ملخص
نص بيان #بكين على عدم التدخل في شؤون الدول، الأمر الذي يشمل ما يشكو منه فرقاء لبنانيون من تدخل إيراني في وضع #لبنان
أرخى الإعلان عن الاتفاق السعودي - الإيراني في شأن استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين برعاية صينية في العاشر من مارس (آذار) الجاري بظلاله على وضع لبنان المأزوم، وترك ارتياحاً عاماً دفع الأوساط السياسية إلى ترقب انعكاساته الإيجابية على جهود إنهاء الشغور الرئاسي المتواصل منذ أربعة أشهر ونصف الشهر.
ودعا غير مصدر لبناني إلى انتظار اتضاح مفاعيل الاتفاق على الإقليم ولبنان، على اعتبار أن مهلة الشهرين التي نص عليها بيان بكين، لخطوة عودة سفيري البلدين وفتح السفارتين، قد تحمل تطورات لا تقتصر على العلاقات الثنائية.
وعلى رغم إعلان وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود من باريس، غداة توقيع الاتفاق في بكين، أن "لبنان يحتاج إلى تقارب لبناني - لبناني وليس لبنانياً إيرانياً سعودياً، وعلى ساسته أن يقدموا مصلحة وطنهم على أي مصلحة أخرى"، في تعليقه على الرهانات اللبنانية على أن يؤدي اتفاق بكين إلى حلول لأزمة لبنان، فإن وسائل الإعلام المحلية وتصريحات القادة السياسيين وكتابات المحللين ملأت الفضاء التلفزيوني والصحف بالقراءات التي سعى كل فريق إلى توظيف الحدث لمصلحة وجهة نظره في سياق الخلافات التي تعصف بالبلد الصغير، وحالت دون انتخاب رئيس للجمهورية وإعادة تكوين السلطة منذ الانتخابات النيابية في مايو (أيار) الماضي، وبعد انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون في 31 أكتوبر (تشرين الأول) 2022. كما أن ولاء "حزب الله" لإيران في الصراعات الإقليمية التي خاضتها في السنوات الماضية، أقحمه فيها، وحولته إلى منصة لإطلاق أو تنفيذ تلك السياسات. وسببت للبنان أضراراً جسيمة في علاقته بمحيطه العربي، يفترِض اللبنانيون أن يؤدي الاتفاق إلى التخفيف منها.
تطور جوهري يتأثر به لبنان
اعتبار الحدث تطوراً جوهرياً في الوضع الإقليمي جعل من نافلة القول إنه لا بد من أن يترك انعكاسات على الساحة اللبنانية، نظراً إلى أن الرياض وطهران مؤثرتان فيها، ولأن البعد الإقليمي الدولي للأزمة اللبنانية أمر واقع لا مجال لتجاهله، بالإضافة إلى المسؤولية الأساسية للقوى السياسية اللبنانية عن إيجاد العلاجات المطلوبة لها. فالسعودية جزء من الدول الخمس المتابعة لشؤون لبنان وأزمته، مع فرنسا والولايات المتحدة وقطر ومصر، التي اجتمعت في باريس وبمبادرة من الأخيرة للبحث في سبل إنهاء الفراغ الرئاسي في 6 فبراير (شباط) الماضي. والرياض قبل ذلك، هي الركن الثالث من الاجتماعات الثلاثية الأميركية الفرنسية السعودية، التي انعقدت مرات عدة في السنة الأخيرة وتناولت مبادئ للحلول للأزمة السياسية الاقتصادية في لبنان، وأسهمت في وضع مبادئ الموقف الدولي من حلول هذه الأزمة، فضلاً عن أنها شريكة في صياغة كل البيانات الصادرة عن اللقاءات الدولية والإقليمية والخليجية حوله، من المبادرة الكويتية العام الماضي، إلى بيانات القمم الخليجية والقمة الصينية العربية. والنص في بيان بكين على عدم التدخل في شؤون الدول يشمل ما يشكو منه فرقاء لبنانيون من تدخل إيراني في وضع لبنان.
وتجلى تأثر لبنان بهذا الحدث في ردود الفعل الفورية، التي أجمعت على الترحيب بالاتفاق مع توقع تأثيره الإيجابي في إطلاق حلول للأزمة اللبنانية، فأعرب رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي عن ارتياحه له، وأيد "أي مسار توافقي في المنطقة، خصوصاً أن المملكة العربية السعودية طرف فيه، بما لها من ثقل عربي وإسلامي، وبما لها من تأثير إقليمي واسع". وتوقع ميقاتي أن ينعكس الاتفاق إيجاباً على كل المنطقة، ومن ضمنها لبنان، مشدداً على تهدئة الأمور ووقف التدخلات في الشؤون الداخلية لدول المنطقة. ودعا وزير الخارجية اللبناني عبد الله بوحبيب إلى "الاستفادة من هذه الفرصة من أجل الخوض في حوار عربي - إيراني على قاعدة احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية وإقامة أفضل علاقات حسن الجوار".
