على الرغم من كل الدعوات الدولية إلى التهدئة خشية الانزلاق إلى حرب عسكرية عن طريق الخطأ، يستمرّ منسوب التوتّر في الشرق الأوسط بالارتفاع، مع ازدياد وتيرة الأعمال الإيرانية المستفزّة في الخليج العربي، وآخرها احتجاز إيران ناقلة نفط بريطانية، مساء الجمعة 19 يوليو (تموز)، ما استدعى ردود فعل دولية كثيفة وشاجبة.
ردّ بريطاني "مدروس لكن حازماً"
وفيما قال الحرس الثوري الإيراني إنه سيطر على الناقلة "ستينا إمبيرو" في مضيق هرمز بعد اصطدامها بقارب صيد إيراني وتجاهلها نداء استغاثة أطلقه، رأى وزير الخارجية البريطاني جيريمي هانت في تغريدة على "تويتر" السبت، أن "تحرّك الأمس في الخليج يبعث إشارات مقلقة بأن إيران قد تختار طريقاً خطيراً من سلوك غير قانوني ومزعزع للاستقرار بعد الاحتجاز المشروع لنفط متجه إلى سوريا في جبل طارق"، في إشارة إلى ناقلة النفط الإيرانية "غريس 1" التي تحتجزها سلطات جبل طارق للاشتباه في نقلها نفط إلى سوريا، ما يخالف قرارات الاتحاد الأوروبي.
وأكّد هانت أن ردّ لندن على احتجاز الناقلة البريطانية سيكون "مدروساً لكن حازماً"، وأن بريطانيا ستضمن سلامة نقلها البحري. وأعلن وزير الخارجية البريطاني، في وقت لاحق على "تويتر"، أنه تحدّث إلى نظيره الإيراني محمد جواد ظريف، وعبّر له عن "خيبة أمله البالغة" تجاه هذه القضية، مشيراً إلى أن تصرّفات طهران تخالف قولها إنها ترغب في وقف التصعيد. وأضاف " يحتاج الأمر إلى أفعال لا أقوال إذا كان لنا أن نجد سبيلاً للمضي قدماً... يجب حماية الملاحة البريطانية وسيتم ذلك".
في المقابل، عبّر متحدث باسم الحكومة البريطانية عن قلق بلاده البالغ إزال "الممارسات غير المقبولة لإيران التي تشكّل تحدياً واضحاً لحرية الملاحة الدولية". وأضاف "لقد نصحنا السفن البريطانية بالبقاء خارج المنطقة لفترة مؤقتة". واستدعت وزارة الخارجية البريطانية القائم بالأعمال الإيراني لديها بشأن هذه القضية.
إدانات أوروبية
وفي ظلّ توتّر العلاقات بين إيران والدول الأوروبية الموقّعة على الاتفاق النووي، بريطانيا وفرنسا وألمانيا، إثر تراجع الأولى عن تطبيق التزاماتها في الاتفاق المبرم عام 2015، رداً على انسحاب الولايات المتحدة منه وفرضها عقوبات اقتصادية على طهران، يأتي التهديد الإيراني للملاحة البحرية في الخليج العربي ليزيد على تأزّم العلاقات بين طهران والعواصم الأوروبية.
فقد دانت كل من فرنسا وألمانيا احتجاز الناقلة البريطانية، وأوردت وزارة الخارجية الفرنسية "علمنا بقلق بالغ باحتجاز قوات إيرانية لسفينة بريطانية... ندعو السلطات الإيرانية إلى الإفراج عن السفينة وطاقمها في أسرع وقت، وإلى احترام مبادئ حرية الملاحة في الخليج". ورأت الوزارة في بيان أن "مثل هذا العمل يسيء إلى مساعي خفض التصعيد الضروري" في المنطقة، مضيفةً "ندين الأمر بقوّة ونعبّر عن تضامننا الكامل مع المملكة المتحدة".
