ملخص
تشير #الوثائق_البريطانية للفترة التي تلت #تحرير_الكويت إلى تكثيف المعارضة العراقية نشاطها، مستفيدة من الغضب الإقليمي الناتج من الغزو العراقي للكويت فنقلت فعالياتها إلى الساحة الغربية
تشير الوثائق البريطانية العائدة للفترة التي تلت عمليات تحرير الكويت في نهاية فبراير (شباط) 1991 إلى تكثيف المعارضة العراقية من نشاطها على الساحتين الأوروبية والأميركية، حيث استغلت موقف المجتمع الدولي والغضب الإقليمي الناتج من الغزو العسكري العراقي لدولة الكويت في الثاني من أغسطس (آب) 1990، ونقلت فعالياتها إلى الساحة الغربية، لا سيما بريطانيا.
حتى ذلك الوقت كان القسم الأكبر من نشاط المعارضة العراقية ذا طابع عسكري، وكان يدور بالقرب من الحدود الإيرانية - العراقية، حيث وجود معسكرات لميليشيات عراقية مدعومة من إيران، وهو الأمر الذي تغير بعد تلك المرحلة، حيث بدأ النشاط السياسي والدبلوماسي المعارض في عواصم العالم الغربي.
تتضح الصورة بشكل أكثر وضوحاً عند مراجعة الرسائل والمناشدات التي كانت تصدرها الشخصيات والمنظمات المعارضة آنذاك، وتركيزها على مخاطبة المجتمع الدولي بلغة إنسانية، وحثه على معاقبة النظام العراقي.
على سبيل المثال تضمنت وثيقة كانت رفعت إلى مكتب رئيس الوزراء البريطاني جون ميجر، في 24 أغسطس (آب) 1992، عن "لجنة العمل الإسلامية الشيعية البريطانية" (British Shia Muslim Action Committee)، أنه "منذ مارس 1991 يخضع سكان الأهوار للحصار، إنهم يفتقرون بشدة إلى الغذاء والماء النقي والدواء، ولابد من وقف عملية تسميم الأهوار وتجفيفها، وإعادة السكان النازحين منها وتوطينهم. وتعيين محكمة دولية لمحاكمة صدام وأقاربه ونظامه على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وعدوانهم السافر على بلدين مجاورين، واستخدامهم أسلحة الدمار الشامل ضد الأبرياء، وتدنيسهم المتعمد وإلحاق الضرر بالمؤسسات الدينية والثقافية المهمة، وعديد من الجرائم التي لم يتم اكتشافها بعد".
العزف على الانتهاكات
كانت مثل هذه المناشدات والرسائل تجد أحياناً آذاناً صاغية من قبل الجهات الرسمية وصناع القرار في بريطانيا، وهو ما تترجمه الوثيقة حين تقول "عزيزي رئيس الوزراء، بخصوص محنة الشيعة في العراق - نشير إلى رسالتنا المؤرخة في 2 نوفمبر 1991 (تشرين الثاني) المرفقة بعريضة موقعة من أعضاء المجتمع الشيعي البريطاني - نود أن نشكركم كثيراً على اتخاذ إجراءات لحماية الشيعة في جنوب العراق من نظام صدام الوحشي. فلأكثر من عقدين من الزمن تم قمع غالبية الشعب العراقي، ومن بين هؤلاء الشيعة الذين يشكلون أكثر من 60 في المئة من السكان، الذين عانوا فظائع وحشية ارتكبت ضدهم".
وتتابع "منذ نهاية حرب الخليج في العام الماضي تصاعدت عمليات الاضطهاد على نطاق واسع، حيث شجع الغرب الشيعة على الانتفاض ضد نظام صدام، وتعرض عشرات من علماء الدين والروحانيين الشيعة وأتباعهم وأفراد أسرهم للقتل والسجن والتعذيب. وقد تم استهداف النجف وكربلاء اللتين كانتا ذات يوم مركزين مزدهرين للزيارات والتعليم الديني للشيعة بشكل خاص، وتحولتا إلى أنقاض".