ارتباك "حزب الله"... بالسخرية السوداء
وبطبيعة الحال اتجهت الأنظار إلى رد فعل "حزب الله" على إعلان الاتفاق، إذ علق عليه أمينه العام حسن نصرالله في خطاب بدأه مع الإعلان عن البيان الثلاثي السعودي الإيراني الصيني، بالقول إنه "سيفتح آفاقاً في كل المنطقة ولبنان". ورأى أن هناك "أناساً في لبنان بدهم يزعلوا ورح يبلشوا يحكوا براسهم، أما نحن فسعداء وثقتنا كبيرة بأن الاتفاق لن يكون على حسابنا ولا على حساب اليمن ولا على حساب المقاومة، لأننا نثق بأن أحد طرفيه، أي الجمهورية الإسلامية في إيران، لا يخلع صاحبه".
وبدا نصرالله، الذي دأب على شن الحملات العنيفة على السعودية وقيادتها في السنوات الماضية، في وضعية أقرب إلى الإرباك، نتيجة اتفاق الدولة التي يدين لها بالولاء الكامل، مع الدولة التي يناصبها العداء، فحاول التغطية على الإحراج بالقول ممازحاً وضاحكاً "لا نريد أن نفتح مشكلاً لأنهم سيتصالحوا"، قاصداً أنه لن يهاجم الجانب السعودي هذه المرة. ووصف البعض هذا الجانب من تعليقه على أنه من نوع السخرية السوداء، حول اضطراره إلى التخلي عن الأدبيات التي اعتادها ضد السياسة السعودية أمام جمهوره. وهذا الموقف كان بنظر المراقبين من أول الانعكاسات العملية لإعلان الاتفاق.
وفيما رأى خصوم "حزب الله" أن ارتباك نصرالله دليل على أنه لم يكن يتوقع حصول هذا التطور وأنه لم يكن على علم به، لأنه قال في خطاب سابق (6 مارس) في معرض دعوته إلى عدم ربط معركة رئاسة الجمهورية بالتطورات الخارجية، إن "من ينتظر التسويات الخارجية والمفاوضات الإيرانية السعودية عليه أن ينتظر 100 عام"، قالت مصادر متصلة بالخارجية الروسية لـ"اندبندنت عربية" إن موسكو و"حزب الله" كانا على علم بالمحادثات التمهيدية لاجتماع بكين، وإن ما قاله عن الانتظار 100 عام يقصد به ربط إنهاء الفراغ الرئاسي بتلك المحادثات. إلا أن خصوم نصرالله رأوا على رغم ذلك أنه بدا محرجاً، لأنه اضطر إلى التراجع عن مواقف سابقة لم يحسب فيها خط الرجعة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
قراءات متعددة للحدث وتوظيف مفاعيله
لم يبقَ فريق أو قيادي لبناني إلا وثمن ما حصل من القيادات الروحية إلى القوى السياسية، بينما أطلق التفاؤل بآثاره الإيجابية على الداخل اللبناني جملة من التوقعات، بعضها أقرب إلى التمنيات والرغبات. إلا أنه ككل شيء يحصل على الصعيد الخارجي يسعى الفرقاء في لبنان إلى قراءات لخلفياته وأبعاده، الغرض منها توظيفه لمصلحة هذا الاتجاه أو ذاك.
واعتبر مؤيدو "محور الممانعة" أن استعادة البلدين العلاقات الدبلوماسية تأتي في سياق إقليمي كترجمة "لانتصاراته" في الإقليم، وأن خياراته هي التي نجحت. وهذا ما قاله نصرالله في 10 مارس، مشيراً إلى "صمود" النظام السوري والانفتاح العربي عليه، فيما رأى حلفاء له أن الاتفاق يعزز خيار ترشيح نصرالله ورئيس البرلمان نبيه بري لرئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية. وفي اعتقاد هؤلاء أنه إذا كان للاتفاق مفاعيل واسعة، من اليمن إلى العراق وسوريا ولبنان، فإن أولوية الرياض هي وضع حد للحرب في اليمن، وليس لبنان، بينما ما يُنقَل عن الجانب السعودي هو تأكيده عدم انغماسه في لعبة أسماء المرشحين لأن ما يهمه مواصفات الرئيس أي أن يكون قادراً على الانفتاح الداخلي والخارجي والحوار، وغير منخرط بالفساد السياسي والمالي، ومنفتح على الدول العربية والخليجية.