في سياق متصل، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الألمانية إن أي تصعيد آخر في التوتّر في المنطقة "سيكون خطيراً للغاية... وسيقوّض كل الجهود القائمة لإيجاد سبيل للخروج من الأزمة الحالية"، داعياً طهران إلى الإفراج عن السفينة البريطانية وطاقمها "من دون تأخير".
الاتحاد الأوروبي قلق
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بالتزامن مع احتجاز الناقلة "ستينا إمبيرو"، استولى الحرس الثوري الإيراني على ناقلة نفط ثانية تُدعى "مسدار"، تديرها شركة "نوربولك" البريطانية وترفع علم ليبيريا، أثناء إبحارها في مضيق هرمز، قبل أن يُفرج عنها بعد قليل من الوقت، بحسب ما أعلنت الشركة المالكة. وما زالت إيران تحتجز ناقلة النفط "رياح"، التي يتّهم الحرس الثوري الإيراني طاقمها بـ"التهريب" والتي التُقطت آخر إشارة لها الأحد الماضي، عندما كانت تبحر في مضيق هرمز، قبالة جزيرة قشم الإيرانية في طريقها من جزيرة لارك إلى سلطنة عمان.
من جهة ثانية، عبّر الاتحاد الأوروبي بدوره، السبت، عن "قلقه العميق" إثر احتجاز إيران الناقلة البريطانية، محذراً من أي "تصعيد جديد" في المنطقة. وقالت الدائرة الدبلوماسية في الاتحاد في بيان، "في وضع متوتر أصلاً، من شأن هذا التطور أن يغذي أخطار تصعيد جديد ويقوّض الجهود القائمة لإيجاد سبيل لحل الأزمة الراهنة". وطالب الاتحاد بـ"الإفراج فوراً" عن الناقلة وطاقمها، داعياً إلى "ضبط النفس بهدف تفادي أي توتر إضافي". وشدّد على "وجوب احترام حرية الملاحة في كل الأوقات".
"لا تأتي من إيران سوى المشاكل"
وفي تعليق على التوتر البحري بين بريطانيا وإيران، اعتبر الرئيس دونالد ترمب أن ما حدث "يؤكّد ما أقوله عن إيران: كلها مشاكل، لا تأتي منها سوى المشاكل". وندّد المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي غاريت ماركيز بـ"المزايدة في العنف" من قبل إيران، قائلاً "ستواصل الولايات المتحدة العمل مع حلفائها وشركائها للدفاع عن أمنهم ومصالحهم في مواجهة سلوك إيران الضار".
وفي نيودلهي، تسعى وزارة الخارجية الهندية جاهدة إلى إخلاء سبيل مواطنيها من أفراد طاقم "ستينا إمبيرو" وإعادتهم إلى بلدهم، إذ يتألّف طاقم السفينة، التي ترفع علم بريطانيا وتملكها شركة سويدية، من 23 فرداً بينهم 18 هندياً، بحسب إيران، وثلاثة روس ولاتفي وفلبيني.
كما أعلنت وزارة الخارجية الفلبينية أن سفيرها لدى إيران فراد سانتوس يحاول التأكّد من سلامة البحار الفلبيني من السلطات الإيرانية. وأكّدت الخارجية اللاتفية أيضاً وجود بحار لاتفي ضمن طاقم الناقلة، قائلةً في بيان "نبذل ما في وسعنا للإفراج عن مواطننا". وأضافت "أن لاتفيا تُعدّ طلباً، ستنشره، موجهاً إلى جمهورية إيران للإفراج عن جميع أفراد طاقم السفينة وليس فقط الضابط اللاتفي".
وأدانت البحرين "بشدة" احتجاز إيران للناقلة البريطانية، وطالبت وزارة الخارجية في بيان، طهران بوقف "هذه الأعمال غير المسؤولة" وبالإفراج الفوري عن السفينة.