ملخص
تصل تقديرات كلفة الدمار الذي خلفه #الحرب إلى أكثر من 630 مليار دولار... فما هي النصائح الأساسية لعملية #إعادة_إعمار ناجحة؟
تكتب المفاوضات نهاية كل الحروب، كما قال رئيس الوزراء الهندي السابق جواهر لال نهرو ذات مرة. ولكن جزءاً كبيراً من تلك المفاوضات، في الحرب الحديثة أقله، يكمن في تأمين المسار لإعادة إعمار البلاد وتعافيها.
تعيش أوكرانيا حرب خنادق وقصفاً متواصلاً في خضم الغزو الروسي المستمر منذ سنة مضت، وعلى رغم ذلك بدأت المفاوضات لضمان عملية إعادة الإعمار للبلاد. ولكن مع ذلك، من المهم جداً أن تكون العوامل الضرورية للنجاح متماسكة في خطة إعادة الإعمار الناشئة هذه.
لا ريب أن كلفة الإغاثة الطارئة واستعادة الخدمات الأساسية ستكون ضخمة. في أوائل ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي، قدّر البنك الدولي كلفة الدمار الذي خلفه الغزو الروسي لأوكرانيا منذ فبراير (شباط) 2022 بما يتراوح بين 525 مليار دولار و630 مليار دولار، ومنذ ذلك الحين لا تنفك الأضرار تتزايد. هائلة تبدو قائمة الدمار: إعادة بناء 25 ألف كيلومتر من الطرقات و320 جسراً و800 مستشفى ومئات آلاف المنازل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بلغت الحرب مبلغ مذبحة لم نشهد لها مثيلاً في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، مما دعا إلى عقد مؤتمرات، من يوليو (تموز) من العام الماضي في لوغانو وفي أكتوبر (تشرين الأول) في برلين وفي يونيو (حزيران) المقبل في لندن، في سبيل صياغة برنامج إعادة إعمار ينهض بالتصنيع والاستثمار في أوكرانيا.
ومع ذلك، بينما يعكف المسؤولون على لملمة تفاصيل وحقائق النجاحات التي حققتها خطط مماثلة في العراق وأفغانستان والبوسنة والإخفاقات التي منيت بها، يبدو جلياً أن إصلاح الدمار المادي لا يسعه أن يقود وحيداً عجلة التعافي الاقتصادي بعد الركود في الناتج المحلي الإجمالي الذي تسببه الحرب عادة.
في البوسنة، نتج من أربعة أعوام تقريباً من الصراع تراجع في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 78 في المئة، وبعد ثماني سنوات من إعادة الإعمار الشامل كانت البلاد لا تزال تحقق نسبة 28 في المئة أقل من مستويات الناتج المحلي الإجمالي قبل الحرب. ويشير المحللون إلى أن العصي في دواليب التقدم تمثلت في اعتماد البلاد المستمر على المساعدات الخارجية، إضافة إلى سوء الحوكمة.
في أوكرانيا، حيث تشير التقديرات إلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي في السنة الأولى من الحرب بأكثر من 40 في المئة، من الضروري كسر تلك العصي نفسها بغية تسريع عودة البلاد للازدهار.
بينما استأنف الرئيس الأوكراني زيلينسكي معركته ضد الفساد التي فاز بالانتخابات بعد تعهده بخوضها، تبدو المشكلة التي يواجهها عميقة. تصنف "منظمة الشفافية الدولية" أوكرانيا على أنها ثاني أكثر الدول فساداً في أوروبا (بعد روسيا) مع تفاقم إرثها السوفياتي بسبب الهيمنة المستمرة للنخبة الاقتصادية وشبكتها الخاصة من الأوليغارشية ومجموعات المصالح الرئيسة.
