ملخص
أكبر كارثة هي أن يصبح #ضحايا_الحروب مجرد #أرقام في المقابر يوظفها القادة في حساباتهم الداخلية ومعاركهم #الجيوسياسية
حرب أوكرانيا عالقة في مرحلة الاستنزاف، فيما تصمد القوات الأوكرانية لتحقيق أكبر خسائر للقوات الروسية ومعها مرتزقة "فاغنر". وروسيا تقصف أوكرانيا بالصواريخ والمسيّرات الإيرانية والمدفعية الثقيلة لضرب البنية التحتية واستنزاف الشعب والجيش الأوكرانيين. والطرفان يربحان الوقت استعداداً لما يسميه كل منهما "هجوم الربيع" والإيحاء أن الأشهر المقبلة ستكون "حاسمة".
لكن روسيا التي تطلق في اليوم 50 ألف قذيفة تبدو "قادرة على استمرار زخمها العسكري لمدة عامين" بحسب الخبراء، بعدما تحدث البريطانيون مراراً عن ضعف أو بطء التصنيع الحربي في روسيا، بالتالي الافتقار إلى الصواريخ.
في المقابل، فإن أوكرانيا التي تطلق 5 آلاف قذيفة في اليوم تحتاج إلى ذخائر ودبابات ومدافع وطائرات وأسلحة دفاع جوي. والكميات التي تحتاج إليها تفوق قدرة دول "الناتو" على الإنتاج، بعدما استنفدت كثيراً من مخزوناتها. أما النوعية المتقدمة، فإن دونها حسابات أميركا وأوروبا والخطوط الحمر مع روسيا.
يقول تقرير أخير لـ"مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية" في أميركا إن "الإنتاج الحالي للمصانع الأميركية ربما يكون غير كافٍ لمنع استنفاد المخزونات من المواد الأساسية التي توفرها واشنطن لأوكرانيا". لكن "البنتاغون" يعمل على خطة لزيادة إنتاج الذخائر والمعدات العسكرية وقذائف المدفعية والصواريخ والطائرات وحاملات الطائرات "ليس فقط لمساعدة الحلفاء بل أيضاً للدفاع عن البلاد في حال صراع مع روسيا والصين".
خلال الأشهر الثمانية الأولى من الحرب استخدمت القوات الأوكرانية 13 ألف صاروخ "ستينغر" المضاد للطيران و5 آلاف "جافلين" ضد الدبابات. والسؤال الذي يطرحه المؤرخ وعالم الاجتماع الفرنسي إيمانويل تود هو "هل تستطيع أميركا ومعها ألمانيا واليابان إنتاج الأسلحة؟ إلى أي حد تستطيع روسيا تصنيع الأسلحة؟". وجوابه هو أن هذا ما يتوقف عليه "النصر الأميركي أو الروسي". ولا أحد يجهل لماذا يصر الرئيس فلاديمير بوتين على دفع الخسائر المادية وبالأرواح في الهجوم على باخموت التي قيمتها "رمزية لا استراتيجية" لكنها تفتح الطريق إلى بقية المدن في دونيتسك، ذلك أن من الصعب الأخذ بالرأي الذي أعلنه رئيس الاستخبارات الأوكرانية كيريلو بودانوف وخلاصته أن "الحرب أوشكت على النهاية، فالروس لم تعد لديهم إمكانات هجومية وسيضطرون إلى الانسحاب، وإلا انهار النظام الروسي نفسه". وأول رد روسي على ذلك كان قصف أوكرانيا بنحو 100 صاروخ في يوم واحد بينها صواريخ "كينجال" الفرط صوتية. ولا تزال موسكو تراهن على تعب الغرب الأميركي والأوروبي من تقديم المال والأسلحة إلى كييف إذ قدمت أوروبا حتى اليوم 61 مليار دولار وأميركا أكثر من 40 مليار دولار، إضافة إلى ما تقدمه اليابان.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولا يزال الغرب يراهن على ضعف الاقتصاد الروسي، بالتالي عجزه عن سباق تسلح جديد قد يقود إلى انهيار النظام، كما قاد سباق التسلح أيام غورباتشوف مع أميركا و"حرب النجوم" أيام ريغان إلى انهيار الاتحاد السوفياتي. لكن الرأي العام الأوروبي، ولو تعب، يبقى خائفاً من طموحات الكرملين العسكرية والسياسية. وفي استطلاع للرأي أجرته مؤسسة "إيفوب" الفرنسية حاز تأييد أوكرانيا 82 في المئة ببريطانيا و79 في المئة ببولندا و64 في المئة بفرنسا و61 في المئة بألمانيا.
والظاهر أن التوقف أمام الدروس في حرب أوكرانيا يبدو عابراً، من الدرس الذي تحدث عنه الخبير الاستراتيجي لورنس فريدمان، وهو "محدودية القوة العسكرية" إلى الدروس الخمسة التي سجلها البروفيسور ستيفن والت، وأبرزها "سوء التقدير لدى القادة وتقوية المتطرفين في الجانبين". فالكل يوجه الأنظار إلى خسارة روسيا أو ربحها وخسارة أوكرانيا أو ربحها ومعها "الناتو" وتأثير ذلك في مستقبل العالم ونوع النظام الدولي وعودة الإمبرياليات.
وعلى رغم قسوة الحرب على الناس وتأثيرها في الاقتصاد والعلاقات بين الدول والشعوب، فإن الحسابات تبقى مركزة على نتائج الصراع الجيوسياسي. وفي كتاب "حرب: كيف شكَّلنا الصراع؟" تستعير المؤلفة والمؤرخة الكندية مارغريت ماكميلان قول الشاعر فريديريك مانينغ "الحرب يشنها رجال، لا وحوش ولا آلهة، وتسميتها جريمة ضد الإنسانية هي تجاهل لنصف معناها وأهميتها، فالحاجة إلى الدفاع عن النفس خلقت الدولة، لكن الدولة لا شيء إن لم تكن قادرة على شن حرب".
وأكبر كارثة هي أن تصبح ضحايا الحروب مجرد أرقام في المقابر يوظفها القادة في حساباتهم الداخلية ومعاركهم الجيوسياسية.