تيار من بين التيارات الدينية التي تركت بصمتها في الجزائر، وعلى رغم ظهورها العلني المحدود والمتذبذب، إلا أن "البهائية" تبقى من الطرق الروحية الغامضة التي تثير الجدل، وفي حين أن معتقداتها تصنف في خانة "الإبهام"، تفتح هويتها أبواب الاستغراب على مصراعيها.
حضور قديم
"
البهائية" طائفة دينية ظهرت في الجزائر بشكل فجائي في السنوات الأخيرة على رغم أن نشاطها يمتد لعشرات السنين، إذ تفيد تقارير رسمية بأن البهائية ظهرت في الجزائر في 1910، لكن ترسيخ العقيدة في البلاد لم ينجح إلا بعد 1951، أي قبل استقلال البلاد، وكان أول بهائي جزائري أعلن ديانته هو عبد الكريم أمين خوجة.
وجاء حضور عدد من البهائيين الجزائريين مؤتمراً يضم جميع ممثلي الديانة في مدينة باليرمو الإيطالية عام 1968، ليمثل منعرجاً في تاريخ الطائفة، إذ إنه منذ ذلك التاريخ قررت السلطات الجزائرية اعتبارهم من "المرتدين" وطرد 16 بهائياً إيرانياً إلى الخارج، ونفي خمسة آخرين من جنسية جزائرية مع مصادرة ممتلكاتهم، ليصدر في العام الموالي مرسوم يمنع بصفة رسمية اعتناق البهائية وممارسة شعائرها، بخاصة أن الدولة بعد الاستقلال كانت تبنت ما سمي آنذاك بـ"رفض التأثيرات الاستعمارية"، إلى جانب وضع قانون "زعزعة العقيدة".
ومنذ 1969 اختفت البهائية من المشهد العام في البلاد حتى 2008، إذ خرجت الفرقة إلى العلن بقوة منتشرين أفرادها في الشوارع والساحات، وهناك اكتشف الشارع الجزائري هذه الطائفة، لا سيما أن ذلك تزامن مع كشف السلطات الأمنية عن خلية لنشر البهائية بمحافظات الطارف وسطيف وقسنطينة شرق البلاد، لتنطلق معها أحاديث عن ارتباط أعضاء الطائفة بجمعيات أوروبية وأميركية من خلال التواصل مع شبكات هي أقرب للتنظيمات اليهودية العالمية، باستعمال وسائل التكنولوجيا الحديثة.
سرية وهجمات عنيفة
لا أحد يعرف عدد البهائيين الحقيقي، ولا كيف أو أين ينتشرون بشكل خاص في البلاد، لتبقى السرية نقطة قوة الطائفة لاسيما من ناحية ممارسة الطقوس، لكن بات الجميع يسمع عنهم بخاصة بعد أن شنت عليهم أطراف هجمات عدة بما فيها السلطة التي حاصرت نشاطهم، وفي حين يعتبرهم بقية التيارات الدينية "أهل البدع والنار" تتوجس الجهات الأمنية من علاقتهم بالخارج وأهدافهم المشكوك فيها، بينما يبقى المجتمع الذي يرى فيهم من الصوفية، يراقب الوضع ويحاول جمع مزيد من المعلومات حول هوية "البهائية".
المركز العالمي للبهائيين في حيفا (أ ف ب)
بهائيو الجزائر غالبيتهم من الشباب من مختلف الأعمار ومن خريجي الجامعات، بطالين وموظفين، يعتبرون أنفسهم أصحاب رسالة سماوية لا يختلفون في شيء عن أي شعب مرسل، وهم لا يتزوجون إلا من بعضهم والأمر غير مكلف واحتفالاته بسيطة. يدفنون موتاهم في ساحة البيت، وأحياناً في غرفة من الغرف لتبقى الروح قريبة من البقية. صلواتهم مختلفة يؤدونها على انفراد عدا صلاة الجنازة التي تتم عبر تكبيرات "الله وأبها" ست مرات. يعتبرون المرأة شيئاً مهماً في الحياة ومقدساً أيضاً، لا يمكن الإساءة إليها، إذ لا فرق بين المرأة والرجل في الحقوق والواجبات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
حرية المعتقد مكفولة في الدستور ولكن
يرى الأستاذ الجامعي والباحث في الديانات سيف الدين إمامي، أن عدد المنتسبين إلى البهائية في الجزائر ضعيف، وهم يمارسون طقوسهم في سرية تامة خوفاً من القتل من طرف تيارات دينية أخرى أو الاعتقال من الجهات الأمنية، مشيراً إلى أن التحول إلى البهائية إنما يكشف عن شعور هؤلاء بأن الإسلام خيب ظنهم لأنه ارتبط في مخيلتهم بالتطرف والعنف، وقال إن الإرهاب والغلو وإدانة الآخر وإلغاء رأيه ووجوده، من أسباب بحث الشخص عن الراحة الروحية.
ويوضح الحقوقي إبراهيم بهلولي أن حرية المعتقد في الجزائر مكفولة في الدستور، إلا أن الخروج عن المعلوم من الدين يصبح غير قانوني، بالتالي وجب متابعة المخالفين بجريمة يكيفها وكيل النيابة العامة، مضيفاً أن الجريمة هي كل فعل يمس بشخص من أجل تحقيق هدف معين، حيث يكون ذلك الفعل مجرماً من الناحية القانونية.
ويضيف أن نشاط تلك الفرق يخرج عن المعلوم من الدين، بالتالي يعتبر الأمر جريمة كجنحة سب الدين، التي يعاقب عليها القانون الجزائري، مشيراً إلى وجود جمعيات في الجزائر تنشط في شتى المجالات، تعمل على محاربة جميع فئات المجتمع كالأسرة والطلبة، مثل جماعة "عبدة الشيطان" التي تمارس طقوساً رهيبة في كثير من الأماكن السرية، وهي أعمال وتصرفات مجرمة قانوناً يعاقب مرتكبوها.