ملخص
حبه للوقوف أمام الكاميرا دفع الممثل السوري عباس النوري إلى تغليب مهنة التمثيل على الكتابة والإخراج
عباس النوري ممثل ومخرج وكاتب سوري، لكن حبه للوقوف أمام الكاميرا دفعه إلى تغليب مهنة التمثيل على الكتابة والإخراج، وهو يعد من أبرز نجوم الدراما السورية، وترك بصمته في كل الأعمال التي شارك فيها من بينها "قلوب دافئة"، "لك يا شام"، "الهجرة إلى الوطن"، "مختصر مفيد"، "أيام شامية"، "الدغري"، "أحلام مؤجلة"، "حمام القيشاني"، "بيت العز"، "ليالي الصالحية"، "حارة القبة"، "شارع شيكاغو" وغيرها. ومع أن شهرته وصلت إلى كل الدول العربية، إلا أن شخصية "أبو عصام" التي قدمها في الأجزاء الأولى من مسلسل "باب الحارة"، جعلته نجماً عربياً بامتياز، وإن كان يسعى اليوم إلى "التخلص" من هذا اللقب الذي طغى على كل الشخصيات الأخرى التي قدمها خلال مشواره الفني الطويل.
الشيخ مالك وأبو العز
في الموسم الرمضاني 2023، تميز النوري بشخصية "الشيخ مالك" التي قدمها في مسلسل "مربى العز"، الذي تنافس مع أعمال تنتمي إلى فئة أعمال البيئة الشامية، عرضت في الموسم نفسه مثل "زقاق الجن" و"العربجي" كما في "حارة القبة 3" الذي قدم فيه شخصية "أبو العز".
يقيم النوري مستوى الدراما السورية التي عادت إلى تصدر الشاشات العربية بعد غياب قسري استمر نحو 10 سنوات، قائلاً "المشهد الفني والثقافي واحد ويرتبط ببعضه، ولا يمكن أن تتوقف الثقافة أو الفن في أي لحظة، بل ربما يحصل تأجيل لفترة معينة، ولكن يبقى الفنان، والثقافة والمثقف بشكل عام، مسؤولاً عن شهادته والزمن الذي يعيش فيه. لذا أنا لا أرى أن الدراما توقفت أو تراجعت أو أنها عادت بقوة أو بشكل ضعيف، وهذا الكلام مجرد عناوين يستهلكها الإعلام على حساب الحقيقة، التي تقول إن الفن والثقافة موجودان وإن من يعملون في المجال قادرون على إعطاء المزيد داخل سوريا وخارجها، مما يسهم بتشكيل المشهد بشكل عام.
في المقابل، لا يمكن القول إن الدراما السورية عادت بقوة لأن قوتها تقوم على الحريات وعلى إيجاد أسواق لأفكارها وقضاياها وحكاياها، لذا، أنا لا أرى المسألة من هذا البعد بمعنى أنها عادت لسبب ما أو أنها حجبت أو حوربت أو منعت، بل أراها بشكل واقعي. فنحن نقدم دراما ونبحث عن الأسواق والأسواق العربية متاحة ومرحبة دائماً، وإن كانت لها شروطها في ظرف من الظروف، ولكن هذه الشروط تتلاشى أمام الجودة التي تفرض نفسها دائماً. الفنان العربي من أي بلد كان عندما يكون مرتاحاً، يقدم صورة مهمة ومعبرة ومبدعة عن بلده، والدراما السورية قدمت هذه السنة بعض الصور التي تستحق أن تكون في الصدارة".
أبو عصام وأبو كلبشة
في المقابل، يتأسف النوري لطغيان أعمال البيئة الشامية على الدراما السورية، ويوضح "هذه الأعمال تحولت إلى بضاعة رائجة تطلبها السوق والمزاج العام للمشاهد في رمضان، لأن ثقافة المشاهد فيه تستجلب المزاج لأعمال البيئة لأنها بسيطة ومسلية وسلسة وتناسب العائلات المحافظة والتقاليد. ومع أن هناك امتداد للمواضيع في هذه الأعمال، بصرف النظر عن مستوياتها وعناوينها، تبقى البيئة الشامية متكأً وبستاناً جميلاً للثقافة وللمشهد الفني. غوار الطوشي وحسني البورظان وأبو كلبشة وأبو عصام كلهم ورود في بستان البيئة الشامية التي أصبحت الفاكهة الضرورية على مائدة رمضان وشاشاته".
