ملخص
عرف مسار #الانتقال_الديمقراطي في #تونس تحولات عدة
مثلت تجربة الانتقال الديمقراطي في تونس بعد 2011 استثناء في محيطها العربي وتجربة فريدة من نوعها كان ينظر إليها على أنها نموذج في تجارب التحول الديمقراطي، إلا أن هذه التجربة شهدت تحولات طارئة وباتت محفوفة بمحاذير الانزلاق إلى الحكم الفردي والارتداد عن المكاسب الديمقراطية، بخاصة بعد 25 يوليو (تموز) 2021.
وعمرت فترة الانتقال الديمقراطي حوالى عشرة أعوام قبل أن تداهمها تدابير 25 يوليو 2021 التي ابتكرها رئيس الجمهورية قيس سعيد، المنتخب عام 2019 والتي مثلت منعرجاً في المشهد السياسي الذي عاشته تونس طيلة عشر سنوات في ظل نظام برلماني مزدوج أدى إلى صراع حاد على الحكم وتنازع للصلاحيات بين الرئاسات الثلاث (رئاسة الجمهورية ورئاسة البرلمان ورئاسة الحكومة).
قطعت إجراءات 25 يوليو، مع عشرية اتسمت بالصراعات السياسية، وتزامنت مع أزمة "كوفيد-19" وتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية الحادة، مما دفع التونسيين إلى التعبير عن سخطهم من المنظومة السياسية آنذاك ومن أداء البرلمان.
وإثر الإجراءات الاستثنائية رسم قيس سعيد مساراً سياسياً مغايراً لما كانت تعيشه تونس بتعليق العمل بدستور 2014 واستفتاء التونسيين على دستور جديد في 2022، علاوة على انتخاب برلمان جديد مختلف عن البرلمانات السابقة، وهو الأول من نوعه في تاريخ تونس السياسي المنبثق من قانون انتخابي يعتمد التصويت على الأفراد بدل القائمات.
أعاد هذا المسار السياسي الجديد السؤال حول الانتقال الديمقراطي وما بقي من رصيد ثورة 2011، فهل قطع العقل السياسي في تونس مع فكرة الديمقراطية؟ أم أن الطبقة السياسية الحديثة ستؤسس لديمقراطية جديدة في البلاد؟
انقسم المشهد السياسي بين من يرى أن تدابير 25 يوليو تمثل منعطفاً ضرورياً تحتاج إليه البلاد للقطع مع ما سميت "عشرية إفساد الحياة السياسية" وإغراق البلاد في الصراعات على حساب مصالح التونسيين، وبين من يرى أن تونس كانت في مسار ديمقراطي يقوم على مؤسسات منتخبة ونظام حكم واضح المعالم إلا أن التجربة الديمقراطية الوليدة تحتاج إلى ترميم وليس إلى نسف كلي لذلك المسار.
وهم الانتقال الديمقراطي
يعتقد الإعلامي التونسي المتخصص في الشأن السياسي خالد كرونة في تصريح إلى "اندبندنت عربية" بأن "تونس بعد 2011، لم تكن في ديمقراطية حقيقية"، لافتاً إلى "وجود آليات الديمقراطية كالتعددية الحزبية والانتخابات والتداول على السلطة إلا أن ذلك لا يعني أنها كانت فعلاً ديمقراطية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويضيف أن "الديمقراطية كثقافة وممارسة لم تكن متأصلة في المجتمع التونسي علاوة على غياب محكمة دستورية تفصل في مسائل تنازع الصلاحيات بين مؤسسات الحكم".
وعلى رغم نجاح البلاد في ضمان التداول السلمي على السلطة في انتخابات دورية في 2011 و2014 و2019، ووضع القوى مؤسسات ديمقراطية وهيئات دستورية إلا أن المناخ السياسي الموبوء بالصراعات الضيقة والواقع الاقتصادي والاجتماعي الهش خذلا تلك التجربة وشوها النخب السياسية.
وشدد كرونة على أن "الطبقة السياسية التي حكمت تونس بعد 2011، سوقت لـ "وهم" اسمه تجربة ديمقراطية، مؤكداً أن "الديمقراطية تحتاج إلى قاعدة من الرفاه الاجتماعي وجبهة داخلية متجانسة وشراكات خارجية قوية ومنوال تنموي حديث يقطع مع المنوال المتبع اليوم وهو متهالك يعود لثمانينيات القرن الماضي، وبات غير قادر على خلق الثروة علاوة على تشريعات ثورية تقطع مع النهب والفساد وتضمن العدالة الجبائية".
وخلص إلى أن "الراهن السياسي في تونس يحتاج إلى تأصيل الممارسة الديمقراطية عبر مؤسسة البرلمان المنتخب وبنصوص تشريعية قوية وهو قادر فعلياً على تدشين مرحلة سياسية جديدة في البلاد".
25 يوليو قطعت مع فكرة الديمقراطية
وبينما يجمع المتابعون للشأن العام في تونس على وجود إرهاصات في مسار الانتقال الديمقراطي في فترة ما بعد 2011 جعلته متعثراً، فإن هناك من يرى أن الخلاص لا يكمن في الارتداد على المكاسب بتعزيز صلاحيات رئيس الجمهورية وإفراغ المؤسسات من محتواها.
وفي هذا السياق، يرى أستاذ الأنتروبولوجيا الثقافية في الجامعة التونسية الأمين البوعزيزي في تصريح خاص أن "محطة 25 يوليو قطعت مع فكرة الديمقراطية وأن من يتصدرون المشهد اليوم في الساحة السياسية لا يعوّل عليهم في التأسيس لمؤسسات ديمقراطية ولا يستبطنون فكرة الديمقراطية أصلاً".
ونفى البوعزيزي عن هؤلاء صفة "الطبقة السياسية"، مشيراً إلى "أن معظمهم من أحزاب كانت في المنظومة السابقة كحزب (نداء تونس) وغيره".
وشدد على أن "الطبقة السياسية الجديدة لو كانت فعلاً تستبطن فكرة الديمقراطية لرفضت صورة الدبابة أمام مجلس النواب ولن تقبل بالترشح لبرلمان منزوع الصلاحيات".
واستنتج البوعزيزي أنه "لا يمكن الحديث عن ديمقراطية في الوضع الراهن بتونس بعد أن جمع رئيس الجمهورية كل السلطات بين يديه".
وتهدد الانقسامات السياسية الحادة وهشاشة المؤسسات أي تجربة ديمقراطية مهما كانت عراقتها، بخاصة في حال فشلت النخب السياسية في استيعاب تلك الانقسامات، لذلك تحتاج تونس اليوم إلى مصالحة حقيقية تنهي أزمة الثقة بين النخب وعموم التونسيين وتنمية اقتصادية حقيقية توفر الرفاه الاجتماعي، بما يسهم في الإقبال على المشاركة السياسية لتأصيل الديمقراطية.