وتضيف الوثيقة "إن المقرر الخاص للجنة حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، السيد ماكس فان دير ستول، كان قد أصدر تقريراً شاملاً في 18 فبراير 1992. ونحن نؤيد استنتاجه بأن انتهاك حقوق الإنسان الذي حدث خطر للغاية وذو طبيعة عنيفة لدرجة أنه لا يمكن العثور على أوجه مشابهة منذ الحرب العالمية الثانية، حيث يرى أن هذا الوضع الخطر بشكل استثنائي يتطلب استجابة استثنائية. وقدم أخيراً تقريراً آخر إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وتنفيذ التوصيات الواردة في التقارير المذكورة أعلاه والمقدمة من السيد ماكس فان دير ستول يتطلب الاستعجال، بما في ذلك تعيين فريق من مراقبي حقوق الإنسان ذوي الخبرة لقيادة عمل منسق من قبل المجموعة الأوروبية، بخاصة خلال فترة رئاسة بريطانيا. ويجب أن يعامل المجتمع الدولي النظام العراقي غير الشرعي على أنه منبوذ، كما يجب طرد السفير العراقي لدى المفوضية الأوروبية مع موظفيه العراقيين وإبقاء جميع العلاقات معلقة حتى يتم تشكيل حكومة منتخبة في العراق".
وفي الصفحة الثانية من التقرير البريطاني يتحدث وزير خارجية إيران عن المعارضة العراقية، مخاطباً نظيره البريطاني بالقول "إن الناشطين في مؤتمر فيينا مثل أحمد شلبي وبحر العلوم كانوا حريصين على اتخاذ إجراءات إيجابية. وكان التقييم الإيراني هو أن معظم جماعات المعارضة العراقية، مع احتمال استثناء بعضها في سوريا، وافقت على نتائج فيينا. وكان ذلك كافياً للإيرانيين لدعم العملية. وتعقد الآن دورة ثانية في كردستان"، وتساءل وزير الخارجية عما إذا كان هذا الأمر يؤدي إلى تشكيل حكومة موقتة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتتحدث وثيقة بريطانية أخرى عن حراك المعارضة العراقية وسعيها إلى استغلال الفرصة من أجل توسيع منطقة حظر الطيران في العراق لتشمل الجنوب أيضاً، إذ تقول الوثيقة على لسان الوزير الإيراني "اتصل بي اثنان من الشيعة العراقيين الناشطين في الأمم المتحدة في 14 سبتمبر (أيلول) وهما ليث كبة المقيم في لندن ويوسف الخوئي من مؤسسة الخوئي. ورحبا بفرض منطقة حظر الطيران فوق الجنوب، مشيرين إلى أن صدام حسين كان يواصل قمع الشيعة في الأهوار. كما تتذرع السلطات العراقية بانقطاع الكهرباء والمياه وتلقي باللوم على منطقة حظر الطيران، وعلى رغم عدم وجود صلة بين الاثنين فقد قطعوا إمدادات المياه في أجزاء من العمارة وألقوا باللوم على منطقة الحظر. وفي الأسبوعين الماضيين كان النظام العراقي يحاول إثارة العداوات بين القبائل الشيعية من خلال تفضيل بعضها على بعض. وكمثال على ذلك قال كبة إن الحكومة وزعت فجأة كثيراً من المساعدات المجانية لسكان القرنة عند تقاطع نهري دجلة والفرات، ثم دعوا (الفارين والمجرمين) في الأهوار إلى الاستسلام لأهل القرنة. واعتقد كبة أن هدف صدام هو تحويل كراهية الشيعة من النظام إلى بعض القبائل الشيعية. واعتزمت المعارضة الخارجية مواجهة ذلك من خلال بث برامج من وجهاء الشيعة تدعو إلى الوحدة في الأهوار (من إيران على الأرجح، على رغم من أنه لم يقل ذلك صراحة)، ثم أثار كبة والخوئي القرار المقترح في شأن الأصول المالية العراقية".
المعارضة العراقية وطموح إيران
بعد أن اقترح وزير خارجية إيران على نظيره البريطاني فكرة تشكيل حكومة عراقية في المنفى، والبناء على جهود العراقيين أحمد الجلبي ومحمد بحر العلوم في دعم الجهود الدولية لإضعاف النظام في بغداد، واصل الوزير استعراض قدرات المعارضة العراقية في الخارج على مساعدة الغرب في إطاحة النظام والتمهيد للغزو.
