ملخص
إن المساعدات والتصريحات #المصرية التي جاءت إثر الكارثة قطعت مسافة كبيرة في التقارب مع #تركيا إلى مدى لم يكن ممكن قطعه في خمس سنوات.
استخدمت في عنوان المقالة كلمة: "تنهي"، على عكس عادتي في غالب مقالاتي وتعليقاتي وتحليلاتي التي أتجنب فيها إبداء حكم قطعي في المواضيع التي أتناولها، لكن بعد زلزال عام 1999 كنت قد استخدمت تعبيراً مؤكداً حول عملية عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي بدأت بفضل "دبلوماسية الزلزال".
وفي هذه الأيام أيضاً يبدو الأمر كما لو أننا نمر بالعملية نفسها مرة أخرى. بعبارة أخرى، بعد الكوارث الكبرى تمد الدول التي تعتبر "خصوماً" يد الصداقة غير المشروطة، وتبدي عدم رغبتها بالاستمرار في أزمة مع دولة تعاني بالفعل صعوبات إنسانية كبيرة.
مع أخذ هذا الوضع في الاعتبار بدأت القاهرة "دبلوماسية الزلزال" تجاه أنقرة، بطريقة كريمة انطلاقاً من مبادئها السياسية.
بعد ذلك وبناءً على توجيهات من الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي قام وزير الخارجية سامح شكري الإثنين الماضي بزيارة إلى تركيا وسوريا، اللتين تعرضتا لدمار كبير بسبب الزلازل، جالباً معه مساعدات إنسانية للمنكوبين.
في الواقع كانت المحادثات الاستكشافية خلال الأشهر القليلة الماضية مستمرة بين البلدين مع المد والجزر.
وكانت هناك أزمة مرة أخرى بسبب تصريحات ومشاريع من تركيا متعلقة بليبيا.
أما مع هذا الزلزال، فإما أن تؤجل القضايا التي قد تتسبب في حدوث أزمة بين الجانبين ليهدأ الوضع مع مرور الوقت، أو يتناساها البلدان كلياً من أجل تعزيز الصداقة التي يحاولان إعادة ترسيخها.
لا يبدو أن هناك أي حل آخر.
وفي الوقت ذاته لن يواصل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان علاقاته مع جماعة "الإخوان المسلمين" مباشرة وعلى مرأى ومسمع من وسائل الإعلام، بل سيواصل علاقته معها من طريق غير مباشر وخلال تعيين بعض أعضاء فريقه، لأنه الآن وبسبب الانتخابات المقبلة في أمس الحاجة إلى أصوات الشريحة الإسلاموية أيضاً. وإذا علم أردوغان أنه لن يخسر الأصوات الإسلاموية فلن يتردد في خذلان جماعة "الإخوان المسلمين" بالكامل، لأن شخصاً نفعياً وانتهازياً مثله ليس لديه صديق أو رفيق أو قضية سوى كرسيه ومستقبله السياسي، بالتالي فإذا تضارب أي شيء أو شخص مع مصالحه فسيشطبه بجرة قلم، فحياة أردوغان مليئة بالأمثلة على ذلك.
إذا عدنا إلى موضوعنا الأساسي فقد حصلت تركيا على ثمار دبلوماسية الزلازل في عام 1999، كما ذكرت أعلاه، كيف؟
قبل ستة أشهر من زلزال 17 أغسطس (آب) 1999 قبض على زعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان وهو يغادر مبنى السفارة اليونانية في العاصمة الكينية نيروبي، مما يعني أن اليونانيين كانوا يستضيفون أحد ألد أعداء تركيا في سفارتهم.
وقبل ثلاث سنوات من هذا الزلزال كان البلدان (تركيا واليونان) في حالة حرب تقريباً بسبب جزر غير مأهولة، معروفة باسم "منحدرات كارداك"، لكن في اللحظة الأخيرة - وإلى حد كبير - بفضل التدخل الدبلوماسي الأميركي تم تجنب صراع عسكري خطير موقتاً.
وفي الأيام المواكبة لهذه الأزمات حدث في منطقة كولجوك زلزال كبير في أغسطس 1999 أثر في منطقة واسعة من البلاد، مما أدى إلى نسيان حالة العداء بين تركيا واليونان، وتركت اليونان أسلوبها العدائي جانباً وأصبحت أول دولة تهرع لتقديم المساعدات لتركيا.
وبدورهما قام وزيرا خارجية تركيا إسماعيل جيم، واليونان يورغو باباندريو، بتنشيط دبلوماسية الزلازل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي هذه الأجواء أيضاً تخلت إدارة أثينا عن رفض ترشيح تركيا لعضوية الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي كانت أنقرة تنتظره منذ سنوات، ومكنت تركيا من الحصول على وضع مرشح للانضمام إلى الاتحاد. علماً بأن اليونان كانت إلى ذلك الوقت الدولة الوحيدة التي تعارض ترشيح تركيا لعضوية الاتحاد الأوروبي.
لذلك فإن عملية التطبيع التي بدأت الآن في العلاقات التركية - المصرية تشبه دبلوماسية الزلزال بين أثينا وأنقرة في الماضي.
وفي هذا الصدد فإن زيارة شكري مهمة للغاية. وإضافة إلى التقارب الطبيعي فإن المساعدات والتصريحات التي جاءت بسبب الكارثة قطعت مسافة كبيرة في التقارب إلى مدى لم يكن ممكن قطعه في خمس سنوات.
وبالفعل قال وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو في تصريحه "كما تعلمون، فإننا نفتح صفحات جديدة في علاقاتنا مع مصر. وقد كان اللقاء بين الرئيسين أردوغان والسيسي في الدوحة مثمراً للغاية".
يمكن تفسير هذا التصريح بأن "الأزمة انتهت، والآن دعونا ننظر إلى الأمام".
وأعتقد أن البلدين سيناقشان في الاجتماعات المقبلة الخطوات التي يمكن اتخاذها لمواصلة تطوير العلاقات من دون التسبب في أزمة.
ومن الواضح أن تطوير العلاقات بين تركيا ومصر ليس مفيداً للجانبين فحسب، بل للمنطقة ككل.
نحن الآن ندخل مرحلة تبدأ فيها أنقرة بإرساء الأسس لاتخاذ خطوات مشتركة مع القاهرة في البحر الأبيض المتوسط وليبيا وفلسطين وسوريا.
حتى قبل الانتخابات كنت أؤكد أن أردوغان سيجتمع مرة أخرى مع السيسي وجهاً لوجه، لكن كل الخطط تغيرت بسبب الزلزال. فعندما اتصل السيسي بأردوغان في 7 فبراير (شباط) الماضي تأكدنا من أن الاستياء اختفى تماماً.
وبما أن الانتخابات التركية قريبة جداً، وقد لا يسع الوقت لترتيب زيارة بين الرئيسين، يمكن القول الآن إن اللقاء مرة أخرى بالرئيس السيسي وجهاً لوجه سيكون من نصيب من سيفوز في انتخابات تركيا.
وباختصار فإن هذا الزلزال بينما غير موازين القوى في السياسة الداخلية في تركيا فقد أدى إلى تهدئة الأزمات في سياسة البلاد الخارجية.