ملخص
منذ ديسمبر 2020 أضاف المستثمرون نحو 29 مليار دولار لصناديق الأسهم العالمية في الوقت الذي سحبوا من صناديق الأسهم البريطانية نحو 15 مليار دولار
رغم التحسّن الكبير في أداء مؤشر بورصة لندن "فوتسي 100"، فإن الشركات والمستثمرين يواصلون الابتعاد عن حي المال والأعمال "سيتي أوف لندن" بالعاصمة البريطانية.
فمن المفترض أن البورصة اللندنية تتمتع بأداء قوي، إذ حقق مؤشرها الرئيس أفضل أداء بين مؤشرات البورصات الكبرى العام الماضي 2022، إلا أن المستثمرين سحبوا في مارس (آذار) الماضي من صناديق الاستثمار التي تركز على الأسهم البريطانية نحو 747 مليون جنيه إسترليني (939 مليون دولار)، وفقاً لبيانات شبكة متابعة الصناديق "كالاستون"، مما يعني هرب المستثمرين بأموالهم من صناديق الأسهم البريطانية للشهر الـ22 على التوالي.
وتوضح الأرقام والبيانات أن المستثمرين غيّروا وجهتهم من الاستثمار في الأسهم البريطانية إلى صناديق الأسهم العالمية، فمنذ ديسمبر (كانون الأول) 2020 أضاف المستثمرون نحو 23 مليار جنيه إسترليني (29 مليار دولار) لصناديق الأسهم العالمية، في الوقت الذي سحبوا من صناديق الأسهم البريطانية نحو 12 مليار جنيه إسترليني (15 مليار دولار).
"هرب المستثمرين بأموالهم من الصناديق البريطانية أمر مثير للاستغراب"، على حد تعبير إدوارد غلين من شركة "كالاستون" في تصريحات إلى صحيفة "ديلي تلغراف". مضيفاً أنه "من الواضح أن الأداء القوي للأسهم البريطانية بعد فترة من تخلفها عن الارتفاع رفقة السوق العالمية وفّر فرصة للمستثمرين للبيع والاستفادة من ارتفاعها".
أسباب الهرب
ويرجع المحللون أسباب هرب الأموال من صناديق الأسهم البريطانية وتفادي الشركات التسجيل على مؤشر بورصة لندن إلى عوامل عدة، من أهمها التوقعات المستقبلية السلبية في شأن أداء الاقتصاد البريطاني، خصوصاً أن أغلب الأسهم المسجلة في بورصة لندن شركات اقتصاد تقليدي، وليست شركات تكنولوجيا سريعة النمو.
هذا إلى جانب قواعد التنظيم المالي التي يعتبرها المستثمرون أكثر تعقيداً وكلفة في لندن عنها في "وول ستريت" بنيويورك مثلاً، هذا إضافة إلى عوامل أخرى تتعلق بسوق "وول ستريت" نفسها مقارنة ببورصة لندن.
وشهدت فترة مفاوضات "بريكست" في 2020 هرباً كبيراً للمستثمرين، وقد يرجع ذلك إلى مخاوف خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بينما كان خروج الشركات من حي "السيتي" وسحب الأموال من صناديق الأسهم البريطانية قد بدأ ما بعد استفتاء "بريكست" عام 2016 مباشرة.
ففي الشهرين الأخيرين من عام 2020 سحب المستثمرون 2.4 مليار دولار من الصناديق التي لديها انكشاف على الأسهم البريطانية، في إطار نزف الأموال خارج صناديق الأسهم البريطانية المستمر منذ استفتاء "بريكست" عام 2016.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
إلى ذلك قدرت صحيفة "فايننشال تايمز" في نهاية عام 2020 أن الفترة منذ يونيو (حزيران) 2016 وحتى شهر أكتوبر (تشرين الأول) 2020 وصل حجم خروج أموال المستثمرين من صناديق الأسهم البريطانية إلى 42 مليار دولار، مما يعني تراجعاً بنسبة 17 في المئة لأصول تلك الصناديق.
ومع أن مؤشر بورصة لندن ارتفع بشكل جيد العام الماضي، قبل أن يتجاوز حاجز ثمانية آلاف نقطة العام الحالي، وهو ما وفر عائداً جيداً على الأسهم للمستثمرين، إلا أن العائد في السنوات الـ10 الأخيرة لم يكن جيداً في المتوسط، إذ بلغ العائد في السنوات الـ10 نحو 86 في المئة، وهو أقل بشكل معقول عن عائد الأسهم على مؤشر "ستاندرد أند بورز 500" في بورصة نيويورك أو مؤشر الأسهم العالمية "أم أس سي آي".
ومن الأسباب الرئيسة التي تجعل من بريطانيا بيئة غير استثمارية في العقد الأخير، كما يقول سمسار الأسهم في شركة "أي جيه بيل" ليث خلف، هو انكشاف البورصة البريطانية الكبير على "أسهم الاقتصاد القديم"، قاصداً "أسهم شركات النفط والغاز والتعدين والتبغ وغيرها".
النمو البطيء
وأضاف خلف أن "أداء تلك الأسهم كان جيداً في الـ18 شهراً الأخيرة"، مستدركاً "لكن على مدى السنوات الـ10 الأخيرة كانت البورصة البريطانية ستقدم أداء أفضل في وجود شركات تكنولوجيا سريعة النمو كالتي دفعت بمؤشرات البورصة الأميركية إلى الأعلى".
ورغم ذلك تفضل شركات التكنولوجيا البريطانية السوق الأميركية لما تتمتع به من مرونة أكبر وسيولة هائلة، فعلى سبيل المثال تفادت شركة "آرم" البريطانية لصناعة الرقائق الإلكترونية التسجيل في بورصة لندن وفضلت التسجيل في بورصة نيويورك، كما انتقدت شركة "مايكروسوفت" هيئات تنظيم السوق البريطانية ووصفتها بالجمود، بعد أن أوقفت هيئة مكافحة الاحتكار وتنظيم السوق صفقة استحواذ الشركة الأميركية على شركة الألعاب الإلكترونية البريطانية "أكتيفيغن بليزارد" قبل أيام.
في شهادة لها أمام لجنة الخزانة بالبرلمان البريطاني قالت الرئيس التنفيذي لبورصة لندن جوليا هوغيت إن "الاستثمار المحلي في الأسهم البريطانية شهد تراجعاً كبيراً في العقدين الماضيين"، مضيفة أن "الشركات والمستثمرين يصفون قواعد التسجيل في بورصة لندن بالجمود البيروقراطي والكلفة العالية، وهو مما يدفع الشركات البريطانية إلى التسجيل في الخارج".
يضاف إلى ذلك التوقعات المتشائمة في شأن أداء الاقتصاد البريطاني، إذ كانت أحدث تلك التوقعات صادرة عن صندوق النقد الدولي، بعد أن أشار إلى أن الاقتصاد البريطاني سيكون الأسوأ أداءً بين الاقتصادات الكبرى هذا العام.
وقدر تقرير الصندوق الأخير حول مستقبل الاقتصاد العالمي انكماش الناتج المحلي الإجمالي البريطاني خلال 2023 بنسبة نمو سلبي (0.3-) في المئة في المتوسط، بينما يتوقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي لروسيا مثلاً بنسبة 0.7 في المئة.