تؤكد وثيقة بريطانية أن وزير الدولة للشؤون الخارجية دوغلاس هوغ، استقبل في الثامن من يوليو (تموز) 1992 ستة أشخاص من أعضاء في اللجنة الوطنية العراقية لحماية الوسط والجنوب، وهم محمد بحر العلوم، ومحمد حسين بحر العلوم، وعبدالحسين شعبان، وأحمد الجلبي، وليث كبة، وصادق العطية. وكما ورد في التقرير فإن هوغ أكد على أن الحكومة البريطانية تعتقد أن التغيير في العراق يجب أن يأتي من الداخل العراقي، ولا يمكن فرضه من الخارج.
وتتابع الوثيقة "قال السيد هوغ إنه يرحب بفرصة سماع مزيد عن موقف المعارضة العراقية. وكانت الحكومة البريطانية قلقة للغاية في شأن الوضع في الأهوار الجنوبية. وعلمنا بالإجراء الذي قام به النظام العراقي في مايو (أيار) ضد السكان المدنيين، الذي شمل استخدام طائرات ثابتة الجناحين، غير أنه كان من الصعب على حكومة جلالة الملكة اتخاذ إجراءات فعالة. في الظروف الحالية لم نتمكن من إعادة إنشاء (الملاذات الآمنة) التي تمكنا من إنشائها من أجل الأكراد. وكانت حكومة جلالة الملكة تبحث عن طرق يمكن للأمم المتحدة من خلالها أن تلعب دوراً إنسانياً أكثر فاعلية في الجنوب، لكننا كنا على دراية بالقيود التي ستواجهها هذه الفكرة. والرسالة غير السارة التي يتعين على اللجنة والغرب استيعابها هي أن التغيير في العراق يجب أن يأتي من الداخل. لا يمكن فرضه من الخارج".
لكن الجلبي خاطب الوزير البريطاني قائلاً إن "الشعب العراقي بحاجة إلى المساعدة والتشجيع من المجتمع الدولي. وسيتم سحق جهودهم من قبل صدام ما لم يتم تهديده من قبل قوة أقوى. وهناك حاجة إلى جعل قرار مجلس الأمن رقم 688 أكثر قابلية للتطبيق".
ويعتبر أحمد الجلبي القاطرة التي سحبت أطياف المعارضة العراقية على الساحة الغربية ووضعتها على مسار منظم أدى إلى توحيد الجبهة المهاجرة للتمهيد لاحتلال العراق عام 2003.
وحين أشار هوغ إلى الصعوبات القانونية في اتخاذ مزيد من الإجراءات بموجب قرار مجلس الأمن رقم 688، لكن الجلبي أشار إلى أن الطريقة الوحيدة لإعطاء قوة لقرار مجلس الأمن رقم 688 هو في إصدار قرار جديد بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، مستنداً إلى النقاط الثلاث التي تم تحديدها في مؤتمر المعارضة العراقية في فيينا. وهي "القمع في الجنوب والحاجة إلى حماية الأمم المتحدة - الحكم الذاتي المتزايد للأكراد الذي يشكل تهديداً محتملاً لوحدة الأراضي العراقية – ضرورة توفير مصادر اقتصادية لبقاء السكان المدنيين."
وفي حين أكد هوغ على ضرورة الحفاظ على وحدة أراضي العراق، تمسك بموقفه بأن لندن لن تشجع فكرة كردستان المستقلة وتعتقد أن الحكم الذاتي هو الخيار الأفضل.
بالمقابل طالب ليث كبة بدعم بريطاني مماثل لما حصل عليه الأكراد في الشمال، معرباً عن أمله في أن تطبق الإرادة السياسية نفسها لمساعدة سكان الجنوب. وطلب بحر العلوم مساعدة الحكومة البريطانية ودعمها المعارضة العراقية في تشكيل حكومة تمثل جميع قطاعات السكان، مؤكداً أن "مثل هذه الحكومة لن تكون متطرفة في سلوكها".
لكن الوفد لم ينجح في إقناع الوزير البريطاني حول العمل على إصدار قرار حظر طيران فوق الجزء الجنوبي من العراق، لذا تخلى محمد بحر العلوم عن هذه الفكرة وصب جل تركيزه على الجانب الإنساني والبيئي.