في "كراون إيجنتس" Crown Agents، وهي شركة تطوير دولية غير هادفة للربح، ما برحنا نتعاون مع الحكومة الأوكرانية على مدى الـ25 عاماً الماضية من أجل بناء القدرات الداخلية، بدرجة كبيرة في مجال مناقصات الشراء، وفي المقام الأول في مجالات الصحة والطاقة والدفاع.
واجهت فرقنا منظمات مرتبطة بالمافيا من أجل مناقصة شراء أكثر من 539 مليون وحدة من الأدوية والأجهزة الطبية لشعب أوكرانيا، فيما توسعت قاعدة الجهات الموردة من ثلاث جهات إلى 120 جهة على مدى سبعة أعوام.
أي مشتريات لم يمسها الفساد تقود إلى سلع ذات جودة أعلى وكلفة أقل. لاحقاً، بنينا على هذه المهارات كي نصبح الوكيل الوحيد للمشتريات الخاصة بـ"كوفيد- 19" في وزارة الصحة، إذ اشترينا لمصلحة البلاد ونقلنا إليها أكثر من 25 مليون جرعة من اللقاح المضاد.
كذلك نقود الآن البرامج الرئيسة لبناء قدرات المجتمع المدني والشركات الصغيرة. بناء على ملاحظاتنا، ثمة إرادة داخل الحكومة لتعزيز الشفافية ووضع حد للفساد الذي ابتليت به أوكرانيا كجزء من تراثها السوفياتي.
جلي أن وجود قطاع خاص نابض بالحياة ومتعدد الأوجه خارج عن سيطرة الأفراد في مراكز النفوذ، جنباً إلى جنب مع مصفوفة من مجموعات المصالح التي تتمتع بالصوت والتمثيل، سيخلق ضوابط وتوازنات في شأن تحويل الموارد، ويؤسس منصة دعم في جهود الحكومة لوضع حد للتسرب المالي.
أحد العناصر الحاسمة في إعادة تشكيل السلطة هذه الحرص على تنظيف القضاء من الفساد والتأسيس الراسخ لسيادة القانون، بغية منح الشركات والمواطنين والمنظمات إمكانية الوصول إلى الإجراءات القانونية الواجبة لمحاسبة المسؤولين.
تعد رقمنة الحكومة والمراقبة الموثوقة للموازنات والإنفاق وتقييم نواتج ونتائج الإنفاق على إعادة الإعمار، من بين الضروريات الأساسية لانطلاقة القطاع الخاص والتدفقات القوية للاستثمار الأجنبي المباشر.
كذلك لا بد من أن يراعي التخطيط لإعادة الإعمار القوة الكامنة في أموال إعادة الإعمار بوصفها محفزاً اقتصادياً إذا ما وجهت نحو مصادر محلية في مواجهة التعاقدات الدولية.
يجب ألا ينظر إلى إصلاح الدمار الذي لحق بأوكرانيا على أنه فرصة تجارية للغرب. إذا منح 70 في المئة من أموال إعادة الإعمار حصرياً للشركات الأوكرانية من الدرجة الأولى والثانية، من المهندسين المعماريين إلى البنائين والكهربائيين، سيترك الاستثمار الداخلي في الوظائف وصناعات الخدمات تأثيراً إيجابياً مضاعفاً يستمر عقوداً من الزمن.
المكسب الفعلي الذي تنطوي عليه الفرص التجارية الأجنبية سيكون عبر الاستثمار في دولة تستعيد حياتها، بحيث قدمت إعادة الإعمار عوائد متأتية من السلام واسعة النطاق وجامعة من شأنها أن تحل كثيراً من تحديات البلاد ما قبل الحرب، وتبرز مكانتها كدولة يتعزز نموها وتنتعش فيها الحياة من جديد.
جائزة ليست أقل من استمرار رخاء أوروبا وأمنها تعتمد عليها.
*فرغوس دريك الحائز على وسام الإمبراطورية البريطانية الرئيس التنفيذي لشركة "كراون إيجنتس" Crown Agents.
© The Independent