وعن كيفية تحضيره لشخصية "الشيخ مالك" التي شكلت حالة، ومدى قدرتها على منافسة شخصية "أبو عصام" في حال تم تنفيذ أجزاء لاحقة من مسلسل "مربى العز"، يقول "أنا أتمنى أن تنافس أي شخصية أقدمها شخصية (أبو عصام) لأنني أرغب بالتخلص من هذا اللقب مع احترامي الكبير له، الذي تشرفت به في الأجزاء الأولى من مسلسل (باب الحارة)، وبالنسبة إلى (الشيخ مالك)، فأنا فهمته وتعاملت معه كإنسان وليس كرجل دين، ولم أرغب بأن يظهر كرجل دين تخرج الفتاوى وكتب الفقه والمراجع الإسلامية والأحاديث النبوية والقرآنية من عنده. الصورة الشمعية لرجل الدين سواء كان مسلماً أو مسيحياً تظهره بطريقة يتحكم بها التابو العام، حتى أن المزاج العام للجمهور يتواطأ مع الرقابات بطريقة ما لكي يظهر بهذه الصورة مع أنها ليست صورته الحقيقية، بل هو إنسان لديه أخطاء وعواطف ومشاعر ومشكلات وحكايا، وعند الدخول إلى حياته يمكن مشاهدة كل خطاياه ولا يوجد في هذا الأمر إساءة لما يمثله لأنه لا يمثل الدين بل هو يمثل نفسه. التعامل بطريقة شمعية مع الشخصية الدينية يدل على قلة الذكاء لأننا لا نراه ابن الحياة الطبيعي، سواء كان ابناً أو أخاً أو جاراً نعرف أنه يمكن أن يتشاجر مع زوجته أو أن يطلقها، وهذا الأمر ينطبق على معظم الشيوخ". وعما إذا كان قد تدخل لتقديمه بهذه الطريقة يوضح "إلى حد ما. أنا قدمت هذا الاقتراح وكان هناك تفاهم كبير بيني وبين المخرجة رشا شربتجي لناحية التخلص من المحتوى الشمعي لشخصية الشيخ. لكن الأرضية كانت موجودة في المادة الخام التي كتبها علي الصالح، أي إننا لم نبن شيئاً في الهواء بل وفق مقترحات مكتوبة في نص جميل".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقارن النوري بين تجربته في التعامل مع المخرجة رشا شربتجي في "حارة القبة-3" و"مربى العز" وسواها من المخرجين، مؤكداً أن لديها طريقة وأسلوباً خاصين بها نتيجة الخبرة وتراكم التجارب، ومضيفاً "الأهم بالنسبة إليّ كممثل هو أن إحساسي بالشراكة معها كبير جداً، لا شيء محظور أو تابو أو محرم، بل أنا قادر على الإضافة وإبداء الرأي والمناقشة، وهي تتقبل وتناقش ولديها عقل منفتح، وهذا أبرز ما يميزها عن سواها من المخرجين. وبرأيي، فإن المخرج الناجح يختبئ وراءه ممثل ناجح وديكور ناجح وتصوير ناجح… إلخ. وهذه الكتلة من التعاون تحتاج إلى قائد منفتح العقل لكي يستفيد من الإمكانات الجميلة، وإلا يكون مصير العمل الفشل بكل تأكيد، أو تكون فيه كثير من نقاط الضعف، ورشا شربتجي تتعاون مع الجميع بهذا البعد المنفتح وليس معي فقط".
غياب المسرح والسينما
وعما إذا كان يعاني عادة مع المخرجين خصوصاً وأنه درس الإخراج ومارسه كمهنة، يجيب "بل أنا أعاني من المخرجين الأميين فقط، وإذا لم يكن المخرج قادراً على قراءة مبدعة ومسؤولة وعلى استفزاز عناصر التعبير عند الممثلين فإنه يأخذ ورقة نعوته معه قبل قراءة العمل". ورداً على الممثلين الذين يعتبرون أن عدد المخرجين المبدعين لا يتعدون الخمسة أو أربعة مخرجين فقط على مستوى العالم العربي، يعلق النوري "أنا لا أنظر إلى الموضوع من هذه الزاوية، بل أعتبر أن عالم الإخراج في حالة تطور مستمرة بوجود وسائل التكنولوجيا الحديثة من تصوير ومونتاج وغيرهما. لذلك يمكن لمخرج صغير في السن أن يتفوق على كثير من المخرجين الذين سبقوه، ولكن هذا لا يعني إلغاءه ريادتهم. الإمكانات متوفرة دائماً لوجود مخرجين لديهم رؤى مختلفة وجديدة، والجيل الجديد من المخرجين الشباب الذين برزوا في المرحلة الحالية في سوريا ومصر والخليج، هم رواد بطريقة من الطرق في هذا الزمن، الذي يتميز بحداثة عالية جداً على كل المستويات التقنية وغير التقنية".
نوري الذي جمع في تجربته بين التمثيل المسرحي والسينمائي والتلفزيوني، يعتبر أن هناك صعوبة في الرد على سؤال حول ما إذا كان التمثيل في التلفزيون أطول عمراً من التمثيل في المجالين الأول والثاني، وأن لا استمرارية فيهما، ويضيف "هناك غياب حقيقي للمسرح في سوريا. هو غائب عن حياة الناس وقضاياهم كما عن وجوده كشاهد ثقافي مهم، والأمر نفسه ينطبق على السينما التي يمكن القول إنها عديمة الإمكانات تقريباً في هذا الزمن، لذا فإن الحديث عنها صعب جداً. السينما لم يعد لديها جمهور والجمهور هو سوقها الرئيسة وكذلك المسرح، بينما التلفزيون له سوق خارجية ويفرض أعماله في القنوات والشاشات العربية الأخرى، التي ترحب به دائماً لأنه يقدم صناعة جيدة ولا بد من الاعتراف بذلك".