ملخص
تعكف #الجزائر على منع الانزلاق في #مالي لأن ذلك يعني فتح جبهة أخرى على حدودها بعد #ليبيا وهي تدفع الفرقاء إلى تطبيق بنود #اتفاق_2015 خصوصاً دمج #المتمردين في الجيش
دفعت الجزائر بسلسلة من التحركات في مسعى إلى منع تقويض دورها في مالي، مع تصاعد الانتقادات للاتفاق الذي رعته عام 2015 بين الفرقاء في هذه الدولة التي تشهد تمرداً من الجماعات المتطرفة ودخول روسي قوي عبر مرتزقة "فاغنر".
واستقبل الرئيس عبدالمجيد تبون الذي تشترك بلاده مع مالي في حدود طولها 1400 كلم، وفداً عن متمردي تنسيقية الأزواد في قصر المرادية، وهي تنسيقية سبق لها أن أعلنت الانسحاب من اتفاق 2015 الذي وقع في الجزائر بعد الإخفاق في تطبيق بنوده.
المرحلة الأصعب
وشهد النزاع في مالي تطورات مثيرة في الأشهر الأخيرة بعد طرد القوات الفرنسية التي حلت محلها مرتزقة "فاغنر" الروسية، وهو أمر لم تعارضه الجزائر في الواقع، إذ سبق أن قال تبون في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، إن "كلفة مرتزقة فاغنر في مالي ستكون أكثر فائدة لو استثمرت اقتصادياً".
وتواجه الجزائر معادلة صعبة في مالي حيث تعكف على منع مزيد من الانزلاق، مما يعني فتح جبهة أخرى على حدودها بعد ليبيا، وأيضاً دفع الفرقاء إلى تطبيق بنود اتفاق 2015 خصوصاً دمج المتمردين في الجيش ووضع حد للعنف والمحافظة على الوحدة الوطنية.
واتفاق 2015 الذي وقع بحضور أطراف دولية آنذاك من بينها الولايات المتحدة، كان مع تنسيقية حركة الأزواد وأطراف أخرى في شمال مالي، لكن التنسيقية أعلنت في ديسمبر الماضي انسحابها منه احتجاجاً على عدم تنفيذ بنوده.
واعتبر المحلل السياسي الجزائري، جيلالي كرايس، أن "في أفريقيا وبخاصة في الساحل، لا شيء مضمون ولا شيء يمكن تأكيده، لا سيما عندما تكون الدولة غارقة في الفوضى وفي الصراعات، مع غياب حكومة شرعية ومنتخبة مثل الوضع في مالي وهو وضع جد مقلق".
وتابع كرايس في تصريح خاص أن "الاتفاق المبرم في الجزائر يمر بأصعب مرحلة، لذلك يجب التحرك بسرعة، فالاتفاقات غالباً ما تفشل بسبب عدم تحديد آجال أو عندما تكون الآجال طويلة المدى وغياب آلية التنفيذ والرقابة".
وقال "هنا يتحرك كل طرف وفق أولوياته وليس أولويات الاتفاق وبنوده. مشكلة مالي وكل دول الساحل هو التدخل الأجنبي، فالمجلس العسكري حقيقة أنهى الوجود الفرنسي لكنه اتجه إلى الوجود الروسي، وهو وجود غير رسمي بل في شكل شركة أمنية تستنزف مقدرات مالي التي تحتاج إلى كل دولار لخلق تنمية اقتصادية. ومن خلال استقبال الرئيس تبون بعض قيادات المتمردين، تكون الجزائر قد أكدت عزمها مواصلة العمل مع كل الأطراف لتجسيد الاتفاق والانتهاء من حالة عدم الاستقرار".
واستدرك المحلل الجزائري قائلاً "لكن مشكلة الانقلاب ووجود سلطة عسكرية ربما تعوق التقدم نحو تجسيد هذا الاتفاق الذي يعتبر مخرجاً لمالي من وضعها الاقتصادي الصعب، لكن الأمر ليس بهذه السهولة، والجزائر قدمت كل ما لديها وهي ملتزمة براعية الحوار المالي وتقديم كل التسهيلات للوصول إلى اتفاق".
وأعطت الجزائر أخيراً انطباعاً باهتمام أكبر بأفريقيا التي تغرق في صراعات بلا نهايات، سواء في مالي أو الكونغو الديمقراطية أو غيرهما من الدول التي أضحت مجالاً تتحرك فيه روسيا عبر "فاغنر".
وقال كرايس "على رغم كل ذلك يبقى الحل بيد الماليين سواء في المعارضة الشمالية أو المجلس العسكري في باماكو، فكلما طالت المدة فقد الاتفاق أهميته وقيمته، وجعل كل طرف يبحث عن حلول أخرى، فمشكلة الأفارقة هي المماطلة والارتهان لقوى أجنبية".
وشدد على أن "المجلس العسكري في باماكو يعول على شركة فاغنر الأمنية، وهنا تكمن المشكلة، والجزائر أعربت عن امتعاضها من هذا الوضع، إذ ترى أن التنمية الاقتصادية والإنفاق على تحسين الوضع الاقتصادي أجدر من الإنفاق على الشركات الأمنية والقوات الأجنبية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وضع "خطر"
وشهدت مالي في السنوات الأخيرة انقلابات عسكرية متتالية وسط فوضى أمنية تغرق فيها البلاد، مما يثير مخاوف من تمدد الجماعات المتطرفة التي تسعى إلى استثمار التنافس المحموم على النفوذ لتعزيز مواقعها.
وبحسب خبراء أمنيين، فقد "وجدت مالي كغيرها من الدول الأفريقية في قلب هذا التنافس المحموم بين روسيا والصين والولايات المتحدة، بينما وجدت فرنسا نفسها في خارج المعادلة بعد قرار المجلس العسكري طرد قواتها من البلاد بعد سنوات من حضورها في إطار عملية برخان الرامية إلى مواجهة الإرهابيين".
وقال وزير الخارجية التونسي السابق والخبير في الشؤون الدولية أحمد ونيس إن الأمر خطير في مالي لا سيما بعد تنامي خطر المتطرفين، وفق قوله.
وأضاف ونيس أن "الاضطرابات الداخلية سواء في مالي أو غيرها تمثل إهداراً للمال على السلاح واستبعاد الحوار الوطني، وهو تبديد للثروات الوطنية".
وشدد على أن "اتفاق عام 2015 يمكن تعديله أو تطويره أو تطبيق فقرات فقط وإهمال فقرات أخرى، المهم ليس تنفيذ اتفاق بل تتبع الأحداث بحسب تطورها، وهي تتطور بخطورة".
وإذ يمثل الحضور الروسي في مالي هاجساً يؤرق فرنسا والولايات المتحدة الأميركية فإن الجزائر بإمكانها الاستفادة من ذلك، بحسب ونيس.
وقال ونيس إن "تدخل الجزائر وبفعل العلاقة الخاصة التي تربطها بروسيا سهل عليها تتبع الأوضاع الداخلية لمالي".
وكان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في جولة أفريقية في فبراير (شباط) شملت مالي، حيث أشاد بالتحالف الجديد بين باماكو وموسكو في محاربة المتطرفين.
وفي ظل فشل الأطراف المتنازعة في مالي في وضع حد للعنف، فإن الثابت أن اتفاق الجزائر الذي وقع عام 2015 يمر باختبار جدي سيجعل السلطات الجزائرية تضع في سلم أولوياتها منع انهياره، خصوصاً أن أمن مالي يعد امتداداً لأمنها الداخلي.