ملخص
فريق مكون من 40 شخصاً يستعين بـ #شهادات #كبار_السن لتكوين #مادة_تاريخية عن مدينة #الخليل
بذاكرة متماسكة حادة، جلست السيدة رمزية دعنا، وهي التي تجاوز عمرها 104 سنوات، مع فريق "الأرشيف الشفوي" لتروي قصهها حول أبرز الأحداث السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي مرت على مدينة الخليل طيلة القرن الماضي.
وتروي رمزية المولودة في مدينة الخليل عام 1918، تفاصيل زيارتها مع قافلة من المدينة إلى مقام النبي موسى قرب أريحا، والأناشيد التي كانوا يرددونها خلال رحلتهم.
وفي إشارة إلى التعايش الذي كان قائماً بين المسلمين واليهود قبل مذبحة الخليل عام 1929، قالت إن يهود الخليل كانوا يسافرون معهم إلى النبي موسى.
وأضافت أن أولاد المسلمين واليهود كانوا يلعبون معاً عند سلم الحرم الابراهيمي وفي محطيه، وتقول "كنا نغني لهم وهم يصفقون لنا، ليب ليب ليب، واحد يهودي لابس برنيطة، أخته ملكة لابسة الشبكة".
وذكرت رمزية أن "يهود الخليل كانوا مواطنين، لم نكن نرغب في قتلهم ولا يرغبون في قتلنا، رأيتهم جثثاً هامدة مسلمين ويهوداً في باب الزاوية، ولم يكن بإمكاننا حينها التفريق بين المسلم واليهودي".
ووقعت مذبحة الخليل عام 1929 خلال انتفاضة البراق في القدس ومدن فلسطينية عدة، حينما احتج المسلمون على سعي اليهود للسيطرة على حائط البراق، الذي يعتبرونه "جزءاً من الهيكل".
ولم تغب عن ذهن فوزية انتفاضة الفلسطينيين عام 1936 ضد الانتداب البريطاني، حين أبعدت السلطات البريطانية والدها طاهر دعنا إلى مدينة صرفند لكونه أحد قيادات الانتفاضة في مدينة الخليل.
"كنا نحمل الأكل للمتظاهرين في شعب الملح... وأذكر مرة كيف خبأت أمي البندقية بين ملابسها وعبرت وسط الجيش الإنجليزي إلى أن وصلت إلى مكان، حيث طمرتها تحت تراب "زيتونة الغيّور"، تروي رمزية.
ورافق الثورة إضراب عامل وشامل استمر نحو ستة أشهر، أُجبر خلاله الفلسطينيون على "طحن الشعير وأكله" بسبب نقص المواد الغذائية الأساسية.
وتعبيراً عن رفضهم للحالة التي وصلوا إليها، كان الفلسطينيون يرددون شعارات مثل "يا حج أمين شوف الحالة... بعد الرز أكلنا نخالة"، في إشارة إلى رئيس اللجنة العربية العليا الحاج أمين الحسيني.
أرشيف رقمي للتاريخ الشفوي
وعلى منصة رقمية، يوفر الفريق تلك الشهادات الحية والوثائق لتكون عاملاً مساعداً للباحثين في دراستهم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية لتاريخ مدينة الخليل الذي يمتد لآلاف السنين.
ويعمل الفريق المكون من 40 شخصاً بشكل تطوعي على جمع معلومات عن المدينة عبر الاستماع إلى شهادات كبار السن، والاستفادة من الوثائق والصور بهدف تكوين مادة تاريخية حولها.
ويقود الفريق الباحث في الأنثروبولوجيا أحمد الحرباوي، الذي يقول إن الأرشيف الشفوي هو "أحد الاتجاهات الحديثة في التأريخ... يتميز بقلة الانحياز الأيدولوجي والفكري وفيه مقارنة بالأرشيف المكتوب".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال الحرباوي لـ "اندبندنت عربية"، إن فريقه يعمل على دراسة وتحليل الشهادات الشفوية لتحديد صدقية الأخبار المتداولة وتوثيقها".
وتابع الحرباوي بأنه يعتمد "مدرسة الحوليات" في دراسة التاريخ التي تقارن الشهادات الشفوية أي الذاكرة الجماعية للشعوب مع التاريخ المكتوب.
وأوضح أن فريقه تمكن من جمع معلومات هائلة حول نواحي الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في مدينة الخليل، بعد حوارات مع أكثر من 100 شخصية وجمع خمسة آلاف وثيقة.
نهضة تعليمية وتجارية وصناعة وثقافية في الخليل
أظهرت تلك الشهادت والوثائق وجود مدرستين في مدينة الخليل أسستا عام 1895 في عهد الحكم العثماني، إضافة إلى مدارس أخرى أنشئت في ظل الانتداب البريطاني للذكور والإنات، وكان يرتادها الطلبة من المدن المجاورة وحتى من شرق الأردن.
وتكشف تذاكر السفر وفواتير الضرائب عن حركة تجارية قوية كانت قائمة مع سوريا ولبنان ومصر، وعن بداية نهضة صناعة في الخليل، وذلك بعد إدخال الآلات إلى المدينة بعد عام 1932 لصناعة هياكل الحافلات والمركبات وكسارات الحجر.
وتكشف تلك الشهادات الحية عن وجود عروض مسرحية في المدينة قبل عام 1948، حيث بنيت مدارس عدة من ريع تلك العروض التي كانت تقام في مسرح المدرسة الابراهيمية في البلدة القديمة للمدينة.
وأشار الحرباوي إلى أن الشهادات الشفوية "لصيقة بوجدان أصحابها، لأنها منتَجة من خلال رؤية جماعية مكتسبة عبر الزمن، ومنتشرة في بنية التفاعل الاجتماعي ضمن مختلف طبقات المجتمع".