وقال عضو المجلس المركزي في "حزب الله" الشيخ نبيل قاووق "إننا لا ننتظر أي تسوية خارجية لا ثنائية ولا خماسية، تفرض على اللبنانيين مواصفات وأسماء لرئاسة الجمهورية"، معتبراً أن المنطقة "دخلت مرحلة جديدة ليست لمصلحة أميركا وإسرائيل، لأن أحلامها التطبيعية لم تؤد إلى محاصرة إيران".
خصوم "الممانعة": التسويات تسقط مبررات السلاح
في المقابل، رأى خصوم "الحزب" أنه يصر على فرنجية كمرشح يطمئن إلى مراعاة احتفاظه بسلاحه وامتيازاته ونفوذه المؤثر في السلطة السياسية، نظراً إلى قلقه من المفاعيل المحتملة للمصالحة بين الرياض وطهران، خصوصاً أنه لم تتضح بعد مضامين الاتفاق التي تتعدى استعادة العلاقات الدبلوماسية إلى إيجاد الحلول لأزمات الإقليم، وكيف ستتم ترجمته العملية في الدول التي تشهد صراعات على أساس الانقسام السابق. فاتجاه الأمور نحو التسويات يفقد "الحزب" مبرراته للاحتفاظ بسلاحه. في قراءة هؤلاء الخصوم أنه يجب عدم استبعاد حاجة إيران إلى تقديم تنازلات من أجل تخفيف الضغوط الدولية عنها، في ظل أزمتها الاقتصادية الخانقة والاحتجاجات المتصاعدة ضد نظامها في الداخل. كما أن لرعاية الصين الاتفاق دوافع بعيدة المدى، نظراً إلى أنها أكبر دولة مستوردة للطاقة والنفط من المنطقة ويهمها الحفاظ على أمن التجارة وممرات النفط والغاز إلى آسيا.
الوجه الآخر لاستبعاد ربط الرئاسة اللبنانية بالتطورات الخارجية جاء على لسان رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، الذي قال إن "المعركة الرئاسية محلية. الحل بيد النواب الـ128 الذين يمكنهم النزول اليوم قبل الغد إلى مجلس النواب وانتخاب رئيس للجمهورية، وفي هذه الحال لا يمكن للخارج التأثير أبداً في مجريات الأمور، إلا أن هناك من يطمحون لربط انتخابات الرئاسة بالخارج كل لمصالحه ومآربه الشخصية والفئوية".
وفي رأي "القوى السيادية" التي تدعم ترشيح النائب ميشال معوض للرئاسة، فإن استعادة العلاقات بين الرياض وطهران حافز على انتخاب رئيس غير موال لـ"محور الممانعة"، بالتالي ما زالت على رفضها انتخاب فرنجية. ويرى بعض رموز هذه القوى أنه بعد تسوية العلاقات الثنائية بين البلدين يفترض التفتيش عن رئيس تسوية لا رئيس غلبة.
بخاري عند بري وجنبلاط
وفي وقت طرحت الأوساط السياسية اللبنانية مثل غيرها السؤال حول موقف واشنطن من الاتفاق، كانت الخطوة العملية الثانية (بعد امتناع نصرالله عن الهجوم على السعودية) في لبنان هي تحرك السفير السعودي في بيروت وليد بخاري باتجاه عدد من الفرقاء اللبنانيين، بدءاً بزيارته رئيس البرلمان في 13 مارس، حين اكتفى بالقول إثر اجتماعه به رداً على سؤال عما إذا كان هناك إيجابيات للبنان "شيء أكيد".
من جهته قال بري "التواصل كان قائماً وسيتواصل وحصل قبل هذا اللقاء لقاءات عدة". وأكد أن الحل السياسي يبدأ برئاسة الجمهورية، وسليمان فرنجية مد يده للجميع وصالح كل الناس فإذا كان سليمان فرنجية لا يجمع فمن هو الذي يجمع؟". وأضاف "تمسكنا بالطائف كونه مثل إطاراً لوقف الحرب وأفسح المجال أمام لبنان لسلوك مسار متطور يحافظ على الطوائف ويحد من الطائفية".
وإذ تمسك بري بفرنجية للرئاسة، كان من أكثر السياسيين اللبنانيين الذين دعوا إلى تفاهم سعودي إيراني لإيمانه بأنه ينعكس إيجاباً على لبنان. وأكدت مصادر نيابية لـ"اندبندنت عربية" أن بري كان يتهيأ للقاء السفير بخاري قبل إعلان اتفاق بكين، لقناعته بأن الخروج من مأزق الشغور الرئاسي يحتاج إلى تفاهم سعودي إيراني، على غرار التفاهم الذي كان حصل في التسعينيات بين الرياض ودمشق والذي أدى إلى مرحلة من الاستقرار في البلد. وكانت ترددت معلومات أن بري يخطط لزيارة المملكة للقاء المسؤولين فيها في هذا السياق.