديدة والنظر إلى الأمور بنظرة مغايرة كمحاولة في أقلمة النهضة ذاتها مع مقتضيات الظروف".
ويشير الخبير في الحركات الإسلامية إلى أن "الحركة تمرست بالعمل الرسمي السياسي والدبلوماسي وتعرفت إلى دواليب الدولة وأصبحت لها تجربة، وهنا نصل إلى المرحلة الأخيرة من التغيير، وهي المرحلة الخامسة التي نرى تداعياتها الآن، أي مرحلة التجهّز لتخطي أخطاء الماضي والتمرس بطريقة إيجابية في مناصب الحكم وفي الإمساك بزمام الأمور".
وتقتضي هذه المرحلة بحسب تحليل حاج سالم "التخلص من بعض صقور النهضة المتزمتين دينياً والمتشبثين بالجانب الدعوى كالصادق شورو والحبيب اللوز.
هذا ما يفسر الأزمة التي تعيشها النهضة داخل مؤسساتها قبل الانتخابات التشريعية، إذ قام رئيس الحركة بإبعاد بعض رموز الحركة وتغييرها بأشخاص مستقلين لا علاقة لهم بالحركة على غرار بعض الفتيات غير المحجبات، وهي جزء من خطة التغيير.