ملخص
في ظل الأوضاع المتصاعدة، هل يمكن أن تتحول المعارك المستعرة في السودان إلى حرب استنزاف طويلة الأمد نظراً إلى عدم قدرة أي طرف على حسم المعركة لصالحه على الأرض؟
دخلت المعارك الدائرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع أسبوعها الثالث من دون وجود بوادر لتوقفها على رغم إعلان الطرفين هدنة للمرة الخامسة على التوالي لمدة 72 ساعة في كل مرة، فما زال دوي الانفجارات وأصوات الرصاص والمدفعية يسمع في مناطق عدة من العاصمة المثلثة (الخرطوم، والخرطوم بحري، وأم درمان)، الأمر الذي جعل حركة السكان متواصلة باتجاه القرى والمدن القريبة من العاصمة.
في ظل هذه الأوضاع المتصاعدة، هل يمكن أن تتحول المعارك المستعرة إلى حرب استنزاف طويلة الأمد نظراً إلى عدم قدرة أي طرف على حسم المعركة عسكرياً لصالحه، فضلاً عن عدم وجود رغبة واضحة في الحل السياسي؟
عوامل التفوق
يقول عضو تجمع قدامى المحاربين السودانيين اللواء معتصم العجب "في الحقيقة من الصعب تحول القتال المستمر في الخرطوم منذ منتصف أبريل (نيسان) إلى حرب استنزاف، لعدم توفر عوامل ومواصفات مثل هذا النوع من الحروب التي دائماً ما تكون في مناطق بعيدة من التأثير المدني، فالحرب الحالية هي حرب مدن تدور وسط المواطنين، وستظل هكذا حتى يصل الجانبان إلى تفاهمات توقفها".
وأضاف العجب "إذا نظرنا إلى توازن القوى بين الطرفين سنجد أن هناك تكافؤاً، فعلى رغم أن الجيش يتفوق من الناحية العددية على قوات الدعم السريع، لكن ليست معظم وحدات الجيش قتالية، فمنها ما يتعلق بالجانب الفني والخدمي، مما يجعل الكفة متساوية بينهما".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتابع "أما في جانب التسليح فإن قوات الدعم السريع تتفوق على الجيش من ناحية اعتماد الأولى على الأسلحة الخفيفة التي تتناسب مع معارك الشوارع من بنادق ورشاشات، إلى جانب استخدام مركبات الدفع الرباعي التي تتميز بسرعة الحركة، في حين أن قوة الجيش الحاسمة كالطيران والمدفعية الثقيلة لا يمكنها أن تحارب داخل المدن وإلا ستحدث كوارث، كما رأينا من تدمير المنازل في الخرطوم، وهو ما يزيد من سخط الشارع والمجتمع الدولي".
وواصل العجب "هناك أيضاً عامل التدريب، وهو العامل المهم في عملية القتال داخل المدن، وهنا نجد أن قوات الدعم السريع تتفوق لما حظيت به من تدريبات من قبل شركة "فاغنر" الروسية المتخصصة في هذا المجال، بخاصة حرب المدن ومكافحة العصابات، مما جعلها تتنشر وتسيطر على مواقع عديدة في العاصمة، لكن استخدام الجيش السوداني الطيران الحربي قطع عنها خطوط الإمداد من محاور عدة".
وتوقع عضو تجمع قدامى المحاربين السودانيين أن تنسحب قوات الدعم السريع من العاصمة غرباً أو شرقاً إذا استمر قطع الإمداد عنها، إضافة إلى بعد المسافة بينها وبين قواعدها وحاضنتها القبلية، وعدم ملاءمة البيئة لمقاتليها، فضلاً عما يمتلكه الجيش من إمكانات وعلاقات خارجية.
وعي المواطن
من جهته، أوضح المحلل السياسي الحاج حمد، أن "الحرب التي تدور منذ أسبوعين في مدن العاصمة لا يمكن تسميتها بغير حرب عبثية أدت إلى تدمير مقدرات البلاد المدنية والعسكرية، والواقع أنه لا أحد من طرفي القتال بإمكانه حسم المعركة لصالحة، لأنها أصبحت حرباً روتينية تعتمد على الكر والوفر، ولو أن هناك بالفعل مؤسسة عسكرية حقيقية تعقد اجتماعات وتدير عمليات ميدانية لكان من المفروض أن تحدد توقيتاً لإنهاء هذه المعركة".
وزاد حمد "واضح أن الجيش يفتقد قدرات المشاة، لذلك يعتمد على سلاح الطيران الحربي لإنهاك قدرات قوات الدعم السريع الموجودة ميدانياً في مواقع عدة من مدن العاصمة حتى لا تعيد ترتيب صفوفها".
ومضى المحلل السياسي في القول "الحقيقة أن الجميع متضرر من استمرار هذه الحرب، بخاصة المواطنين والدولة، بسبب توقف الحياة والإنتاج، بالتالي توقف عمليات تحصيل الضرائب التي تشكل أساس إيرادات الميزانية التي توجه 70 في المئة منها للأمن والدفاع، وهو ما يجعل هناك صعوبة في تغطية التزامات الجانب العسكري".
وبين أن المواطن السوداني كان واعياً لدى تعامله مع هذه المعركة، إذ اتخذ موقفاً حيادياً من دون أن يبدي تعاطفه أو مشاركته مع أي من الطرفين، فهو يريد مخرجاً يؤدي لوقف هذه الحرب العبثية التي أدت إلى تدمير وانهيار البلد، لكن المشكلة أنه اتضح جلياً أن الشراكة الدولية ضعيفة ولم تتمكن من إحراز تقدم في جانب الحل السياسي بسبب التباين في المواقف، والكل الآن في انتظار ما ستحدثه مبادرة "الإيغاد" من وقف دائم لإطلاق النار.